توترات بين الاقتصادات العالمية لجمع موارد جديدة لصندوق النقد الدولي تحسبا لتفاقم أزمة منطقة اليورو

مخاوف أوروبية من انتقال أزمة الديون إلى إسبانيا وإيطاليا

لم تقنع جهود الإسبان لكبح الديون السيادية المستثمرين الأسبوع الماضي مما أدى إلى تأثر الأسواق بشكل كبير (أ.ب)
TT

«المخاوف من الإفلاس تزداد يوما بعد يوم، ومن يسافر إلى إسبانيا سوف يلاحظ ذلك».. بهذه العبارة بدأت تقارير إعلامية أوروبية نشرت في بروكسل، في التلميح إلى الوضع الصعب الذي تعاني منه إسبانيا، حيث أصبحت تهدد أوروبا بأزمة أخرى، وخاصة في ظل وجود عجز مرتفع في الموازنة الإسبانية والاتجاه إلى طلب قروض من الأسواق المالية.

وتتمسك الحكومة في مدريد بموقفها المعلن من أنها تستطيع تجاوز هذه المرحلة ولن تحتاج إلى مساعدة مالية من صندوق الإنقاذ الأوروبي، وإذا كان العديد من المراقبين يرون أن الوضع في إيطاليا قريب من الحالة الإسبانية، لكنه في الوقت نفسه وفي موضوع متصل احتدمت التوترات بين بعض أكبر الاقتصادات العالمية بشأن خطة لجمع موارد جديدة لصندوق النقد الدولي لاحتواء أزمة ديون منطقة اليورو ومسعى اقتصادات ناشئة لكسب دور أكبر في الصندوق.

ويركز مسؤولون ماليون من أنحاء العالم في اجتماع في واشنطن هذا الأسبوع على مقترحات لتقديم مساهمات أكبر لصندوق النقد الدولي لكي يكون مستعدا بشكل أفضل تحسبا لتفاقم مشكلة الديون في أوروبا. وعن أزمة منطقة اليورو، فقد تراجعت الأسهم الأوروبية نهاية الأسبوع الماضي بعد المكاسب التي حققتها في الأيام الأخيرة، إذ تضررت الأسواق من المخاوف بشأن انتشار أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو، الأمر الذي أضر بأسهم البنوك التي كانت على رأس الأسهم الخاسرة.

وتلقت معنويات السوق ضربة شديدة من تزايد المخاوف بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة إنقاذ لإسبانيا، وعانت الدول الأوروبية المتعثرة منها بشكل خاص تكاليف اقتراض باهظة مما عكس شدة خوف المستثمرين حول مستقبل هذه الدول، خصوصا إيطاليا وإسبانيا اللتين قد تكونان الوجهة القادمة لتوغل أزمة الديون بعد اليونان. وتكاثفت المخاوف مؤخرا حول هاتين الدولتين، وبالأخص إسبانيا، فقد عانت الدولة سابقا وتعاني حاليا العديد من المشاكل والأزمات الاقتصادية والتي يتمثل بعضها في ترهل اقتصادي شديد يدفع بمستويات البطالة للتحليق إلى ما يزيد على 21 في المائة، وذلك وسط الانكماش الاقتصادي الذي تواجهه الدولة. كما أن الحكومة الإسبانية تشكو من عجز ميزانية كبير على الرغم من جهودها بخفض هذا العجز عن طريق فرض خطط وإجراءات تقشفية شديدة كانت هي الدافع الأكبر لخفض مستويات الإنفاق في الدولة، الذي قلص من الأنشطة الاقتصادية بشكل عام، ورغم هذا لا يعتقد تحقيق الدولة مستويات العجز المستهدفة والتي تم تعديلها من 4.4 في المائة إلى 5.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كل هذه العقبات والعديد غيرها اجتمعت لتشكل هالة من المخاوف حول الاقتصاد الإسباني والذي دفع بتكاليف الاقتراض إلى مستويات مرتفعة جدا نفس التي أجبرت كلا من اليونان والبرتغال وآيرلندا لطلب قروض إنقاذ اضطرارية. الأمر الذي دعا البنك المركزي الأوروبي للأخذ بعين الاعتبار احتمالية إعادة إحياء برنامج شراء السندات في سبيل تخفيض نسبة تكاليف الاقتراض على إسبانيا التي عانت من ارتفاع في كلفة الاقتراض، وذلك عن طريق شراء سنداتها بعد أن توقف عن هذه العملية منذ أربعة أسابيع بعد أن منح البنوك الأوروبية قروضا رخيصة تصل إلى تريليون يورو، والتي خففت من أي أزمات سيولة مرتقبة وقلصت من عوائد السندات الأوروبية.

من جهة أخرى، لم تكن إيطاليا أفضل من ذلك، فقد ساعدت بشكل كبير ورئيسي في رفع نسبة المخاوف حول منطقة اليورو ومستقبلها، وذلك وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض عليها أيضا ووضعها الاقتصادي الصعب، فقد ارتفعت تكاليف الاقتراض عليها في مزاد لسندات ذات أمد استحقاق لمدة عام واحد لتبيع ما قيمته 11 مليار يورو، وذلك وسط ارتفاع حدة المخاوف التي تحيط بالدولة ومستقبلها تحسبا من احتمالية عدم قدرة منطقة اليورو على تخطي أزمة الديون السيادية التي شلت حركة اقتصاد المنطقة. ووصلت مستويات العائد على السندات ذات أمد استحقاق عام واحد إلى 2.84 في المائة مقارنة مع العائد السابق الذي دفعته الدولة عند 1.405 في المائة، في حين ارتفعت نسبة الطلب إلى 1.6 مرة. وأعلن معهد التمويل الدولي عن حاجة أوروبا لرفع أكبر لسقف صناديقها الاضطرارية في سبيل مكافحة أزمة الديون السيادية ومساعدة أولى الدول المتعثرة وأكثرها وهي اليونان والبرتغال وآيرلندا، حيث أشار المعهد إلى أن أوروبا بحاجة لرفع السقف إلى 940 مليار يورو كخطوة أولى في خطة محاربة الأزمة. وقد أشار المعهد أيضا إلى أن القرار الذي اتخذه القادة الأوروبيون لرفع سقف الصناديق الائتمانية كان «مخيبا» وقد لا يجني العديد من الفوائد التي يستهدفها القادة لمحاربة الأزمة، وأشار الرئيس التنفيذي للمعهد كارليس دالارا إلى أن قادة منطقة اليورو قد فوتوا فرصتهم من وجهة نظرنا لتعزيز الموارد المالية. ووضح المعهد أن صندوق النقد الدولي بحاجة إلى تعزيز مصادره الاقتراضية للمساعدة في ضمان استقرار الاقتصاد العالمي وعدم السماح للعوامل التي تحاول زعزعة الاقتصاد بالنجاح، حيث لا يزال مبهما ما يرمي له الصندوق لقيمة توسيع موارده المالية.

وتبدي اقتصادات ناشئة وكبرى مثل الصين والبرازيل وروسيا استعدادا لتقديم مزيد من الأموال للصندوق ولكن تريد في المقابل حقوق تصويت أكبر. واكتسبت القضية سخونة في ظل بدء المفاوضات الرسمية الأسبوع الماضي بشأن المرحلة الثانية من إصلاحات حقوق التصويت في الصندوق والتي تستكمل في عام 2013. وتعني ضغوط الأسواق الناشئة تقليص حقوق التصويت الأوروبية. وفي يناير (كانون الثاني) قال الصندوق إنه يحتاج إلى موارد جديدة تبلغ 600 مليار دولار لمساعدة من يحتمل تضررهم جراء اتساع نطاق الأزمة المالية والاقتصادية في أوروبا. وقالت مديرة الصندوق كريستين لاغارد مؤخرا إن الصندوق قد لا يحتاج إلى كل هذا المبلغ في ضوء ما ترى أنه انحسار المخاطر الاقتصادية. ويوم الجمعة قال مسؤولون من «مجموعة العشرين» إنه من المحتمل أن توافق اقتصادات كبرى على تقديم ما بين 400 و500 مليار دولار لصندوق النقد.