محللون: البورصة الأميركية تواصل تحليقها ولن تهبط قريبا

دورة الارتفاع المتواصل تدخل عامها الثالث.. والشركات الصغيرة الأفضل أداء

جانب من بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ينبئنا التاريخ بأن الاتجاهات الصاعدة الطبيعية عادة ما تكون لها فترة صلاحية أقل من أربع سنوات، وبالتالي كان من المفهوم أن تظهر بعض المخاوف مع دخول الاتجاه السوقي الصاعد الذي بدأ في مارس (آذار) 2009 عامه الثالث هذا الشهر.

غير أن بعض المحللين الاستراتيجيين في «وول ستريت» ينظرون إلى الشهور بشكل مختلف، حيث يرون أن الاتجاه الصاعد الذي بدأ في 2009 قد انتهى بالفعل العام الماضي، حين مر مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» بفترة عصيبة من أواخر أبريل (نيسان) حتى أوائل أكتوبر (تشرين الأول).

وخلال تلك الفترة، انهار المؤشر انهيارا مدويا وفقا لأسعار الإغلاق اليومية بعد هبوطه بنسبة 19,4 في المائة - بفارق ضئيل عن حاجز العشرين في المائة الذي ينقل السوق إلى مرحلة الاتجاه الهابط، وإن كان المؤشر قد هبط إلى ما دون ذلك المستوى لفترة وجيزة أثناء جلسة التداول يوم 3 أكتوبر.

ويقول المنطق إنه لو كان هناك اتجاه هابط قد حدث حقا، إذن فلا بد أن هناك اتجاها صاعدا جديدا قد بدأ في 3 أكتوبر، وهذا لا يعني فحسب أن الأسهم لديها مساحة أكبر للحركة، بل يعني أيضا أن قطاعات مثل قطاع التكنولوجيا، التي تتسم بالحساسية للتغيرات في الدورة الاقتصادية، مقبلة في الغالب على مرحلة من الأداء الجيد. ورغم تعرض تلك القطاعات لتراجع بسيط الأسبوع الماضي، فقد ظلت تؤدي بقوة لشهور عديدة.

يقول سام ستوفال، كبير محللي الأسهم بشركة «إس أند بي كابيتال آي كيو»: «من الناحية الرسمية، إذا أردت رأي (ستاندرد أند بورز) في الوضع الحالي، فنحن نرى أن الاتجاه الصاعد يدخل عامه الرابع، لأن السوق رسميا لم تتراجع بنسبة 20 في المائة وفقا لأسعار الإغلاق. ولكن إذا تساءل أحدهم: (ماذا سيحدث في رأيك من ناحية الأداء؟)، فأنا أعتقد أن السوق ستسير كما لو كنا في العام الأول من اتجاه صاعد جديد».

وهذا هو الوضع في الوقت الراهن، ولكن إذا نظرنا إلى الموضوع تاريخيا، سنجد أن أول عام في الارتفاعات الكبرى كان يحمل معه أكبر قفزة للمستثمرين، وكان مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» يسجل ارتفاعا بنسبة 38 في المائة في المتوسط خلال العام الأول من الاتجاهات الصاعدة التي وقعت في الماضي منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى نفس المنوال، فإن الارتفاع الذي بدأ في 3 أكتوبر قد دفع المؤشر بالفعل إلى الارتفاع بنسبة 27 في المائة في أقل من ستة أشهر.

وهذه الطفرة ليست الدليل الوحيد الذي يؤيد الرأي القائل بأن «وول ستريت» يمر باتجاه صاعد جديد، فعادة ما تميل أسهم الشركات الصغيرة - التي تعتبر أصولا أكثر مخاطرة ولكنها أعلى في العائد من الأسهم الممتازة - إلى الأداء بشكل أفضل من السوق الأوسع نطاقا في بداية أي ارتفاع جديد، على عكس أسهم الشركات الكبرى والقيادية التي لا تبدأ عادة في الصعود إلا بعد فترة من بداية صعود السوق.

وكما هو متوقع، فقد سجلت أسهم الشركات الصغيرة أداء أفضل حتى من مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» على مدار الأشهر الستة الماضية، حيث ارتفع مثلا مؤشر «ناسداك» المركب، الذي يتكون من شركات أصغر حجما وأسرع نموا من الشركات التي يضمها مؤشر «ستاندرد أند بورز 500»، بنسبة تزيد عن 31 في المائة منذ 3 أكتوبر، في حين ارتفع مؤشر «راسل 2000» للأسهم الصغيرة بنسبة 36 في المائة.

وفي الوقت ذاته، سجلت القطاعات ذات الحساسية الاقتصادية العالية مثل قطاع التكنولوجيا وأسهم القطاعات الاستهلاكية غير الأساسية أداء أقوى من السوق الأوسع نطاقا منذ أكتوبر، وهذا أيضا من الأمور المعتادة في العام الأول من الاتجاهات الصاعدة، حسبما يقول ستوفال.

وأضاف أنه لو كان هذا هو العام الرابع للصعود، لكانت المناطق الدفاعية في السوق - مثل أسهم الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية والمرافق - هي المتفوقة الآن، ولكنها ليست كذلك.

ويقول جيسون سو، كبير مسؤولي الاستثمار بشركة الاستشارات الاستثمارية «ريسيرش أفيلييتس»، إنه حتى لو لم يكن المستثمرون مقتنعين بأن هذه بداية صعود جديد، فإن نفسية السوق ستستمر في الغالب في دفع الأسواق إلى الارتفاع في الفترة الحالية.

ويوضح: «تقول الأبحاث المتعلقة بقوة الدفع التي تتمتع بها أسعار الأصول على المدى القصير إنه إذا حدث ارتفاع قوي ومطرد في أسعار الأصول لستة أشهر، فإن هذا سيؤدي على الأرجح إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار».

وأضاف أن كثيرا من المستثمرين «لم يشاركوا في الارتفاع الذي قادته أسهم الأصول الخطرة بداية من أكتوبر الماضي وكان قائما بدرجة كبيرة على المضاربة». ومن ثم، بالنظر إلى عقلية القطيع التي تسود بين الحين والآخر في «وول ستريت»، فإن هؤلاء المستثمرين قد يكونون ببساطة في انتظار فتحة يقفزون منها. ونتيجة لهذا، يقول سو إنه يعتقد أن السوق الأوسع نطاقا ربما تواصل صعودها على المدى القريب، وأنه قد يحدث طلب متواصل على الأسهم الأعلى مخاطرة ذات الحساسية الاقتصادية، وخاصة في حالات تراجع السوق.

وهناك بالتأكيد أنواع مختلفة من اتجاهات الصعود، منها ما يسمى «اتجاهات الصعود الدائرية»، التي تميل إلى مصاحبة أي توسع اقتصادي منفرد، وكذلك ما يسمى «الاتجاهات الصاعدة المطولة»، التي قد تستمر لأكثر من عقد، وتتضمن بداخلها في الغالب دورات أقصر من الصعود والهبوط. على سبيل المثال، كانت فترة الازدهار التي شهدتها البورصة من 1982 إلى 1999 آخر مثال بارز على الاتجاه الصاعد المطول.

لكن مارك لوشيني، كبير خبراء الاستثمار بشركة «جاني منتغومري سكوت»، يقول: «لا أظن أننا بدأنا صعودا مطولا جديدا»، مشيرا إلى أن الاتجاهات الصاعدة المطولة تاريخيا كانت تبدأ في الغالب بينما تكون نسب السعر إلى الأرباح مكونة من رقم واحد، كما كان الحال سنة 1982، ولكن مع تقييمات تتضمن متوسط الأرباح لعشر سنوات، نجد أن نسبة السعر إلى الأرباح في السوق قد تجاوزت 20 في المائة.

ويقول دوغ رامزي، كبير مسؤولي الاستثمار بشركة «ليوثولد غروب»، هو الآخر إنه صحيح أن هذا قد يكون اتجاها صاعدا جديدا، لكنه يسميه ارتفاعا «غير اقتصادي».

بعبارة أخرى، فإن هذا الاتجاه الصاعد - على عكس الاتجاه الذي بدأ في مارس 2009 - ظهر بعد اتجاه هابط لم يتزامن مع حالة ركود رسمية.

ولكن ما أهمية ذلك؟ يقول رامزي: «حالات الركود هي التي تفسح المجال أمام حالة أطول أمدا من التعافي، حيث تهبط بالتقييمات إلى مستويات متدنية للغاية تكون نقطة انطلاق نحو ارتفاعات أكبر».

وقد توصل البحث الذي أجراه رامزي حول الاتجاهات الصاعدة غير الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية إلى أن هذه الارتفاعات تميل إلى أن تكون أقصر عمرا - حيث يصل طول الاتجاه الصاعد في المتوسط إلى 31 شهرا فقط - كما أنها تكون أخف في الغالب. وفي حين أن الاتجاه الصاعد غير الاقتصادي التقليدي قد يسترد أقل من 62 في المائة، بصورة تراكمية، فإن متوسط الاتجاه الصاعد الذي يبدأ بعد حالات الركود يرتفع بما يقرب من 102 في المائة.

وبالطبع، بما أن الأسهم ارتفعت بنسبة 27 في المائة حتى الآن خلال موجة الارتفاعات الحالية، فإن هذا يعني أن السوق أمامها مجال كبير للارتفاع مستقبلا.