الطاقة البديلة خيار استراتيجي لتوفير الكهرباء والماء في السعودية

خبير اقتصادي لـ«الشرق الأوسط»: استهلاك النفط داخليا سيقفز إلى 7.8 مليون برميل بحلول 2030

الشمس من خيارات الطاقة الجديدة في السعودية (تصوير: خالد الخميس)
TT

تواجه السعودية تحديا حقيقيا خلال الـ15 سنة المقبلة في مجال الطاقة، وقد يكون من المفارقات أن أكبر بلد منتج للطاقة (النفط) في العالم بحاجة ماسة لحل معضلة الطاقة في بنيته الداخلية والحد من استهلاك المزيد من النفط.

وفي حين تشكل مداخيل النفط ما نسبته 88 في المائة من الإيرادات الحكومية، فإن الحاجة ستكون حساسة إذا لم يتم حلها في فترة ازدهار المداخيل النفطية بالنسبة للسعوديين.

في هذه الآونة، تضج النشرات النفطية بتوقعات استهلاك السعودية للنفط خلال الـ10 إلى الـ15 سنة المقبلة من موردهم الرئيسي، حيث يضع الخبراء والمحللون الاقتصاديون توقعا إذا استمرت الحال على ما هي عليه دون إيجاد حلول لمشكلة الطاقة، بأن يقفز الاستهلاك اليومي من النفط داخليا إلى 7.8 مليون برميل بنهاية العقد المقبل.

وقال الخبير الاقتصادي السعودي تركي الحقيل المقيم في واشنطن إن التقديرات التقريبية تفيد بأن السعودية بحاجة إلى استثمار تريليون ريال (266.6 مليار دولار) على الأقل، في قطاع الماء والكهرباء خلال السنوات الـ15 المقبلة لكي تتمكن من توسيع الطاقة الإنتاجية، بالوتيرة اللازمة لتلبية احتياجات السكان التي تزداد بنحو 2.5 في المائة سنويا.

ويشير الحقيل إلى أن استمرار الزيادة بمعدل سنوي يناهز 2 في المائة أمر شبه مؤكد، كما أن الطلب على الكهرباء في السعودية يرتفع بفعل النمو المتسارع للقاعدة الصناعية. وفي تقارير اقتصادية مشابهة، تقدر حاجة السعودية إلى استثمار 700 مليار ريال (186.6 مليار دولار)، هنا يقول الحقيل إن السعودية بحاجة إلى رفد هذه الاستثمارات برساميل تعادل الثلث، حتى يبقى إنتاجها من الكهرباء والمياه المحلاة في المنطقة الآمنة على المدى المتوسط.

ويتابع الخبير الاقتصادي أن مشروعات المياه والكهرباء تمثل أولوية قصوى بالنسبة للحكومة السعودية، لافتا إلى أن الاستثمارات العامة والخاصة في هذين القطاعين ظلت غير كافية خلال العقد الماضي، «لذا لا بد من معالجة هذه المشكلة خلال السنوات المقبلة لسبب بسيط، وهو ضرورة تلبية الطلب المحلي على الكهرباء والمياه الذي ينمو بنحو 8.5 في المائة سنويا وقد يرتفع أكثر من الضعفين في العقدين المقبلين مما سيرفع استهلاك النفط داخليا إلى نحو 7.8 مليون برميل يوميا».

ومع توسيع قطاع المياه والكهرباء السعودي بالوتيرة اللازمة لتمكينه من تلبية الطلب المتنامي عليه خلال العقد الحالي ومنتصف العقد المقبل، فإن الأمر سيتطلب استثمارات بمئات المليارات من الريالات، «ففي الواقع هناك حاجة ماسة لاستثمار مبالغ ضخمة في البنى التحتية لقطاع الماء والكهرباء في بلد يتجاوز فيه معدل نمو الطلب على الكهرباء، الذي يبلغ ذروته في فصل الصيف، معدل نمو إمدادات الطاقة الكهربائية في العديد دول المنطقة، كما تعتبر السعودية أيضا من أفقر دول العالم في مصادر المياه الطبيعية المتجددة».

هاتان المعضلتان، بالإضافة إلى معضلة الاعتماد على المورد الرئيسي؛ وهو النفط، تجعلان السعودية بحاجة إلى استثمارات حقيقية في اتجاهين؛ الأول التوسع في مشاريع توليد الكهرباء وتحلية المياه، والثاني استخدام طاقة غير النفط في هذه المشاريع، «باختصار تبني طاقة متجددة لهذه المشاريع سواء كانت طاقة نووية أم طاقة شمسية».

وتبدو هذه التحديات غير بعيدة عن المسؤولين في قطاعي الكهرباء والمياه، حيث أكد الدكتور عبد الرحمن آل إبراهيم محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في مارس (آذار) الماضي على أن المؤسسة تضع الخطط لإنفاق قرابة 300 مليار ريال (80 مليار دولار) خلال الـ20 سنة المقبلة على مشاريع المياه.

وقال آل إبراهيم حينها إن المؤسسة العامة لتحلية المياه تنتج حاليا 3 ملايين متر مكعب من المياه المحلاة يوميا، وسيقفز إنتاجها بحلول عام 2015 إلى نحو 5.7 مليون متر مكعب من المياه، كما أكد آل إبراهيم حينها أن المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تدرس مع «أرامكو السعودية» قضية كفاءة الطاقة في محطات التحلية.

يشار إلى المؤسسة العامة لتحلية المياه بدأت مشروعا للتحلية بالطاقة الشمسية في مدينة الخفجي ضمن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للتحلية بالطاقة الشمسية، وهو مشروع أولى في هذا الجانب؛ حيث تبلغ القدرات التصميمية لأنظمة التحلية 30 ألف متر مكعب يوميا، قابلة للزيادة إلى 60 ألف متر مكعب، وقدرات الطاقة الكهربائية بالطاقة الشمسية تصل إلى 20 ميغاواط.

وبالعودة إلى الحقيل، فقد أكد أنه وخلال السنوات الـ15 المقبلة، تتوقع وزارة المياه والكهرباء السعودية أن تستثمر 300 مليار ريال (80 مليار دولار) في توليد الكهرباء، و200 مليار ريال (53.3 مليار دولار) في مشروعات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى استثمار 200 مليار ريال (53.3 مليار دولار) في قطاع الصرف الصحي.

ويعتقد أن هذا التمويل البالغ 700 مليار ريال (186.6 مليار دولار) الذي يعادل تقريبا 33 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي بالأسعار الحالية، ينبغي زيادة حجمه بنحو الثلث، على الأقل، لكي تتمكن السعودية من تلبية الطلب المحلي على الماء والكهرباء بارتياح، ويتعين على القطاع الخاص أن يلعب دورا رئيسيا في هذه العملية عبر بناء شراكات استراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص.

ويوضح الخبير الاقتصادي أن «السعودية وسعت قطاع المياه والكهرباء خلال السنوات الأخيرة لكن وتيرة نمو الطلب المحلي على الماء والكهرباء، فاقت وتيرة التوسيع، ففي الوقت الذي قفز فيه الطلب الأقصى على الكهرباء بنحو 85 في المائة بين عامي 2000 و2010، نمت قدرة السعودية على توليد الكهرباء بنسبة 73 في المائة فقط، خلال الفترة نفسها».

كما يبين أن مصادر المياه تعرضت لضغوط متزايدة خلال العقد الماضي حيث انخفض نصيب الفرد من إجمالي مخزون المياه بنحو 25 في المائة، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في معدلات استهلاك الفرد والزراعة والصناعة للمياه، فبين عامي 1980 و2010، تضاعف أكثر من ثلاث مرات حجم استهلاك السعودية من مياه الري بسبب مسعاها لتطوير الزراعة في المناطق الصحراوية، وبلغ الاستهلاك من مياه الري خلال تلك الفترة نحو ثلاثة وعشرين كيلومترا مكعبا، طبقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كما انخفض نصيب الفرد السعودي من إجمالي مصادر المياه المحلية بنحو أكثر من الثلث بقليل بين عامي 1992 و2010، طبقا لبيانات منظمة «الفاو».

ولمح إلى تقرير منظمة «الفاو» الذي قدر حجم استهلاك المياه السطحية والجوفية بأكثر من 988 في المائة من إجمالي مصادر المياه المتجددة في عام 2010.

ولفت الحقيل إلى أن هذه الحقائق تمثل مؤشرات حقيقية لمستوى استهلاك المياه والكهرباء التي بدورها تمثل مؤشرات للضغط، يجب معها الاعتماد على مصادر الطاقات البديلة لإنتاج المياه والكهرباء، مشيرا إلى أنه مع التوجه للطاقة المتجددة، فإن نجاح هذا التوجه مرهون بتوفير الحوافز الكافية للمستهلكين، فقد تبنى العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال سياسة التعريفة الخاصة بتزويد الشبكة بالطاقة الكهربائية المتجددة؛ حيث تدفع شركات الكهرباء للمواطنين تكلفة ما تنتجه الخلايا الشمسية التي يتم تركيبها في منازلهم، ويضيف: «نظرا لسطوع الشمس في السعودية طوال السنة، سيكون بإمكانها إطلاق برنامج واسع لاستغلال الطاقة الشمسية، لكن هذه الفكرة لن تكون مجدية إلا إذا ترافقت مع تحولات جوهرية في الثقافة والوعي والسلوكيات الاستهلاكية»، وزاد: «الكميات النفطية التي سوف يتم توفيرها في حالة استخدام الطاقة المتجددة ستباع بالأسعار العالمية»، ويضيف: «إذا تم افتراض أن تكلفة توليد الكهرباء في السعودية ستكون عند مستوى أسعار النفط العالمية، فإن الطاقة المتجددة ستكون عند أقل تكلفة بنسبة كبيرة من حرق النفط الخام ومشتقاته دون أي جدال».

ويؤكد على وجوب مراجعة تعريفات الدعم التي تقدمها الحكومة بشكل عاجل وبقدر أكبر من المسؤولية، «فقد أدت تعريفات الكهرباء والماء المنخفضة وبعض الحوافز المشوهة، إلى تشجيع الأفراد والشركات على الإفراط في استهلاك وهدر الطاقة الكهربائية والموارد المائية».

ويختم بأنه «لا بد من تغيير هذا الواقع عبر إسراع الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد استهلاك الكهرباء والماء،والاتجاه إلى الطاقات المتجددة بشكل فوري من خلال تطبيق مقاربة شاملة، تشتمل على إقامة شراكات استراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص لتحقيق التوازن بين العرض والطلب على الكهرباء والمياه من خلال الطاقة البديلة».