خبراء: مسألة وقت فقط قبل أن يكون أكبر المصارف الإسبانية في حاجة لتدخل الحكومة لإنقاذه

الوضع الاقتصادي في إسبانيا يثير مخاوف أوروبية وعالمية

لم تقنع جهود الإسبان لكبح الديون السيادية المستثمرين مما أدى إلى تأثر الأسواق بشكل كبير (أ.ب)
TT

كانت الطفرة التي شهدتها سوق العقارات الإسبانية واحدة من أقوى الطفرات بكل المقاييس. ونتيجة لتدني معدلات الفائدة بشكل غير مسبوق، كان هناك إقبال كبير من جانب الإسبان على شراء الفيلات المطلة على سواحل كوستا بلانكا لقضاء الإجازات، وشراء الشقق الفخمة في العاصمة الإسبانية مدريد والمنازل في جميع أنحاء البلاد.

وبعد أن وصلت أسعار العقارات إلى ذروتها في إسبانيا عام 2007، عادت لتهبط بنسبة لا تقل عن 25 في المائة، في الوقت الذي لا يمكن التنبؤ فيه بمدى الانخفاض الهائل الذي قد يحدث في المستقبل. وبينما تعاني إسبانيا من الموجة الثانية من الركود خلال ثلاث سنوات فقط ووصول معدلات البطالة إلى 25 في المائة، لم يعد عدد كبير من الإسبان المثقلين بالديون قادرين على الوفاء بدفع الأقساط الشهرية لسداد القروض العقارية التي كانت المصارف نفسها حريصة على منحهم إياها.

وبينما يواجه جزء كبير من الديون العقارية المحلية، التي تبلغ قيمتها 663 مليار يورو أو ما يعادل 876 مليار دولار، خطر التخلف عن السداد، يرى الكثير من الاقتصاديين أن الأمر بات مسألة وقت فقط قبل أن تكون أكبر المصارف الإسبانية في حاجة ماسة إلى التدخل الحكومي لإنقاذها. وربما لن تكون الحكومة الإسبانية، التي تترنح تحت وطأة الديون الخاصة بها وأعباء العجز في الميزانية، قادرة على أن تلعب دور المنقذ حينئذ. وكانت آثار تلك المشكلة على بقية أوروبا هي الموضوع الرئيسي للاجتماعات التي عقدت الأسبوع الماضي بين صندوق النقد الدولي والبنك المركزي في واشنطن. ويكمن الخطر الأكبر في احتمال أن يضطر الاتحاد الأوروبي للتدخل لإنقاذ إسبانيا، وهو الأمر الذي يفوق كثيرا ما حدث مع كل من آيرلندا واليونان والبرتغال. وقال إدوارد هيو، وهو خبير اقتصادي ومدون يقيم في برشلونة ويدرس تلك القضية عن كثب: «من المنتظر أن تكون القروض العقارية للأفراد هي نقطة الضعف الخطيرة في النظام المصرفي الإسباني والتي قد تؤدي إلى انهياره في نهاية المطاف».

وعندما استسلمت المصارف الآيرلندية إلى أزمة الرهن العقاري قبل عامين من الآن، تدخلت الحكومة الآيرلندية لإنقاذ الموقف واضطرت إلى اقتراض 80 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ويرى الخبراء أن الخطة المماثلة لإنقاذ إسبانيا ستتكلف ما لا يقل عن 200 مليار يورو، أو ما يعادل 264 مليار دولار، وهو تقريبا ضعف الـ110 مليار دولار التي منحت لليونان، والتي أثارت مشاكل الديون بها السؤال المطروح منذ فترة طويلة عما إذا كان الاقتصاد الأوروبي ككل هو من سيكون بحاجة إلى الإنقاذ في المرحلة المقبلة أم لا.

وخلال الأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي الإسباني أن الديون المتعثرة قد وصلت لأعلى مستوياتها في البلاد منذ عام 1994. وعلى الرغم من أن التقديرات الرسمية الصادرة عن الحكومة الإسبانية تشير إلى أن القروض العقارية التي لم يتم سدادها قد وصلت إلى 3 في المائة فقط، فإن هيو وغيره من الخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

ومما لا شك فيه أن عدد القروض العقارية الجديدة قد انخفض بصورة حادة في إسبانيا، حيث هبط عدد القروض العقارية خلال شهر فبراير (شباط) الماضي بنسبة 46 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهو أكبر انخفاض منذ أن تم نشر مثل تلك الإحصائيات والبيانات لأول مرة عام 2004، حسب ما أعلنه معهد الإحصاءات الوطني الإسباني يوم الثلاثاء الماضي.

وبفضل تلك الطفرة في سوق العقارات الإسبانية، أصبحت إسبانيا تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث امتلاك المنازل، حيث يملك أكثر من 80 في المائة من الأشخاص المنازل التي يعيشون بها، وهو ما يجعل المقرضين يعتمدون على أناس من نوعية مارتا أفويرا بونز التي حصلت على اثنين من القروض العقارية، أحدهما لشراء منزل والآخر للاستثمار العقاري الذي خسرت فيه الكثير وأصبحت مدينة الآن بنحو 350.000 يورو. وفي نهاية عام 2010، توقفت بونز، التي كانت قد فقدت وظيفتها للتو كمسؤولة ضمان اجتماعي، عن دفع أقساط القرض العقاري الذي يبلغ 132.000 يورو التي كانت قد حصلت عليه هي والرجل الذي يعيش معها لشراء منزل في منطقة تورديرا في برشلونة. ولا يزال كل منهما مدينا بـ185.000 يورو لنفس المصرف بعدما حصلا على قروض أخرى عام 2007 لشراء منزل لم يتم تشييده من الأساس بسبب إفلاس المطور العقاري بعد ذلك بعام واحد.

وكما هو الحال مع الكثير من الإسبان، حصلت بونز على إعانة البطالة ووصلت لنهاية المدة المقررة لذلك والمقدرة بعامين، وسوف تحصل خلال الشهر الحالي على آخر مبلغ من إعانة البطالة والذي يصل إلى 1.100 يورو. وبعدما لم تجد أي مشتر لمنزلها في تورديرا، قالت بونز إنها حاولت إقناع المقرض، وهو مصرف «بي إم إن»، بأن يستحوذ على العقار، وبعد ذلك ستعيش مع والدتها، لأن رفيقها كان قد غادر إسبانيا واتجه إلى البرازيل الصيف الماضي وتزوج واستقر هناك.

وصرحت بونز بأنها تقبل المسؤولية عن الكارثة المالية التي ألمت بها، ولكنها ترى أن مصرف «بي إم إن» الذي أقرضها هو المتسبب في ذلك. وقد انضمت بونز إلى إحدى الجمعيات التي تضم أصحاب العقارات الذين ينظمون احتجاجات للمطالبة بمساعدتهم للخروج من أزماتهم المالية.

وقالت بونز: «يمكنني القول الآن إن رغبتي في شراء ذلك المنزل كانت استثمارا محفوفا بالمخاطر، ولكن المصرف قد ساند تلك الفكرة تماما. لقد فقد الجميع أي شعور بالحذر، بدءا من المصارف».

ومن جهته، قال مصرف «بي إم إن» إنه لن يعلق على قضية بونز بصفة خاصة، ولكن المتحدث الرسمي باسم المصرف ميغيل بورتيلا قال إن سياسة المصرف كانت «دائما ما تحاول أن تتجنب طرد الناس من منازلهم إلى الشارع». ويرى خبراء العقارات في إسبانيا أن المصارف قد حجزت على نحو 300.000 منزل منذ اندلاع الأزمة المالية عام 2007. وكانت المصارف تستحوذ على تلك العقارات لكي تتجنب الخسائر، ولكنها الآن تواجه مزيدا من الضغوط لجمع مزيد من رؤوس الأموال، وهو ما يجعلها تسارع بطرد المتعثرين من منازلهم وعرض تخفيضات تصل إلى 60 في المائة. ويرى الكثير من المستثمرين أن هناك بوادر أزمة بسبب الأداء المتدهور لسوق الأوراق المالية الإسبانية التي تصل تعاملاتها لنحو 100 مليار يورو والمدعوم بقروض الرهن العقاري.

وعلى غرار ما قام به نظراؤهم في الولايات المتحدة الأميركية خلال أزمة الرهن العقاري، اتجهت المصارف الإسبانية لبيع القروض العقارية للشركات المالية والتي أعادت تجميعها في حزم من القروض العقارية المورقة، وهي الأدوات الاستثمارية التي دفعت عوائد عالية وتم شراؤها من قبل شركات التأمين وصناديق التقاعد الأوروبية والمستثمرين من المؤسسات الأخرى.

ومع ذلك، كان من المفترض أن يكون هناك فرق كبير بين ما حدث في الولايات المتحدة وبين ما يحدث في إسبانيا، لأن كثيرا من الرهون العقارية التي تعتمد على حزم الأوراق المالية التي تم التعثر فيها في الولايات المتحدة كانت ذات تصنيف ائتماني منخفض، وهو ما يعني أن المقترضين الذين قاموا بشراء المنازل كان لهم تاريخ سيئ في الائتمان. أما في إسبانيا، فكانت الرهون العقارية المستخدمة كضمان للأوراق المالية ذات تصنيف ائتماني مرتفع، أي تم إقراضها للمقترضين ذوي الجدارة الائتمانية فقط.

ولكن مع اقتراب معدل البطالة من 25 في المائة، أصبح من الصعب للغاية التمييز بين المقترضين ذوي الجدارة الائتمانية العالية وذوي الجدارة الائتمانية الأقل. وقد فشل كثير من هذه الرهون العقارية الآن، وهو ما أدى إلى تخفيض التصنيف الائتماني من قبل الكثير من وكالات التصنيف مثل «ستاندرد آند بورز» و«موديز»، والتي كانت قد أعطت سندات الرهن العقاري تقييمات أعلى خلال فترة الازدهار، تماما كما كان الحال في الولايات المتحدة.

ويراقب المستثمرون بقلق بالغ الموقع الإلكتروني للجمعية الإسبانية لمديري صناديق الاستثمار الذين يتعاملون في سندات الرهن العقاري. وفي بعض الحالات، فإن 14 في المائة من الأصول في اتفاقات الرهن العقاري قد تأخر دفعها لمدة تزيد على 90 يوما. وقال عامل في أحد المصارف الاستثمارية والذي يقوم ببيع وشراء الأوراق المالية ولكنه غير مخول له الحديث عن تلك الأمور بصورة علنية: «إنه أمر مخيف في حقيقة الأمر، حيث تزداد الأرقام سوءا على أساس ربع سنوي».

ووفقا للموقع الإلكتروني للجمعية الإسبانية لمديري صناديق الاستثمار، شملت قائمة أسوأ الرهون العقارية في صناديق الاستثمار تلك الرهون المدعومة من قبل مؤسسة «بانكيا» المصرفية والتي تعد الآن أكبر مقدم للقروض العقارية في إسبانيا. ورفضت «بانكيا» التعليق على أداء تلك الصناديق.

وحتى وقت قريب، كانت المصارف تقوم بإعادة شراء بعض من أسوأ سندات الرهن العقاري وبثمنها الأصلي، بهدف حماية المستثمرين الذين يملكون هذه السندات، والذين كان غالبيتهم من الأجانب، على أمل الحفاظ على المكانة الاستثمارية للمصارف. ولكن مع تزايد التعثر في سداد القروض وندرة رأس المال بصورة أكبر من ذي قبل، لم يعد أمام تلك المصارف إلا أن تقدم عروضا لشراء تلك الأوراق المالية بسعر أقل يتراوح ما بين 10 و30 في المائة.

ويرى الكثير من المحللين أن البيانات الرسمية بشأن أسعار العقارات في إسبانيا، والتي انخفضت بنسبة 25 في المائة وفقا لبعض التقديرات، لا تعكس مدى الانخفاض الحقيقي في تلك الأسعار. وحتى يتم إجراء تعديلات في الأسعار وتدرك المصارف والأوراق المالية خسائرها، كما كان الحال في آيرلندا والولايات المتحدة، يرى الخبراء الاقتصاديون أنه من المستحيل أن يستعيد الاقتصاد الإسباني عافيته بصورة حقيقية.

وعلى الرغم من الاعتراف بتلك الخسائر، سيكون السؤال هو هل يستطيع الاقتصاد الإسباني تحمل تلك الخسائر أم لا. وحتى رأسمال صندوق الإنقاذ المصرفي التابع للحكومة قد بدأ ينفد. وفي تناقض غريب، اقترحت مدريد أن تقوم المصارف الإسبانية بتمويل الصندوق التابع للحكومة حتى يكون قادرا على الاستمرار.

وقال بورجا ماتيو، وهو صاحب كتاب صدر في الآونة الأخيرة حول سوق العقارات الإسبانية، إن هناك 1.9 مليون وحدة سكنية معروضة للبيع في إسبانيا، وإن نحو 3.9 مليون وحدة أخرى ستعرض للبيع خلال السنوات المقبلة. ويبلغ حجم الطلب على الوحدات السكنية نحو 175.000 وحدة سكنية في العام، وهو ما جعل ماتيو يتنبأ بأن تلك الوفرة في الوحدات السكنية سوف تؤدي إلى هبوط أسعار العقارات بنسبة 60 في المائة في نهاية المطاف. ومع الوضع في الاعتبار أن نحو 80 في المائة من أصول الإسباني العادي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقارات، فإن هذا الهبوط الحاد في الأسعار سوف يكون له عواقب وخيمة وتأثير مدمر. وقال ماتيو: «ما نراه الآن هو إفقار هائل للدولة».

* خدمة «نيويورك تايمز»