موظف أميركي يكشف عن عمليات احتيال.. ولكنه يدفع ثمنا باهظا لأمانته

عانى من مضايقات وفقد جزءا كبيرا من مرتبه رغم أنه كسب الجولة الأولى في القضية

TT

مرت 17 شهرا منذ أن قدم جاك بالمر شكوى هادئة عبر القنوات الداخلية لشركة «إنفوسيس» الهندية الكبرى التي تعمل في مجال التعهيد والتي أوضح فيها شكوكه في قيام بعض المديرين بعمليات احتيال خاصة بالتأشيرات. منذ ذلك الحين وبالمر يقول إنه يعاني من مضايقات من قبل رؤسائه وزملائه، حيث لم يكن يتم تكليفه بأي عمل ولا يسمح له باستخدام أجهزة الكومبيوتر ويحرم من العلاوات ويتلقى تهديدات بالقتل.

وما جعله يوشك أن يفقد عقله بسبب الاكتئاب والغضب هو الصمت على حد قوله. ويستشيط بالمر غضبا منذ أبريل (نيسان) الماضي وهو في منزله القريب من مونتغومري بولاية ألاباما ويتأمل شاشة عليها اسم الشركة على جهاز الكومبيوتر ويأسى على إبلاغه عن الأمر.

وقال بالمر: «لقد قاموا بأسوأ ما يمكن لأحد أن يقوم به لشخص اعتاد العمل 80 ساعة أسبوعيا. لقد جعلوني أمكث في المنزل وعزلوني عن كل شيء حتى بدت حياتي مثل عذاب في جحيم «إنفوسيس» الأبدي. وتعد تجربة بالمر التي بدأت بتقديم بلاغه الأول في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2010 والذي أوضح فيه إساءة استخدام تأشيرات زيارة العمل الخاصة بالعمال الهنود بمثابة قصة تروى للتحذير من مخاطر الدخول في مواجهة مع شركة كبيرة. وما زاد من معاناة بالمر كونه ضمن أقلية من الأميركيين الذي يعملون لدى شركة كبيرة، تبلغ عائداتها السنوية 6,8 مليار دولار ويعمل بها نحو 15 ألف موظف أكثرهم من الهند في الولايات المتحدة فقط. وأقام بالمر دعوى قضائية ضد الشركة في فبراير (شباط) عام 2011 وحثّ فيها ممثلي الادعاء العام الفيدرالي في بلانو بولاية تكساس، حيث توجد مقار للشركة، على فتح تحقيق جنائي لم ينته بعد. ويبحث المحققون الفيدراليون عما إذا كانت الشركة استعانت بعمال من الهند للقيام بأعمال غير مسموح بها طبقا للتأشيرات المؤقتة التي حصلوا عليها. وكذلك يتحققون من حدوث تجاوزات في ممارسات الشركة الخاصة بالتعيين والوثائق على حد قول مسؤولين فيدراليين. وتنفي شركة «إنفوسيس» العالمية، التي تنمو بمعدل سريع وصنعت لنفسها سمعة ناصعة البياض، اتهامات بالمر ودخلت معه في صراع في ساحات المحكمة الفيدرالية في مونتغومري.

وقال تيد بوكيوس، المتحدث باسم الشركة، يوم الخميس: «أي اتهام أو قول باتباع الشركة لسياسة التحايل على القانون فيما يتعلق بالتأشيرات فئة (بي 1) غير دقيق». وناقشت الشركة الأمر مع السلطات الفيدرالية وأذعنت لأمر الاستدعاء الصادر من السلطات على حد قوله. وأضاف أن أقل من 2 في المائة من العاملين في الشركة في الولايات المتحدة لديهم تأشيرات من فئة «بي 1». ويعمل بالمر البالغ من العمر 44 عاما وهو مدير مشروع برمجيات في الشركة منذ أغسطس (آب) عام 2008 وقال إنه قرر مقاضاة الشركة، زاعما أنه تلقى جزاء الإبلاغ عن ممارسات الشركة غير القانونية، بعد أن ضغط عليه مسؤولون تنفيذيون للتنازل عن شكواه. مع ذلك، ومع مرور الأشهر، لم يتخل بالمر عن وظيفته في «إنفوسيس»، خشية ألا يعثر على أخرى بعد أن أشيع عنه أنه الشخص الذي أقام دعوى قضائية ضد الشركة الهندية. وكتب بالمر الذي يعرف باسم جاي في رسالة بالبريد الإلكتروني: «ما واجهته من تحدٍ عقلي وبدني بعد تقديم الشكاوى مؤلما للغاية». وقال بعد كل ما عانى منه: «سيكون من الصعب علي نصح أي إنسان بالقيام بمثل هذا الأمر».

وقال بالمر في شهادته أمام مجلس الشيوخ وفي ملفات القضية في المحكمة إن شركة «إنفوسيس» استجلبت عمالا هنودا بتأشيرات زيارة ذات فترة قصيرة تعرف باسم «بي - 1» بدلا من تأشيرات مؤقتة ذات فترة أطول تعرف باسم «إتش بي 1» والتي تزيد تكلفتها عن النوع الأول ويستغرق الحصول عليها المزيد من الوقت. وتعد شركة «إنفوسيس» وشركات التعهيد الهندية الأخرى العاملة في مجال التكنولوجيا من أكثر الشركات استخداما لهذا النوع من التأشيرات، لكن زادت الرقابة المشددة الصارمة من قبل وزارة الخارجية الأميركية خلال السنوات القليلة الماضية من صعوبة الحصول عليها. وتُمنح تأشيرة الزيارة «بي - 1» للأجانب القادمين بغرض حضور مؤتمرات أو القيام بتدريب أو تقديم استشارة أو المشاركة في مفاوضات ويبقون كموظفين تابعين للشركة في الخارج، ويحصلون على أجور أقل من تلك التي يحصلون عليها في بلادهم. وقال بالمر للجنة القضائية الفرعية في مجلس الشيوخ بشأن الهجرة في يوليو (تموز): «كان الهدف من ذلك تحقيق أرباح لا توفير وظائف للأميركيين في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع الرواتب بها». كذلك قدم مديران على الأقل في شركة «إنفوسيس» معلومات للمحققين بشأن الانتهاكات الخاصة بالتأشيرات.

ويقول بالمر إن اسمه لا يزال مدرجا في كشوف رواتب موظفي شركة «إنفوسيس»، ولكن من دون عمل ولا يتصل كثيرا بالشركة، وإنه يعاني من اعتلال في المزاج. وقد بذل بالمر محاولات مضنية للامتناع عن تناول المشروبات الكحولية وزاد وزنه بنحو 20 رطلا ثم خسر تلك الزيادة، ويتناول بعض العقاقير لعلاج حالة الغضب والاكتئاب التي يشعر بها. وكتب بالمر في رسالة بالبريد الإلكتروني قائلا: «تجد نفسك فجأة تتطلع إلى أربعة جدران، بينما كان الناس يحيطون بك من كل جهة في الماضي. لن يقوم أحد بتوظيفي ولا أستطيع الاستقالة، لذا فكل ما يقومون به هو تعذيبي. لقد أصبت بالإرهاق وفقدت القدرة على الإحساس في هذا العالم».

ودفعته مكالمات التهديد التي يتلقاها من خلال الهاتف في منزله ومنزل والدته المجاور، إلى شراء مسدس، والذي يقوم بربطه حول كاحله كلما خرج من المنزل. وأدت حالة العصبية التي يشعر بها دوما إلى قيامه بإشهار المسدس في وجه بائع حاول الاقتراب من منزله ليعرض عليه بعض المنظفات في شهر فبراير. وظل محامي بالمر، كينيث مندلسون من مونتغمري، والذي يعمل محاميا ومستشارا في نفس الوقت، يذهب معه إلى مباريات البيسبول، وغالبا ما كان يتحدث إليه مرات عديدة كل يوم كي لا تنهار روحه المعنوية.

ويقول بالمر إن مشكلاته قد بدأت بعد فترة وجيزة من قيامه بتقديم التقرير الأول الخاص بالمخالفات من خلال إحدى القنوات الداخلية التي أنشأها جيفري فريديل، المحامي البارز في «إنفوسيس»، حيث طلبت الشركة منه كتابة «خطابات ترحيب» بالعمال الهنود الحاصلين على تأشيرات زيارة العمل من فئة «بي - 1»، ولكنه رفض القيام بذلك. ويقول بالمر: «تدعي تلك الخطابات زيفا أن الموظف الأجنبي يأتي للزيارة وليس للعمل. ومرت كل الأحداث التي وقعت في الماضي أمام عيني». وأخبره الموظفون الهنود الذين عينهم كمبرمجين بدوام كامل في المشروعات التي كان يديرها أنهم يواجهون مصاعب كبيرة في الحياة في الولايات المتحدة بالأجور نفسها التي كانوا يتقاضونها في الهند. ويضيف بالمر: «تم تعيين كافة الموظفين الذين يحملون تأشيرة زيارة عمل من فئة (بي - 1) في هذه البلاد، بينما كانت إنفوسيس تحمل زبائنها تكاليف رواتب الموظفين الذين يعملون بدوام كامل».

ويقول بالمر إنه قد تم تسريب هذا التقرير داخل الشركة بعد أيام قليلة من تقديمه، حيث قام أحد المديرين بتهديده بالطرد، بينما تلقى بعض المكالمات الغاضبة من قبل زملائه في العمل. وطبقا لملفات القضية، اكتشف بالمر وجود تهديد بالقتل مطبوعا بصورة واضحة على الكرسي الموجود في مكتبه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010.

وكان بالمر يتحلى بالشجاعة في البداية، حيث قام بإرسال عدد كبير من الرسائل الإلكترونية موضحا فيها وجود مخالفات واضحة خاصة بالتأشيرات، ولكنه يؤكد أنه حصل على مبلغ 3,000 دولار فقط من إجمالي مكافآت بقيمة 45,000 دولار كان يتوقع أن يحصل عليها في شهر ديسمبر (كانون الأول). ولم يحصل بالمر على أي مكافآت على الإطلاق عن عام 2011، حيث إن شركة «إنفوسيس» لم تسند إليه أي عمل في شهر أبريل (نيسان)، مما جعله يفقد ثلث دخله.

وتكمن المشكلة التي تواجه بالمر في شدة تعقيد القواعد المنظمة لتأشيرات زيارة العمل من فئة «بي - 1»، لدرجة أن المحامين الماهرين المتخصصين في أمور الهجرة قد يختلفون في فهم تلك القواعد. وأكدت الشركة أن الممارسات التي قامت بها كانت قانونية بموجب بند يسمح للموظفين الأجانب أحيانا بدخول الولايات المتحدة الأميركية بتأشيرة زيارة عمل من فئة «بي - 1» بدلا من تأشيرة «إتش 1 بي». وأنكر بوكيوس، المتحدث باسم شركة «إنفوسيس»، التعرض لبالمر بأي مضايقات قائلا: «لم نقم بالانتقام منه بأي شكل من الأشكال».

وأصدر القاضي في ألاباما حكما لصالح بالمر في الجولة الأولى من قضية الإبلاغ عن المخالفين، لكنه نفى قيام «إنفوسيس» بمحاولات لتحويل تلك القضية إلى هيئة تحكيم ملزمة. ويؤكد بالمر أن أصدقاءه في شركة «إنفوسيس» يحاولون التهرب منه الآن. ويقول: «ينتابنا إحساس أنك من ارتكب كل تلك الأخطاء»، مضيفا أنه لا يزال يتلقى تهديدات واضحة بالقتل.

ويقول بالمر إنه تلقى رسالة عبر البريد الإلكتروني تقول: «أمثالك هم من يشعروننا نحن الهنود بالغضب. لماذا تقوم بإعادتنا إلى براثن الفقر، أيها الأميركي البدين الكسول الجشع». ويضيف بالمر: «أخشى ما أخشاه أن يتم معاقبة (إنفوسيس) بشكل صوري لتستمر بعدها في عرقلة القوانين. وسوف أحارب للتصدي لهذا الأمر بقدر رغبتي في العودة إلى حياتي الطبيعية مرة أخرى».

* خدمة «نيويورك تايمز»