السماح لرجال الأعمال الباكستانيين بالاستثمار المباشر في الهند

600 رجل أعمال باكستاني في نيودلهي

جانب من بوابات الحدود الهندية مع الباكستانية
TT

عندما زار وفد من 600 رجل أعمال باكستاني نيودلهي مؤخرا لحضور أول معرض باكستاني لنمط الحياة ومدته أربعة أيام، كانت في انتظارهم مفاجأة سارة. كانت المفاجأة هي إعلان وزير التجارة والصناعة، أناند شارما، السماح لرجال الأعمال الباكستانيين بالاستثمار في الهند. تحمس أكثر المشاركين في المعرض لتطبيع العلاقات التجارية بين البلدين اللذين يشبهان التوأم المتماثل، لكن تصريح شارما لم يكن متوقعا. ويعمل وزير المالية الهندي من أجل تعديل قانون إدارة التبادل الأجنبي بحيث يسمح للباكستانيين بالاستثمار المباشر في الهند. وعلى خلفية المخاوف الأمنية، يحظر بموجب هذا القانون الاستثمارات الباكستانية في الهند، في حين لا يحظر أي استثمارات من بلد آخر. تاريخيا أبقت الدولتان حدودهما مغلقة في إطار قانون الاستثمار المباشر الأجنبي لدى كل منهما رغم العلاقات التاريخية والثقافية العميقة بينهما والتي انتهت بتقسيم الهند، التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، عقب الاستقلال عام 1947. مع ذلك، لم تفتر رغبة الباكستانيين في تناول الشاي الأخضر الهندي ولم ينته توق الهنود إلى البلح والمكسرات الباكستانية رغم الحروب الثلاث التي خاضتها الدولتان. لذا، حصل تجار هنود على شحنة من المنتجات الباكستانية عبر دبي في رحلة استغرقت 28 يوما، وكانت تكلفتها أكبر من تكلفة الرحلة المباشرة عبر الحدود بين البلدين بمقدار 40 مرة. ويبلغ حجم التجارة بين البلدين حاليا 2.7 مليار دولار سنويا فقط، وهي بالأساس في قطاع المعادن والمواد الكيميائية والأجهزة الإلكترونية، لكن يتم ما يقدر بـ10 مليارات دولار منها بطريق غير شرعي عبر دبي وسنغافورة. ومن المتوقع أن تتم التجارة حاليا بطريق شرعي، حيث ستنخفض تكلفة النقل وأي مزايا للسوق السوداء أو الرمادية.

ولاقى ذوبان الجليد في التجارة بين البلدين ترحيب النخبة في الهند وباكستان التي تدعو إلى استمرار تحسين العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مؤكدين على أن ذلك يمكن أن يساهم في حل المشكلات السياسية الكبيرة ومن بينها الصراع على إقليم كشمير. وعُقد اجتماع غريب في دلهي في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي. وقال المستشار السابق في جهاز الأمن القومي الباكستاني ولواء الجيش المتقاعد، محمود علي دوراني، في منزله حيث عقد الاجتماع، إن هناك تحولا استراتيجيا في طريقة نظر باكستان إلى الهند. ورفعت باكستان على مدى الأشهر القليلة الماضية الحظر عن كثير من المنتجات الهندية، وقالت إنها سترفع الحظر على المنتجات بالكامل نهاية العام الحالي. كذلك قال إنه من المقرر منح الهند «امتيازات تجارية» يتم بموجبها إلغاء التعريفة الجمركية. ومنحت نيودلهي هذه الامتيازات لباكستان عام 1996.

سيمثل الرد الهندي الإيجابي ضغطا على صناع السياسة الباكستانيين المترددين في السماح للهنود بالاستثمار المباشر رغم سياسة الاستثمار الأجنبي المتحررة التي تتبناها باكستان. ويستثمر كثير من رجال الأعمال البارزين الهنود في الصين رغم النزاع بين البلدين على الحدود. واقترح الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري، عام 2008 تطبيق النموذج «الصيني - الهندي» في ما يتعلق بتطبيع العلاقات. مع ذلك، تتخذ المؤسسة التي تتمتع بنفوذ حقيقي في باكستان موقفا من الهند، مما أدى إلى عرقلة جهود زرداري من خلال فتح ملفات قضايا الفساد الخاصة به مرة أخرى وتأليب الإعلام الذي يتبنى نهجا قوميا مبالغا فيه ضده. يبدو أن راولبندي قد تراجعت الآن.

من المتوقع أن يساهم السماح بالاستثمارات الباكستانية في الهند في تعزيز العلاقات التجارية بين الدولتين. وتتحدث الهند عن تصدير الكهرباء والنفط إلى دولة متعطشة للطاقة. وتنظر المصارف المركزية في كل دولة في فرص فتح أفرع لها في الدولة الأخرى. وكشفت الهند عن فتح منفذ جمركي جديد على حدود آتاري التي تفصل إقليم البنجاب الباكستاني عن البنجاب الهندي. كذلك يأمل التجار الهنود في استخدام الحدود للوصول إلى أسواق أفغانستان والعراق ووسط آسيا. ويكلف إنشاء المنفذ الجديد الذي يمتد على مساحة 118 فدانا في آتاري، ومنفذ للمسافرين على مساحة 9.600 متر و16 منفذا للمهاجرين و12 منفذا جمركي، الهند 1.5 مليار يورو. في الوقت الذي يشير فيه بعض منتقدي التجارة مع الهند إلى وجود عجز في الميزان التجاري، حيث بلغ حجم الصادرات الهندية رغم القيود 2.23 مليار دولار عام 2010 مقابل الصادرات الباكستانية التي يبلغ حجمها 248 مليون دولار، يرى مؤيدو التجارة مع الهند أن عجز الميزان التجاري من سمات العلاقات التجارية الباكستانية مع كل الدول سواء كانت الصين أو الولايات المتحدة أو أوروبا. العامل الرئيسي الذي يستند إليه المنتقدون هو أن باكستان ستستورد من الهند ما تستورده من الدول الأخرى بسعر أقل نظرا لانخفاض تكاليف النقل، على حد قول مؤيدي التجارة مع الهند. فضلا عن ذلك، ستعمل باكستان على توفير جزء كبير من النقد الأجنبي نظرا لانخفاض أسعار الماكينات الهندية عن الماكينات الأخرى. بالمثل، يمكن لباكستان التمتع بميزة تنافسية في بعض السلع المصدرة إلى الهند بفضل إزالة الحواجز الجمركية. مع هذا، لا يزال هناك كثير من المتشددين في كل من الهند وباكستان الذين يرغبون في عرقلة العملية. في باكستان يصر المتطرفون على عدم اتخاذ أي مبادرة سلام إلى أن يحل النزاع على إقليم كشمير.

على الجانب الهندي، يريد المغالون في القومية من باكستان إثبات حسن نيتها بإصدار أحكام على مدبري هجمات مومباي والقبض على رئيس جماعة «الدعوة» حافظ سعيد. كذلك هناك المتشككون الذين يعتقدون أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين لم تساهم في إرساء السلام ما دامت القضايا الحدودية بلا حل. مع ذلك، يظل المراقبون لباكستان حذرين. ويمكن أن يعيد هجوم يشبه حصار مدينة مومباي الهندية من قبل مسلحين يتخذون باكستان مقرا لهم عام 2008 البلدين إلى حافة الهاوية مرة أخرى، على حد قول محللين. وهناك شكوك في أن يسمح الجيش الباكستاني للقيادة المدنية بتجديد العلاقات. وكتب ساميت غانغولي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهندية في صحيفة «آشيان إيدج»: «رغم نظام الحكم المدني في باكستان، فإنه من الواضح لأكثر المراقبين الطرف الذي يمتلك السلطة».

مع ذلك، يوضح رد فعل الرأي العام ووسائل الإعلام في الهند خلال المعرض و«دبلوماسية الأضرحة» التي قام بها الرئيس الباكستاني زرداري ليوم واحد، أن قوى السلام تكتسب زخما. ورد الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية التجارة الباكستانية، طارق بوري، مؤخرا على المخاوف الهندية بشأن الإرهاب قائلا: «التجارة ظاهرة لها حدودها وديناميكيتها وتجد طريقها أيا كان ما يحدث في الدولة. الرسالة التي نريد أن نوجهها مفادها أنه يجب أن لا نسمح للإرهاب بأخذ التجارة رهينة. ينبغي أن لا تسمح الدولتان لهذا بالحدوث». وأضاف: «لقد عبرت باكستان بالفعل عن اهتمامها، وهناك إمكانية لاستيراد كل المنتجات التي نستوردها من دول أخرى من دولة الجوار التي يوجد بها واحدة من كبريات الأسواق بالنسبة لنا». ويعد المعرض من الفرص النادرة في الهند التي تسمح بالتقاء علامات تجارية باكستانية ومصممين بارزين باكستانيين وشخصيات ثقافية تحت سقف واحد في ما يمثل بداية جديدة في تبادل الثقافات والخبرات بين الهند وباكستان. وشعر أكثر المصنعين ومصممي الأزياء الباكستانيين بسعادة غامرة من الحفاوة التي استقبلتهم بها دلهي، ويقولون إن 95 في المائة من السلع بيعت خلال أول يومين بسبب السماح ببيعها بالتجزئة.