الرئيس التنفيذي لشركة «آبل» يترك بصمته على مشكلات العمالة

ظروف عملهم في الشركات المصنعة لأجهزتها في الصين أثارت جدلا

TT

بعد يوم واحد من الجولة التي قام بها تيموثي كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، تفقد خلالها المصنع الذي يقوم بتصنيع منتجات الشركة في الصين، انتقد تقرير، تم إعداده بتكليف من الشركة، طول ساعات العمل وظروف العمل الخطرة داخل المصانع التي تديرها شركة «فوكس كون»، المسؤولة عن تشغيل المصنع الذي قام كوك بزيارته الأسبوع الماضي.

وفي رد فعل على ذلك، تعهدت شركة «فوكس كون» بتقليل ساعات العمل ورفع الأجور بصورة كبيرة داخل مصانعها.

وجاء ظهور كوك في أحد المصانع التي تنتج أجهزة «أبل»؛ تعبيرا عن مدى اختلاف نظرة الرئيس التنفيذي الجديد لشركة «أبل» تجاه قضية ظهرت على السطح لأول مرة في عهد سلفه، ستيف جوبز.

ومنذ أن تولى كوك مسؤولية الرئيس التنفيذي في أغسطس (آب) الماضي، قبل وقت بسيط من وفاة جوبز، اتخذت شركة «أبل» عددا من الخطوات الهامة للتعامل مع الجوانب المثيرة للقلق في عملية تصنيع منتجات «أبل».

وحينما أصبح الرئيس التنفيذي، تساءل الكثيرون عما إذا كان بمقدور كوك، الذي يعتبر من المديرين البارعين لعمليات شركة «أبل»، في يوم من الأيام أن ينافس التأثير المذهل الذي أحدثه جوبز على منتجات «أبل». ولكن بدلا من ذلك، يبدو أن كوك استطاع أن يترك أول وأهم بصمة له بتغيير طريقة تصنيع منتجات «أبل».

يقول دارا أوروكي، أستاذ مشارك لسياسة البيئة والعمل بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: «أود الإشادة بدور تيم كوك في هذا. إنه بهذا يقر بأن لديهم مشكلات».

وقد أصبحت السلسلة الإنتاجية لشركة «أبل» موضوعا يحظى باهتمام كوك أكثر بكثير مما كان بالنسبة لسلفه. وكان جوبز قد قام بتعيين كوك بعد فترة بسيطة من عودته إلى قيادة شركة «أبل» سنة 1997، من أجل تطهير عمليات الإنتاج، التي كانت تعاني حالة من الفوضى، في ظل تضخم رصيد المخزون، مما أثر بشدة على أرباح الشركة. وطوال ما يزيد على عقد من الزمان، ساهم كوك في الوصول بعمليات شركة «أبل» إلى مكانة يحسدها عليها مجال صناعة الإلكترونيات بأسره، وأصبح لديها مجموعة كبيرة من الشركاء، معظمهم في آسيا، قادرون بكفاءة على تصريف أحدث منتجاتها.

وعلى عكس كوك، لم يقم جوبز قط بزيارة مصانع الشركة في الصين، التي تصنع فيها منتجات «أبل»، بحسب مصدرين مطلعين على الأمر رفضا التعريف باسميهما تجنبا لأي مشكلات مع الشركة.

وخلال السنوات التي شغل فيها منصب الرئيس التنفيذي، لم يكن جوبز أبدا مشغولا بجهود شركة «أبل» للمتابعة وراء مورديها بقدر ما كان كوك، بحسب مسؤول تنفيذي سابق بالشركة رفض الإفصاح عن هويته، لكنه يقول إن جوبز ثار ثورة عارمة حينما علم بالانتهاكات الأكثر خطورة لمدونة قواعد السلوك من قبل موردي الشركة، مثل وقائع الاستعانة بعمالة من الأطفال.

ويتحدث كوك صراحة عن نشأته وسط طبقة العمال في ولاية ألاباما وكيف أكسبه هذا منذ صغره إدراكا لقيمة العمل بالمصانع. وقد ذكر أمام مجموعة من المستثمرين، أثناء مؤتمر عقد في سان فرانسيسكو في فبراير (شباط) الماضي: «عملت بنفسي لفترة طويلة في المصانع، وليس كمسؤول تنفيذي فحسب. لقد عملت في مصنع للورق في ألاباما، ومصنع للألمنيوم في فرجينيا».

لكن بعض مناصري حقوق العمال يقولون إنهم لم يقتنعوا بعد بأن التقرير الذي صدر الأسبوع الماضي حول الأوضاع داخل مصانع شركة «فوكس كون» سيؤدي إلى تحسينات ذات قيمة بالنسبة للعمال، مستشهدين بوعود سابقة لم تنفذ من شركة «أبل» وشركائها بالعمل على تحقيق تقدم ملموس.

يقول جيف بالينغر، ناشط وباحث في مجال حقوق العمال على مستوى العالم: «لقد رأيت مثل هذا من قبل. إنه تقرير يصدر لإسكات الانتقادات، ثم بعد ذلك يهدأ كل شيء تماما. هذا ليس مقنعا للغاية».

ودأبت شركة «أبل» منذ سنة 2007 على نشر تقارير سنوية بنتائج عمليات التفتيش على المصانع التي تنتج فيها منتجاتها، ولكن في الأشهر القليلة الأخيرة تحت عين كوك، قامت الشركة باتخاذ مجموعة جريئة من الخطوات لدفع مورديها إلى القيام بتحسينات في مناخ العمل داخل المصانع.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، حين نشرت شركة «أبل» تقريرها السنوي لسنة 2012 بشأن الأوضاع داخل المصانع الخاصة بمورديها، أعلنت الشركة أيضا أسماء 156 شركة تتولى توريد الأجزاء وغيرها من الخدمات التي تدخل في صناعة منتجات «أبل»، وهو أمر كانت تمتنع في السابق عن القيام به.

وللمساعدة على إلغاء العمل الإضافي المفرط، بدأت شركة «أبل» في نشر تقارير شهرية حول مدى امتثال سياسة الشركة في تحديد العمل بستين ساعة أسبوعيا في المصانع الخاصة بمورديها. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، قالت شركة «أبل» إن معدلات الامتثال ارتفعت إلى 89 في المائة بعد أن كانت 84 في المائة في يناير الماضي.

كما أصبحت شركة «أبل» هذا العام أول شركة تكنولوجية تنضم لـ«جمعية العمل العادل» (Fair Labor Association)، وهي منظمة رصد عالمية غير هادفة للربح، ودعتها إلى إجراء عمليات تفتيش على المصانع الخاصة بمورديها في الصين وغيرها من المناطق.

ونشرت المنظمة الأسبوع الماضي نتائج أولى عمليات التفتيش التي قامت بها على السلسلة الإنتاجية التي تملكها شركة «أبل»، حيث سجلت الكثير والكثير من المخالفات للقوانين واللوائح الصينية في المصانع التابعة لشركة «فوكس كون»، ومن بينها حالات لعمال تجاوزوا 60 ساعة عمل في الأسبوع، وهو المستوى المعياري الذي تتبناه المنظمة.

وقد وعدت شركة «فوكس كون»، التي يقع مقرها في تايوان، بأنها ستعمل على ألا يتجاوز العاملون لديها، بحلول شهر يوليو (تموز) 2013، 49 ساعة عمل في الأسبوع، وهو الحد الذي ينص عليه القانون في الصين، وتعهدت الشركة بأن العمال لن يتعرضوا لأي انخفاض في أجورهم، نتيجة الزيادات المقابلة التي ستتم في الأجور.

وفي تصريح لها، قالت شركة «أبل»: «ظل فريقنا يعمل لسنوات على توعية العمال وتحسين أوضاعهم، وجعل السلسلة الإنتاجية لشركة (أبل) نموذجا يحتذى به في مجالها، ولهذا فقد طلبنا من جمعية العمل العادل أن تقوم بإجراء عمليات التدقيق هذه».

وقالت شركة «أبل» إنها قامت على مر السنين بإدخال تحسينات كثيرة على الأوضاع داخل مصانعها، ففي سنة 2008، على سبيل المثال، اكتشف مفتشو الشركة حالة قام فيها أحد الموردين بإجبار العمال الأجانب على تسليم جوازات السفر الخاصة بهم إلى مديري المصنع، مما يقيد بشدة قدرتهم على مغادرة وظائفهم. وطالبت شركة «أبل» بأن يقوم المورد، الذي لم يرد اسمه في تقرير الشركة السنوي الذي تضمن ذكر الواقعة، بإعادة جوازات السفر إلى العمال.

أما المشكلات الأخرى التي تواجهها شركة «أبل» فهي أصعب في حلها، حيث سلم كوك نفسه، في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر الاستثماري الذي عقد في فبراير الماضي، بأن شركة «أبل» كانت تكتشف باستمرار أن الموردين يخالفون سياسات الوقت الإضافي المعتمدة لدى الشركة.

ويقول دانيل ديرميير، أستاذ بجامعة نورث ويسترن ومهتم بدراسة إدارة السمعة، إنه يعتقد أن هذا الموقف المتشدد من جانب شركة «أبل» تجاه الأوضاع داخل المصانع هو نتيجة تسليط الضوء بصورة أكبر على الشركة عن طريق وسائل الإعلام وجماعات الدعم، في وقت يشهد أيضا اهتماما كبيرا بالارتفاع المذهل في أسعار أسهم الشركة والزيادة الهائلة في حجم الاحتياطيات النقدية التي تمتلكها، لكنه يرى أيضا أن قيادة كوك لعبت دورا في هذه التغييرات.

وقال ديرميير: «أعتقد أنه يمتلك في الغالب فهما أعمق، وهذا أمر شخصي بالنسبة له أكثر مما قد يكون بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين الآخرين».

ويقول بعض مناصري حقوق العمال إنهم يأملون في أن تؤدي التغييرات التي وقعت في عهد كوك إلى تحسينات دائمة في عملية تصنيع المنتجات الإلكترونية.

ويقول ميغ روجنساك، كبير مستشاري حقوق الشركات وحقوق الإنسان بمنظمة «هيومان رايتس فرست» (حقوق الإنسان أولا)، وهي منظمة غير حكومية: «لديهم فرصة في أن يصبحوا الوجه الجديد للإنتاج المستدام في قطاع الإلكترونيات. إنهم أذكياء بما يكفي، ولديهم ما يكفي من رؤوس الأموال».

*خدمة «نيويورك تايمز»