نتائج انتخابات فرنسا واليونان «ترعب» الأسواق العالمية.. وتجدد المخاوف من أزمة الديون الأوروبية

الاتحاد الأوروبي يشيد بما فعله «المهزوم» ساركوزي من أجل اليورو

TT

تراجع اليورو إلى أدنى مستوى في ثلاثة أشهر مقابل الدولار الأميركي أمس كما تأثرت الأسواق في كل أنحاء العالم، بعد أن غذت نتائج الانتخابات في اليونان وفرنسا المخاوف لإيجاد حل لأزمة الديون في أوروبا، يأتي ذلك فيما وجه الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي ببروكسل التهنئة لزعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، بينما صدرت البيانات الأوروبية لتؤكد ضعف وتباطؤ وتيرة تقدّم الأنشطة الاقتصادية، وبعد أن شهدنا انكماش الأنشطة الصناعية الأوروبية خلال الأسبوع أتت بيانات قطاع الخدمات لتظهر مواصلة انكماش الأنشطة أيضا في القطاع. ووجه الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي ببروكسل التهنئة لزعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية وجاء في بيان صدر عن رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو أن الأخير قدم التهنئة باسمه واسم أعضاء الجهاز التنفيذي الأوروبي للرئيس الفرنسي الجديد ووصف فوز هولاند بأنه انتصار مهم وتمنى له النجاح والتوفيق مضيفا أن التحديات المشتركة لكل من فرنسا والاتحاد الأوروبي هي تحديات كبيرة إلا أن العمل المشترك بين باريس وبروكسل سيساهم في دعم أوروبا القوية وأعرب عن تطلعه للتعاون والعمل المشترك مع الرئيس الفرنسي الجديد. وشرح باروسو قائلا: «لدينا هدف مشترك هو إنعاش الاقتصاد الأوروبي وتحقيق النمو وخلق الوظائف الجديدة وعلينا العمل من أجل هذه التطلعات»، وأشار رئيس المفوضية إلى ما سمعه خلال الحملة الانتخابية الفرنسية من أفكار طرحها هولاند وقال باروسو إن هناك قناعة بضرورة أن يستكمل الجميع الاستثمار في النمو، وبناء البنى التحتية الرئيسية، والاستفادة من الأموال المتاحة من بنك الاستثمار الأوروبي، وموازنة الاتحاد الأوروبي، مع الحفاظ على مسار الاندماج المالي وتخفيض الديون، ولمح باروسو إلى أن أفكار هولاند تتشابه مع التوجهات الأوروبية العامة وخاصة فيما يتعلق بدعمه لمقترح المفوضية الأوروبية بفرض ضريبة على المعاملات المالية ودعم سندات اليورو والنمو. وأشاد باروسو بالرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي والدور الذي قام به خلال السنوات الخمس الماضية وخاصة عندما تولت باريس في 2008 الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وتعاملها مع ملفات وتحديات كبيرة ومنها الأزمة في جورجيا وقمة مجموعة العشرين وحزمة إجراءات تتعلق بالمناخ والطاقة ووصف باروسو في البيان الرئيس ساركوزي بالقول «إنه مؤيد قوي لليورو وأحد المهندسين الأساسيين للإدارة الجديدة للاقتصاد الأوروبي». وفي نفس الصدد وبعد دقائق قليلة من الإعلان الرسمي عن فوز الاشتراكي فرانسوا هولاند بالانتخابات الرئاسية في فرنسا، صدر بيان في بروكسل من رئيس وزراء بلجيكا الاشتراكي اليو ديريبو لتهنئة الفائز، وقبل أيام من الانتخابات سافر رئيس حكومة بلجيكا إلى باريس وشارك هولاند في حملته الانتخابية مظهرا وبشكل علني تأييده للمرشح هولاند، في تصرف قال عنه العديد من المراقبين بأنه كان يمكن أن ينعكس سلبا على مستقبل العمل الثنائي بين بلجيكا ودولتها الجارة فرنسا. وقالت وسائل الإعلام البلجيكية إن اليو ديريبو قدم التهنئة الحارة لصديقه هولاند بعد دقائق من الإعلان رسميا عن فوزه في الانتخابات ثم توجه على الفور إلى باريس وشارك مساء الأحد في الاحتفالات، ومعه زعيمة الحزب الاشتراكي الفرانكفوني في بلجيكا مارتين أوبري، وعبر ديريبو عن سعادته البالغة لفوز هولاند، وتفاؤله بدفع العلاقات الثنائية وبشكل أكبر إلى الأمام، ووعد رئيس الوزراء البلجيكي بالعمل مع الرئيس الفرنسي الجديد وغيره من قادة أوروبا من أجل خطة واضحة للنمو الاقتصادي والتوظيف. وتراجع اليورو إلى أدنى مستوى في ثلاثة أشهر مقابل الدولار الأميركي الاثنين، بعد أن غذت نتائج الانتخابات في اليونان وفرنسا المخاوف لإيجاد حل لأزمة الديون في أوروبا. بلغ اليورو / دولار 1.2956 خلال أواخر التعاملات الآسيوية، أدنى سعر للزوج منذ 25 يناير (كانون الثاني)، وتماسك الزوج لاحقا عند 1.3012، متراجعا بنسبة 0.54. كان المرجح أن يجد الزوج الدعم عند 1.2956، أدنى سعر للدورة وفي ثلاثة أشهر والمقاومة عند 1.3031، أعلى سعر للدورة. في اليونان، لم يكن من المرجح فوز أي من الحزبين السياسيين الرئيسيين كونهما لم يأمنا ما يكفيهما من أصوات للفوز، فيما فضلت الأغلبية فوز الأحزاب الصغيرة التي شنت حملة ضد إجراءات التقشف الحكومية القاسية، فيما بقي حل قضية الديون الدولية للبلاد موضع الشك. وفي الوقت نفسه، في فرنسا تمت هزيمة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أمام منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي انتقد برنامج التقشف في البلاد. وتراجع اليورو أيضا مقابل الجنيه الاسترليني والين، مع تراجع اليورو / الجنيه الاسترليني بنسبة 0.54 ليسجل 0.8056 واليورو / الين تراجع بنسبة 0.56 ليسجل 103.89. ومن جهة ثانية صدرت البيانات الأوروبية لتؤكد ضعف وتباطؤ وتيرة تقدّم الأنشطة الاقتصادية، وبعد أن شهدنا انكماش الأنشطة الصناعية الأوروبية خلال الأسبوع أتت بيانات قطاع الخدمات لتظهر مواصلة انكماش الأنشطة أيضا في القطاع. وصدر عن الاقتصاد الأكبر في منطقة اليورو - الاقتصاد الألماني - مؤشر مديري المشتريات الخدمي عن شهر أبريل (نيسان) حيث انخفضت القراءة النهائية إلى 52.2 مقارنة بالقراءة السابقة التي بلغت 52.6 ولكن ارتفعت عن القراءة المتقدمة عند 52.1 وبأسوأ من التوقعات عند 52.6. وأظهرت القراءة النهائية لمؤشر مديري المشتريات الخدمي في منطقة اليورو خلال أبريل انكماشا لتسجل 46.9 مقارنة بالقراءة التمهيدية والتوقعات بقيمة 47.9 وفي حين كانت القراءة السابقة للشهر الماضي 49.2، أما عن القراءة المركبة فقد أظهرت انكماشا لتسجل 46.7 مقارنة بالقراءة التمهيدية والتوقعات بقيمة 47.4، وفي حين كانت القراءة السابقة لشهر فبراير (شباط) 49.1. وصدرت قراءة مبيعات التجزئة في منطقة اليورو خلال شهر مارس (آذار) لترتفع بنسبة 0.3 في المائة مقارنة بالقراءة السابقة عند - 0.15 والتي كانت من المتوقع أن تأتي عند 0.0 في المائة، وعلى الصعيد السنوي، تحسنت مبيعات التجزئة أيضا لتأتي القراءة الفعلية عند - 0.2 في المائة مقارنة بالقراءة السابقة - 2.1 في المائة والتي كانت من المتوقع أن تأتي عند - 1.1 في المائة. ولكن من الناحية الأخرى صدرت بيانات منطقة اليورو لتؤكد ضعف الأنشطة الصناعية، بعد أن قرر البنك المركزي الأوروبي الحفاظ على سياسته النقدية دون تعديل نظرا لانحصاره بين مستويات تضخم أعلى من المستويات المستهدفة وأكد دراغي بأن السياسات الغير اعتيادية هي مؤقتة بطبيعتها وبحاجة للوقت ليظهر أثرها على الاقتصاد، ويتوقع البنك أن المنطقة سوف تتعافى بشكل تدريجي بحلول نهاية العام الجاري. ويتوقع البنك المركزي الأوروبي أن يبقى معدل التضخم في المنطقة فوق المستويات المستهدفة 2 في المائة خلال 2012، ويرى أن المخاطر التصاعدية تحيط بالنظرة المستقبلية للتضخم خلال 2012، والتوقعات المسقبلية للتضخم تبقى ضمن المستويات المسيطرة عليها، وهذا مع بلوغ معدلات التضخم في المنطقة 2.6 في المائة خلال الشهر الماضي. أما عن تعليق محافظ البنك المركزي الأوروبي عن عمليات الإقراض طويلة الأمد بنحو تريليون يورو التي قام بها خلال الأشهر الماضية، فقد أكد دراغي بالحاجة للانتظار لتقييم أثر هذه العمليتين التي قاما بهما في ديسمبر (كانون الأول) وفبراير، ولكن في الوقت نفسه أكد أن هذه العمليات ذات تأثير إيجابي على الأسواق وهي إجراءات معقدة بطبيعتها. وأكد دراغي أن عمليات الإقراض طويلة الأمد قد ساهمت بتخفيف الضغوط على عمليات التمويل للبنوك الأوروبية، وأشار إلى أن هذه العمليات قد حمت الأسواق من أزمة سيولة محتمة، وأضاف أن البنك المركزي الأوروبي قام بالتقييم الجزئي لتأثير هذه العمليات.

من جهته قال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز إنه سيتوجه إلى أثينا في أقرب وقت، لمواصلة النقاشات مع القوى السياسية والأحزاب اليونانية، وأضاف شولتز في بيان ببروكسل، أن نتائج الانتخابات الأخيرة في اليونان تحتاج إلى تحليلها بهدوء لمعرفة ما يجب القيام به عمليا، مضيفا أن الأمر لا يحتاج إلى رد فعل مبالغ فيه مشددا على أن الهدف من أي مشاورات في اليونان لا بد أن يضمن التزامات اليونان في الاتحاد الأوروبي. ونوه شولتز إلى أن الوضع في اليونان ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي، يحتاج إلى تبني حزمة شاملة لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، وتوقع رئيس البرلمان الأوروبي أن يراعي قادة التكتل الأوروبي الموحد هذا الملف في قمة يونيو (حزيران) القادمة. وجاءت النتائج لتظهر رفض المواطن اليوناني لخطة التقشف التي تقودها الحكومة الحالية.

وقبل ساعات من إعلان النتائج كان المفوض الأوروبي المكلف شؤون التجارة الخارجية كارل ديغوشت قد أعرب عن أمله أن تساند الأحزاب اليونانية الحكومة الجديدة في البلاد وقال أما إذا اختار اليونانيون التصويت ضد أوروبا فسيكون ذلك مشكلة لليونان وأوروبا كلها، وأضاف «لا أعتقد وقتها أن أيا من الأموال الخارجية سيكون لديها الجرأة على الدخول إلى اليونان». وفي بروكسل أيضا دعا نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمسؤول عن الشؤون الاقتصادية والمالية فيها أولي رين إلى وضع مزيد من الاستثمارات العامة في المجالات الهامة مثل البنى التحتية الخاصة بوسائل النقل أو الاتصالات، بهدف جذب اهتمام القطاع الخاص وتحقيق هدف النمو الاقتصادي. وقال رين «نحن بحاجة إلى تركيز جهودنا بشكل جماعي نحو دعم النمو»، وذلك خلال كلمة ألقاها بمعهد الدراسات الأوروبية التابع لجامعة «ليبري» في بروكسل ونقله المكتب الصحافي الخاص بالمفوضية الأوروبية. وثمن المسؤول الأوروبي الجهود الرامية إلى تقليص العجز المالي التي تم بذلها حتى الآن، إلا أنه عاد وشدد على أهمية إيجاد «اتفاق أوروبي حول الاستثمارات» بحيث يعزز الاستثمارات العامة بطريقة «ذكية» بهدف تحريك الأموال الخاصة. وأبرز أيضا أن تقليص العجز يعد أمرا «لا مفر منه» وأن الإصلاحات الهيكلية هي «مفتاح» النمو على المدى المتوسط، موضحا أن «السياسات العامة النشطة التي تستهدف دعم النمو هي كذلك هامة». وأضاف أن هناك ثلاثة محاور ينبغي أن ترتكز إليها استراتيجية النمو، أولها هو «وجوب» تقليص العجز المالي والذي يجب أن يتم تطبيقه بطريقة متوازنة بحيث لا تضر بالنمو. واعتبر أن المحور الثاني من الاستراتيجية هو أن الأزمة ليست ناتجة فحسب عن «أسباب مالية»، بل إن لها أيضا «أصولا أعمق» تكمن في اختلالات الاقتصادات الكلية وغياب التنافسية، لذا فإن الدول اتجهت إلى بدء الإصلاحات الهيكلية المناسبة من أجل تصحيح تلك المشكلات. وأبرز أن الاستثمار هو المحور الثالث حيث إنه من الضروري زيادة الاستثمارات من أجل «دعم سياساتنا الأخرى المدرجة ضمن أجندة النمو».