واشنطن مرتاحة لإعادة تقييم سعر صرف اليوان الصيني

صندوق النقد: الصين تمر بتحولات اقتصادية

موظفة بنك في شنغهاي تعد دولارات وتظهر خلفها رزم من أوراق النقد الصينية
TT

تثبت سلسلة خطوات اتخذتها الصين في الأسابيع الأخيرة للمسؤولين الأميركيين أن بكين تمضي قدما في إعادة تقييم سعر صرف عملتها وفي إدخال تغييرات على سياسات مالية أخرى دخلت الدولتان في جدال منذ وقت طويل بشأنها.

لقد اتجه القادة الصينيون إلى توسيع نطاق تداول العملة الصينية، اليوان أو «الرنمينبي» ووجهوا انتقادات لاذعة للبنوك المملوكة للحكومة. في الوقت نفسه، شهدت الصين انخفاضا حادا في الفائض في بقية دول العالم في التجارة والتدفقات المالية. صرح وزير الخزانة، تيموثي غيثنر، يوم الأربعاء في حديث بمعهد «بروكينغز» قائلا: «التأثير الإجمالي للخطوات التي تخطوها الصين كبير ومبشر جدا». وأضاف: «إنه يجسد التزاما مستمرا من جانب السلطات الصينية بإدخال تغيير واسع النطاق» على الاستراتيجية الاقتصادية.

وقد اندهش المحللون بصندوق النقد الدولي أيضا من الانخفاض الأخير في الفائض الضخم في الحساب الجاري للصين لدى دول أخرى. وفي دراسة أجريت مؤخرا، أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه من المرجح أن تكون بعض العوامل وراء هذه التغييرات طويلة الأجل ولفت إلى أن الصين تمر بتحول اقتصادي مماثل لتلك التحولات التي تشهدها دول صناعية أخرى. على سبيل المثال، مع تطور الاقتصاد الصيني، يرتفع سعر منتجاتها في الأسواق العالمية، مما يقلل من أفضليتها كمصدر. وخلص محللو صندوق النقد الدولي إلى أن «التكاليف المحلية آخذة في الارتفاع، وقد ارتفعت تكاليف الواردات، وربما تكون التأثيرات على التجارة نتيجة انضمام الصين إلى منظمة التجارة الدولية ضئيلة».

إن من شأن خطوات الصين الرامية إلى إعادة تقييم سعر صرف عملتها وسياساتها المالية الأخرى أن تمثل خطوة هامة في إطار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. لقد شكا المسؤولون الأميركيون منذ وقت طويل من أن إجراء الصين الممثل في تثبيت قيمة عملتها مقابل الدولار عند مستوى منخفض بشكل مصطنع يمنح المصدرين الصينيين ميزة جائرة، فيما يقلل الواردات الأميركية للدولة. غير أن الصادرات الأميركية للصين، التي قد أدى تدفقها المتنامي إلى زيادة جاذبية السلع الأميركية، وصلت الآن إلى مستويات قياسية.

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت الشركات الأميركية تسرد قائمة طويلة من المشكلات والتوقعات التي لم تتحقق في الصين، وصرح صندوق النقد الدولي بأن جانبا من التقدم الأخير ربما يكون خادعا. على سبيل المثال، يمكن أن ينسب جانب من الانخفاض في فائض الحساب الجاري للصين إلى الزيادة في النفقات الحكومية على البنية التحتية والاستثمارات في البنية التحتية أو في مصانع أخرى بدلا من حدوث زيادة في نفقات القطاع العائلي. وقد تشير أي زيادة في نفقات القطاع العائلي إلى أن السلطة والمال يتحولان إلى الأفراد.

«إن ما نهتم به هو ما إذا كانت الصين تتبنى سياسات من أجل إعادة التوازن لاقتصادها المحلي، والإجابة هي.. ليس بعد»، هذا ما قاله ديريك سيسورز، محلل صيني بمؤسسة «هيريتدج فاونديشن». وثمة محاولات لإثبات أن إثراء الأسر الصينية وفتح اقتصادها لمزيد من الاستثمارات سيكون بمثابة منحة للشركات الأميركية التي تأمل في بيع مزيد من السلع هناك. لكن في حالة ما إذا تبعت الخطوات الأخيرة تغييرات أخرى، فقد تمثل تحولا هاما. وأشار رئيس الوزراء وين جياباو في وقت سابق من هذا الشهر إلى أنه من المحتمل أن يحدث المزيد، عندما قال إنه يجب القضاء على «احتكار» البنوك المملوكة للدولة، لإتاحة الفرصة لتدفق المزيد من رؤوس الأموال عبر الشركات الخاصة. لطالما كانت الخصخصة وحرية تدفق رأس المال من وإلى الصين هدفا أساسيا للمسؤولين الاقتصاديين الأميركيين.

وعلاوة على ذلك، فإن أي تغيير في العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة سوف يكون مهما للغاية من الناحية السياسية. ويشن المرشحون الجمهوريون للرئاسة هجوما لاذعا على الصين وعلى الرئيس أوباما لعدم اتخاذ نهج أكثر تشددا تجاه القوة الأسيوية الصاعدة. وقد اتخذت الإدارة الأميركية عددا من الخطوات الكبيرة لمكافحة الممارسات التجارية الجائرة، ولكنها وضعت أيضا ثقة كبيرة في المفاوضات التي تهدف لمناقشة القضايا الرئيسية، مثل إصلاح النظام المالي الذي يصب في مصلحة الشركات المملوكة للدولة على حساب الأسر والشركات الخاصة.

وأكد غيثنر وغيره من المحللين في كثير من الأحيان أن الصين سوف تقوم في نهاية المطاف بتغيير بعض من هذه السياسات انطلاقا من مصالحها الخاصة. إن الحفاظ على ربط الرنمينبي الصيني بالدولار الأميركي قد يصب في مصلحة المصدرين، على سبيل المثال، ولكنه يزيد من معدل التضخم ويجعل من المستحيل وضع السياسة النقدية وأسعار الفائدة بعيدا عن القرارات التي يتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

وعلى الرغم من أن التغير كان تدريجيا، فإن قيمة الرنمينبي قد ارتفعت بنحو 14 في المائة مقابل الدولار الأميركي منذ عام 2010. وقال مسؤولون صينيون الأسبوع الماضي إنهم سيسمحون بصعود وهبوط قيمة الرنمينبي بقدر أكبر من الحرية. وبدأت الصين في تخفيف القواعد الصارمة على حركة رؤوس المال من وإلى الصين، وهو ما سمح لمستثمري التجزئة في بيع وشراء بعض أنواع الاستثمارات من خلال هونغ كونغ، كما سمح ببيع السندات المقدرة بالرنمينبي. وكانت هناك تغيرات كثيرة من هذا القبيل - في كثير من الأحيان خلال الاجتماعات الدولية التي تأمل من خلالها الصين أن تظهر كدولة متسامحة أو لتجنب الانتقادات المتوقعة. وتأتي الزيادة الأخيرة في نطاق تداول العملة الصينية قبيل اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن خلال الأسبوع الجاري، وقبل أسبوعين فقط من المحادثات الاقتصادية رفيعة المستوي مع الولايات المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست»