رئيس «المركزي الأوروبي» غير متفائل بقرب إيجاد مخرج للأزمة المالية ويرى أن تداعياتها مستمرة في المستقبل

موازنة الاتحاد الأوروبي للعام القادم 138 مليار يورو

مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

بدا رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي متشائما أمام إمكانية وجود مخرج قريب للأزمة المالية في أوروبا. وفي الوقت الذي كان البعض فيه يتابعون تطورات الحالة المالية والاقتصادية في إيطاليا وإسبانيا تخوفا من انتقال عدوى أزمة الديون السيادية إليهما بعد أن أصابت اليونان وآيرلندا والبرتغال، فإن هولندا ظهرت فجأة في الصورة، وقال الإعلام الهولندي إنه إذا قرر مجلس النواب خلال الأيام القليلة القادمة تأجيل الالتزام بالشروط الأوروبية لتحديد العجز العام ضمن 3 في المائة لعام 2013، عندها لا يمكن تفادي الصراع السياسي مع الاتحاد الأوروبي. وقال إن نهاية هذا المشهد السياسي المرعب ستكون بدفع غرامة كبيرة مقدارها مليار ومليونا يورو من الأموال الهولندية إلى صندوق الطوارئ الأوروبي.

أما في مدريد فإن التدابير التقشفية التي اتخذتها حكومة اليمين المحافظ في إسبانيا لخفض العجز تنذر بامتعاض شعبي واسع، كونها طالت قطاعي الصحة والتعليم. وهي تتناقض تماما مع الوعود الانتخابية التي قدمها رئيس الحكومة ماريانو راخوي.

جاء ذلك فيما وجه البرلمان الأوروبي انتقادا للمفوضية، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، بسبب عرضها موازنة الاتحاد الأوروبي لعام 2013 للجمهور ووسائل الإعلام أمس الأربعاء قبل عرضها على البرلمان الأوروبي، وبلغت قيمتها 138 مليار يورو، بينما تبلغ موازنة العام الحالي 132 مليار يورو، وهذا ما قاله آلان ماسو رئيس لجنة الموازنة في البرلمان الأوروبي عقب إعلان الموازنة من جانب المفوض الأوروبي ياونش يفاندوفسكي المكلف بشؤون الموازنات. ومن المتوقع أن تنعقد اجتماعات ثلاثية بين المفوضية والبرلمان والمجلس الأوروبي خلال شهر مايو (أيار) القادم لتوضيح تفاصيل الموازنة قبل التوصل لاتفاق نهائي بشأنها في نوفمبر (تشرين الثاني).

وتحدث ماريو دراغي، رئيس المركزي الأوروبي، أمام لجنة الشؤون المالية والنقدية في البرلمان الأوروبي، حيث حذر من وجود مخاطر فعلية لاستمرار أزمة الديون في منطقة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو. وقال دراغي «إن هناك مخاطر فعلية لاستمرار أزمة الديون وستستمر تداعياتها في المستقبل». وأشار رئيس المصرف المركزي الأوروبي إلى أن ارتفاع أسعار المواد الأولية عالميا سيهدد الاستقرار الاقتصادي «كما أننا نتوقع أن يظل معدل التضخم المالي لعام 2012 أكثر من 2 في المائة في معظم الدول الأوروبية»، على حد قوله.

لكن دراغي رأى أنه من غير الضروري أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الدول المتسيبة والتي لا تتخذ ما يكفي من الإجراءات لتخفيض عجزها المالي «لكننا نعتقد أن رفع مستوى الحماية الاقتصادية في أوروبا يبقى أمرا جيدا». ولمح دراغي إلى إمكانية الاستمرار في التدخل المباشر لمساندة المصارف الأوروبية التي تعاني من صعوبات، وكذلك التدخل بشكل مباشر لمساعدة الدول الأوروبية التي تعاني من صعوبات مالية. ويأتي كلام دراغي في ظل تنامي الجدل في أوروبا بشأن طرق تنفيذ اتفاق الانضباط المالي والذي أقره زعماء أوروبا خلال القمة الماضية، والذي يقر بفرض عقوبات على الدول العاجزة عن ضبط عجزها المالي.

وفي لاهاي، يرى العديد من المراقبين الأوروبيين أن الطلب الأول لسوق السندات قد يكون صعبا بالنسبة لهولندا على خلفية استقالة رئيس الوزراء ودخول البلاد في مرحلة فراغ وعدم استقرار سياسي قد تمتد لفترة طويلة، خاصة أن الخزينة الهولندية رفعت هذا الثلاثاء نحو ملياري يورو من الديون على المديين القصير والطويل، وهو ما خلق طلبا كبيرا في الوقت الحاضر. وجاء ذلك بعد أن جرت مناقشات داخل البرلمان الهولندي، ورئيس الحكومة المستقيلة مارك روتا، تركزت حول تداعيات الاستقالة التي تقدم بها الائتلاف الحكومي، بسبب خلافات بشأن خطط الموازنة وإجراءات للتقشف، كما تناقش النواب حول طلب الحكومة التعاون معها لإنجاز خطوات تتعلق بتقديم موازنة العام القادم إلى المفوضية الأوروبية ببروكسل، تلتزم فيها بخفض نسبة العجز في الموازنة إلى 3 في المائة حسب القوانين الأوروبية. وفي الوقت الذي تحدثت فيه وسائل الإعلام المحلية عن إمكانية إجراء انتخابات جديدة في سبتمبر (أيلول) القادم، اقترح حزب العمل المعارض إجراء الانتخابات في 27 يونيو (حزيران) وتولي حكومة جديدة الأمور، وإعداد الموازنات والخطوات المستقبلية. وقد سقطت حكومة الأقلية بعد أن تخلى عنها حزب الحرية اليميني المتشدد الذي كان داعما لها منذ 2010. وقال الإعلام الهولندي إنه إذا قرر مجلس النواب خلال الأيام القليلة القادمة تأجيل الالتزام بالشروط الأوروبية لتحديد العجز العام ضمن 3 في المائة لعام 2013، عندها لا يمكن تفادي الصراع السياسي مع الاتحاد الأوروبي. وقال إن نهاية هذا المشهد السياسي المرعب ستكون بدفع غرامة كبيرة مقدارها مليار ومليونا يورو من الأموال الهولندية إلى صندوق الطوارئ الأوروبي. وأضاف أن بانتظار دي ياخر، وزير المال في الحكومة المستقيلة، وقتا صعبا في بروكسل، إذ يتوجب عليه أن يقدم في نهاية هذا الشهر موازنة عام 2013 للمفوض الأوروبي. وإذا وجدت المفوضية الأوروبية الموازنة غير مستوفية الشروط ترسل إنذارها الأول لهولندا وتعطيها مهلة 6 أشهر، وبعدها إذا لم تستوف الموازنة الشروط الأوروبية يأتي دور الغرامة المالية الضخمة.

لكن صحيفة «دي تلغراف» اليومية كانت أكثر تفاؤلا وقالت إن بعض أحزاب المعارضة على استعداد للموافقة على جزء من رزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة المستقيلة خلال فترة قريبة في البرلمان الحالي، ولن تنتظر إلى ما بعد الانتخابات النيابية المبكرة والتي ستحصل على الأرجح في سبتمبر المقبل. وفي مدريد فإن التدابير التقشفية التي اتخذتها حكومة اليمين المحافظ في إسبانيا لخفض العجز تنذر بامتعاض شعبي واسع، كونها طالت قطاعي الصحة والتعليم. وهي تتناقض تماما مع الوعود الانتخابية التي قدمها ماريانو راخوي. وقدمت نائبة رئيس الوزراء، ثريا سانيز دو سانتا ماريا، الخطوة على أنها ستمكن الحكومة من تحقيق أهدافها، مؤكدة على حاجة البلاد لمواصلة الإصلاحات التي تسمح بتغطية العجز. وفي أواخر عام 2011، بلغت نسبة العجز في إسبانيا 8.5 في المائة من الناتج المحلي الخام، وهي نسبة تسعى لخفضها حتى 5.3 في المائة هذا العام. وأول المتضررين من التدابير الجديدة هم المتقاعدون الذين سيتعين عليهم دفع 10 في المائة من ثمن الدواء الذي كان إلى الحين مجانا، وستصل النسبة إلى 60 في المائة بالنسبة للعاملين مقابل 40 في المائة سابقا، وذلك حسب نسبة الدخل. التدابير التقشفية طالت أيضا قطاع التعليم، وتنص على زيادة أعداد الطلاب في الصفوف بنسبة 20 في المائة ورفع كلفة رسوم التسجيل في الجامعات بمعدل 50 في المائة، وهي تمس 17 منطقة ذات حكم محلي، ومناطق تمتص تستوعب 50 في المائة من المصاريف العامة.

وهذه التدابير التقشفية لاقت انتقادات عنيفة من قبل أحزاب المعارضة خاصة من اليسار، كونها لا تتضمن أي مبادرة لإعادة دفع عجلة الاقتصاد في البلاد، حيث عاد الاقتصاد إلى التباطؤ في الآونة الأخيرة، مع نسبة تراجع في النمو تعادل 0.3 في المائة في الفصل الرابع من عام 2011، وتراجع الناتج المحلي الخام بنسبة 0.4 في المائة في الفصل الأول من عام 2012 حسب أرقام المصرف المركزي الإسباني. وهذا التباطؤ في الاقتصاد الإسباني ينعكس بارتفاع حاد في نسبة البطالة التي قاربت الـ23 في المائة من القوة العاملة نهاية العام الماضي. ومنذ بدء أزمة العقارات في عام 2008 وتفكك قطاع البناء الذي كان يشكل محفزا أساسيا للاقتصاد الإسباني لم تتمكن البلاد من إيجاد طريق بديل للنمو.