مصرفيو العالم يجدون صعوبة في استثمار ثروات الخليج

بعد أن كانت الموطن الأسطوري للصفقات

جانب من مبنى جهاز الاستثمار في أبوظبي الذي يعد من أكبر مديري الثروات السيادية في المنطقة (نيويورك تايمز)
TT

في أحد الأيام المشمسة في الآونة الأخيرة، جلس رئيس إدارة الأصول بشركة «رسملة» للاستثمار، إيريك سواتس، تحت مظلة في أحد المطاعم بمركز دبي المالي العالمي، ليتحدث عن صندوق رسملة للصكوك العالمية الذي تم إنشاؤه في الآونة الأخيرة برأسمال يصل إلى 25 مليون دولار.

ويأمل سواتس أن يستفيد هذا الصندوق من الطلب المتزايد والمتسارع من قبل المستثمرين الشرق أوسطيين والآسيويين على الصكوك الإسلامية. وخلال مأدبة الغداء المكونة من السلطة وعصير الفواكه، قال سواتس: «تعاني سوق المنتجات المالية الإسلامية المحافظة التي يتم إدارتها بشكل جيد - قلة الخدمات والتنمية».

وقد أثبتت منطقة الشرق الأوسط أنها بيئة صارمة للغاية بالنسبة للممولين، بعد أن كان يتم النظر إليها على مدى السنوات القليلة الماضية على أنها الموطن الأسطوري للثروة في العالم. وقد عاني المصرفيون كثيرا خلال الأزمة المالية العالمية وأدركوا أن الطريق الوحيد للقيام بأعمال في تلك المنطقة هو تفصيل عروضهم على المتطلبات والاحتياجات التي تحددها المنطقة.

وقال ماثيو فاسيوكس، وهو شريك في شركة «أوليفر وايمان» للاستشارات المالية: «رأينا خلال العصر الذهبي في منتصف الفترة بين عامي 2000 و2010 الكثير من الشركات التي تأتي إلى المنطقة للعمل في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية عالية الربح، ثم توقف ذلك في عامي 2007 و2008. وكان يتعين على الكثير من الشركات أن تعيد هيكلة نفسها، في حين كان ذلك صعبا للغاية على شركات أخرى».

وفي أعقاب تجميد سوق الائتمان العالمية، أصبح مركز دبي المالي، الذي يطمح إلى أن يكون هو مركز الاستثمارات في المنطقة، هادئا بشكل يشبه الموت. والآن، بدأت الأعمال تزحف مرة أخرى، حيث أصبحت المطاعم، مثل «كافيه بتيل» الذي كان يتناول به سواتس وجبة الغداء، تكتظ بالمصرفيين الذي يرتدون الحلات باهظة الثمن.

ولكن الانتماءات تتغير والعمل يختلف، حيث أصبح سواتس، وهو أميركي ومسؤول بارز سابقا في مصرف «سيتي غروب»، أصبح يعمل الآن لإحدى الشركات الموجودة في المنطقة.

وقال ناصر السعيدي، وهو رئيس الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي: «تضطر المصارف الأميركية والأوروبية إلى تقليص نفقاتها، ولذا احتلت مكانها مصارف أخرى من الصين والهند وتركيا التي لا تواجه مثل هذه القضايا». ومرت المصارف المحلية بأوقات عصيبة هي الأخرى، حيث أعلن مصرف «أركابيتا» في البحرين عن إفلاسه في شهر مارس (آذار)، في حين يقوم مصرف «شعاع كابيتال» في دبي بإعادة تنظيم نفسه مرة أخرى.

وقال فاسيوكس إن العمالة في مجال الاستثمار المصرفي في المنطقة قد انخفضت بنحو 20 في المائة مقارنة بأعلى معدل لها قبل اندلاع الأزمة العالمية. وكان يمكن أن يكون الانخفاض الإجمالي أكبر من ذلك بكثير لو لم تقم المصارف بالتعاقد مع مديري الأصول وغيرهم من المتخصصين للتركيز على مجالات عمل جديدة. وقال مصطفى عبد الودود، وهو شريك في شركة «أبراج كابيتال» للاستثمارات الخاصة في دبي: «بدأ المشهد يتغير ببطء».

ويرى الكثير من المصرفيين أن المنطقة لم تتطور بالشكل المتوقع، بالنظر إلى الثروة الهائلة التي تمتلكها. وقبل بضع سنوات، كانت المصارف الغربية تتكدس في دبي، التي كان من المتوقع أن تعج بأنشطة الاندماج والاستحواذ، على غرار هونغ كونغ.

وعلى الرغم من وجود طفرة متواضعة في مجال الخدمات المالية المصرفية، فإن هذا المجال لم ينطلق في منطقة الشرق الأوسط بنفس النمط الموجود عليه في نيويورك أو لندن، حيث انخفضت عائدات الأنشطة المالية مثل عمليات الاندماج والاستحواذ وعروض الأسهم إلى نحو 450 مليون دولار عام 2011، مقارنة بنحو 1.4 مليار دولار عام 2007، وفقا لمؤسسة «طومسون رويترز». ومن بين الأسباب التي أدت إلى ذلك هو أن الأعمال الإقليمية لا تزال في أيدي الحكومات أو العائلات، وهي جهات تميل إلى الدخول في معاملات تجارية أقل خطورة.

وبينما تعد المناورات شيئا نادرا نسبيا في مجال الاندماج والاستحواذ الذي يحقق أرباحا كبيرة، أصبح إصدار السندات بمثابة ركيزة أساسية في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية في منطقة الخليج. وتضم العمليات الأخرى القوية تمويل مشاريع البناء التي تجري حاليا والتي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، بدءا من المدن الصناعية الجديدة في المملكة العربية السعودية وحتى إنشاء شبكة للسكك الحديدية في قطر.

وربما تكون المساعدة في إدارة ثروة المنطقة مصدرا آخر للربح، على نحو يوفر قدرة خاصة على إتمام صفقات في الغرب أو، بشكل متزايد، في آسيا، بالنسبة للصناديق الحكومية الضخمة في المنطقة، مثل صناديق أبوظبي، التي تملك أموالا مجنبة تقدر بنحو 600 مليار دولار على الأقل. في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، خصصت صناديق الثروة السيادية بالكويت وقطر نحو 9 مليارات دولار كدعم للمستثمرين في الاكتتابات العامة الأولية الخاصة بمصارف صينية، بينما تشترك شركة الاستثمار «مبادلة» في أبوظبي مع شركة حكومية ماليزية في مشروع مشترك قيمته 8 مليارات دولار.

وتشير نظرة إلى الناتج المحلي الضخم للمنطقة إلى أن سوق «عمليات الاندماج والاستحواذ» لا تقوم بذلك بشكل عادل»، هذا ما قاله كلاوس فرويهيليك، الرئيس المشارك لوحدة الخدمات المصرفية الاستثمارية الخاصة بالشرق الأوسط في دبي لمصرف «مورغان ستانلي». وأشار إلى أن صناديق الثروة السيادية «قد تطلعت للاستثمار بشكل عام في الشركات والمؤسسات الكبرى من خارج المنطقة».

بدلا من ذلك، أصبح قطاع الاكتتاب في السندات بهامش ربح أقل قطاع يمكن الاعتماد عليه بصورة أكبر. حتى هذا العام، يعتبر مصرفا «إتش إس بي سي» و«دويتشه بنك»، اللذان يمارسان دورا فعالا في الخليج منذ فترة طويلة، أكبر كيانين لتسوية الديون في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، فإنهما أيضا كيانان بارزان في إصدار الصكوك - تلك الأوراق المالية التي تهدف إلى جذب المستثمرين في الشرق الأوسط وآسيا الذين يحتمل أن يرفضوا عروض السندات العادية نظرا لأن الفائدة التي يدفعونها تخالف الشريعة الإسلامية. تم إصدار صكوك تقدر قيمتها بنحو 6 مليارات دولار - حيث يتحقق العائد من خلال أصول حقيقية مثل العقارات – في ست دول تابعة لمجلس التعاون الخليجي في الربع الأول من هذا العام، بحسب مصرف «الإمارات دبي الوطني» في دبي. وفي عرض آخر موجه للمستثمرين الآسيويين، أصدر مصرف «إتش إس بي سي» مؤخرا سندا قيمته 158 مليون دولار مقوما بالرنمينبي الياباني لمصرف «الإمارات دبي الوطني». ومثل تلك السندات «تساعد في ترسيخ مكانة الإمارات العربية المتحدة كمركز تمويل للمستثمرين الآسيويين»، بحسب المصرف. وبينما أصبح اكتتاب الديون عملا أساسيا بالنسبة للمصارف، تظل أسواق الأسهم الخليجية متقلبة، بل مخيفة. في ديسمبر (كانون الأول)، قدم مؤشر «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال» إشارة مخيبة للآمال عندما قرر عدم رفع الإمارات العربية المتحدة وقطر إلى مكانة الأسواق الناشئة، تاركا إياهما في فئة الحدود الأكثر خطورة. الأسباب هي مخاوف بشأن حماية المستثمرين في الإمارات العربية المتحدة وبشأن القيود المفروضة على الملكية الأجنبية في قطر.

وعقب تدهور مكانتها في عام 2011، ارتفعت مكانة الأسواق الخليجية هذا العام، مع تحول معظم المكاسب إلى المملكة العربية السعودية، التي بامتلاكها أكثر من 400 مليار دولار تمثل نحو نصف القيمة السوقية للمنطقة. ويعزو مجدي غرز الدين، رئيس إدارة الأبحاث في شركة «مشاريع الكويت» الاستثمارية لإدارة الأصول (كامكو)، الجانب الأكبر من التقدم الذي حققته السعودية إلى القوانين الجديدة الموضوعة لفتح السوق المغلقة منذ وقت طويل في وجه المستثمرين الخارجيين.

غير أن الخليج لا يملك مركزا ماليا رئيسيا يمكنه التركيز على رأسمال المنطقة وتوفير مجموعة واحدة من القوانين الموحدة للمستثمرين. وما زالت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة تخوض معركة من أجل جذب الصناديق والوظائف الراقية. تجدر الإشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة تمتلك ما لا يقل عن ثلاث بورصات أوراق مالية. وقالت راشيل زييمبا، محللة شؤون الشرق الأوسط بشركة «روبيني غلوبال إكونوميكس» في لندن: «المشكلة التي تعانيها منطقة الخليج هي أنها ليست مركزا ماليا؛ فهي عبارة عن خمسة أو ستة تجمعات مالية».

وتحدو دبي مطامح كبيرة إلى أن تصبح المحور الإقليمي، وهي بالفعل القاعدة الوحيدة الملائمة بالنسبة للمتخصصين الماليين الدوليين، لكنها قد عجزت عن تحقيق طموحاتها في أن تصبح مقرا لبورصة مالية عالمية. وقالت زييمبا إن عدم وجود مركز مالي كبير واحد قد جعل منطقة الخليج معرضة للمخاطر في أوقات الأزمة المالية. وربما يسهم أيضا في انتشار معاملات الليلة الواحدة وحالة التقلب التي تثبط عزيمة المستثمرين. تعتبر بورصات الأوراق المالية «أحد القطاعات التي تحتاج إلى المزيد من التدعيم»، هذا ما قاله الاقتصادي السعيدي. وأضاف: «نحتاج إلى قدر أكبر بكثير من التدعيم بمختلف أنحاء المنطقة».

* خدمة «نيويورك تايمز»