أجراس الإنذار كانت تدق.. لكن «جي بي مورغان» تجاهلها

قرعها خبراء في المخاطر قبل سنوات من خسارة البنك ملياري دولار

المقر الرئيسي لـ«جي بي مورغان» في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

خلال السنوات السابقة، أي قبل خسائر التداول التي تكبدها مصرف «جي بي مورغان تشيس»، البالغة ملياري دولار، أثار مديرو المخاطر وبعض كبار مسؤولي الاستثمار بالمصرف مخاوف من تزايد معدل الاستثمارات الكبيرة التي يدخل فيها المصرف، والتي كانت تشمل معاملات تداول معقدة يصعب فهمها. ولكن على الرغم من التزايد المطرد في حجم المقامرات، يقول هؤلاء الموظفون السابقون بالمصرف إن هذه المخاوف كانت تقابل بالتجاهل أو بالرفض.

وبحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» أعد من قبل جيسيكا سيلفر غرينبورغ ونيلسون شوارتز، يقول موظفون حاليون وسابقون بالمصرف إن الاندفاع بقوة نحو مثل هذه الصفقات كان بموافقة المستويات الإدارية العليا في المصرف، بما في ذلك جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي.

وقد أدى هذا في بادئ الأمر إلى ارتفاع هائل في أرباح الاستثمار، لكنهم يقولون إنه تسبب أيضا في عدم تحلي المصرف بالقدر الكافي من الحيطة والحذر.

ويقول أحد مندوبي التداول السابقين في وحدة عمليات الاستثمار بالمصرف، وهي الإدارة التي تكبدت الخسارة الأخيرة: «كان هناك وضع غير متوازن، ما بين اتخاذ مواقف تنطوي على قدر مرتفع من المخاطرة ووجود مديري مخاطر ضعاف نسبيا».

وقد طلب هذا المندوب وغيره من الموظفين السابقين عدم ذكر أسمائهم، بسبب طبيعة التحقيقات التي تجرى حول خسائر التداول.

إلا أن المصرف يزعم أن هذه الخسائر تعود في معظمها إلى أخطاء وحدة عمليات الاستثمار، ويقول المسؤولون الحاليون إن الاستعداد لدخول عمليات تداول تتسم بالمخاطرة بشكل عام لم يزدد، وإن كل ما زاد هو حجم أنشطة وحدة عمليات الاستثمار، نتيجة استحواذ المصرف على شركة «واشنطن ميوتشوال» في عام 2008، التي تمتلك حافظة ائتمانية تتسم بقدر أكبر من المخاطرة.

وعلى الرغم من الاعتذارات التي قدمها ديمون مؤخرا عن تلك الخسائر - التي من المرجح أن يكررها يوم الثلاثاء مع عقد الجمعية العمومية السنوية لمساهمي المصرف، في تامبا بولاية فلوريدا - فسوف تقوم الجهات الرقابية بوضع طرق إدارة المخاطر داخل وحدة عمليات الاستثمار تحت المنظار.

وقد أثار كبار مسؤولي الاستثمار بالمصرف مخاوف من تنامي حجم ودرجة تعقيد المخاطرات التي تقوم بها وحدة عمليات الاستثمار بالمصرف منذ وقت مبكر يعود إلى عام 2007، طبقا لمقابلات أجريت مع ستة من المسؤولين الحاليين والسابقين بالمصرف. وداخل وحدة عمليات الاستثمار، التي تديرها إينا درو (وقد قدمت استقالتها يوم الاثنين الماضي)، كانت المخاطرات تتم تحت إشراف رئيس مكتب تداول الأسهم في أوروبا، الذي يقع مقره في لندن، وهو أكيليس ماكريس.

ويقول موظفون حاليون وسابقون في وحدة عمليات الاستثمار إن ماكريس، الذي يتوقع أن يتقدم باستقالته هو الآخر، لم يلتفت إلى المخاوف التي نبهه إليها مسؤول المخاطر الداخلية بالإدارة نفسها منذ عام 2009. ولم يمكن الوصول إلى ماكريس ودرو للحصول على تعليقهما حول الأمر.

وتحت إشراف ديمون، ظل مصرف «جي بي مورغان تشيس» لوقت طويل يتمتع بسمعة طيبة بفضل ما يمتلكه من إمكانات قوية في إدارة المخاطر، بل قد تجاوز الأزمة المالية التي وقعت في عام 2008 دون أن يتعرض لأضرار كبيرة، على عكس كثير من المصارف الكبرى. ومن جانبهم، شكك كبار مسؤولي المصرف، يوم الاثنين الماضي، في الأقاويل التي تؤكد أن المؤسسة قد قللت من مستوى إدارة المخاطر في السنوات الأخيرة في ظل سعيها لزيادة أرباح التداول.

وقد تم تهميش دور مديري المخاطر، إلى حد كبير، على يد ماكريس الذي كان يتمتع بحرية كبيرة في العمل، وكان يحظى أيضا بدعم درو التي لم تكن تتدخل سوى في أضيق الحدود. وفي وقت من الأوقات، بعد تزايد القلق بشأن الصفقات التي كان يبرمها برونو إكسيل، الذي أصبح يعرف حاليا باسم «حوت لندن»، قام ماكريس بتعيين مسؤول مخاطر سبق له العمل معه بصورة مقربة في الماضي.

ويتمتع مسؤولو المخاطر بصلاحيات إيقاف صفقات التداول التي يرونها بالغة الخطورة، لذا فقد أثار عدم إحكام الترتيبات التي تم اتخاذها لغطا كبيرا في نيويورك أيضا، بحسب مندوب التداول السابق في وحدة عمليات الاستثمار.

ويقول الكثير من المصرفيين إن ضوابط المخاطر لم تتم زيادتها بصورة كافية منذ تولي دوغ برونستاين منصب الرئيس المالي في عام 2010، وهو سبب آخر لاستمرار الدخول في صفقات تداول عالية المخاطر.

وقد دافع جو إيفانجليستي، المتحدث باسم المصرف، قائلا إن برونستاين كانت لديه القدرة على التعامل مع المخاطر الإضافية على أي حال.

وأشار ديفيد أولسن، الذي كان يتولى إدارة المعاملات الائتمانية في وحدة عمليات الاستثمار حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فيما يتعلق بالصفقات التي أبرمها، إلى أن «الإدارة كانت مشاركة إلى حد كبير، وضوابط المخاطرة كانت صارمة للغاية».

ويرجع المسؤولون الحاليون ضعف مستوى الإشراف في جزء منه إلى انعزال وحدة عمليات الاستثمار في لندن تماما عن باقي إدارات المصرف. وحتى داخل وحدة عمليات الاستثمار نفسها، كانت هناك مخاوف متزايدة من أن المقامرات التي يتم الدخول فيها في لندن كانت معقدة إلى حد لا يصدق، ولم تكن مفهومة بصورة كاملة للإدارة في نيويورك.

ولكن على الرغم من هذه المخاوف، فإنه قد اتسع نطاق الصفقات التي أبرمتها وحدة عمليات الاستثمار اتساعا حادا عقب الاستحواذ على شركة «واشنطن ميوتشوال» في أوج الأزمة المالية في عام 2008، حيث لم تحمل الشركة الجديدة معها مئات المليارات من الأصول الإضافية إلى المصرف فحسب، بل جاءت أيضا بأوراق مالية أكثر مخاطرة كانت تتطلب مزيدا من التحوط. ونتيجة لهذا، فقد شهدت حافظة الاستثمار في الأوراق المالية نموا سريعا، حيث تضاعف حجمها أكثر من أربع مرات لتصل إلى 356 مليار دولار في عام 2011، مقابل 76.5 مليار دولار في عام 2007، حسب البيانات المالية التي أعلنتها المؤسسة.

ويذكر أحد المسؤولين السابقين أن درو كانت تقدم شرحا وافيا أمام مجلس الإدارة مرتين تقريبا في العام، «لكن هذا لم يكن يشار إليه كثيرا».

وعلاوة على ذلك، يقول مسؤول كبير سابق آخر بالمصرف إن ديمون لديه حرائق أخرى عليه أن يطفئها، وإن وحدة عمليات الاستثمار ليست «طفلا صعب المراس»، سواء بالنسبة لكبار المديرين أو لمجلس الإدارة، على الرغم من توسعها السريع. وقد ظلت الخسائر الضخمة تتراكم نتيجة الرهون العقارية الرديئة، وكانت القواعد التنظيمية الجديدة تهدد ربحية المعاملات المصرفية التقليدية، إلى جانب الأمور الملحة الأخرى. كل هذه العوامل ربما تفسر لماذا لم ينتبه ديمون، وهو رئيس تنفيذي معروف بقدرته على استشعار المخاطر وعلى دراية أيضا بكل تفاصيل مهنته، إلى أول ناقوس خطر دق في أوائل شهر أبريل (نيسان) الماضي، فقد انطلقت صافرات الإنذار بعد سلسلة من جلسات التداول الخاطئة في أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، التي كانت تؤدي إلى تحقيق مكاسب كبيرة في يوم، تليها خسائر أكبر بكثير في اليوم التالي، تحت إشراف مكتب تداول الأسهم في لندن التابع لوحدة عمليات الاستثمار بالمصرف. ويقول المسؤولون إن درو وفريقها نجحوا في إقناع ديمون بأن هذه الهزة «من السهل التعامل معها»، ولم يتشكك أحد من لجنة العمليات التشغيلية، التي كانت درو عضوا بها، في هذه النتيجة التي خلصت إليها، والحقيقة أن لجنة العمليات التشغيلية بالكامل لم يتم إخطارها بحجم المشكلة حتى أوائل الأسبوع الماضي، قبل أيام معدودة من تصريحات ديمون.

وقد تم إسكات أجراس الإنذار في أوائل شهر أبريل الماضي، ولكن بعد أيام من الإعلان عن أرباح الربع الأول في 13 من الشهر نفسه، استمرت سياسات التداول الخاطئة، باستثناء أن هذه المرة كانت هناك مكاسب ضئيلة لتعويض الخسائر، واستمرت الأسهم في التوغل داخل المنطقة الحمراء مع مرور الوقت.

وقد قام ديمون بجولة ثانية من عمليات التفتيش، سرعان ما كشفت عن وجود قنبلة موقوتة، ولكن كان الأوان حينها قد فات، حيث تفاقم الوضع مع زيادة مندوبي التداول لمقامراتهم بدلا من التراجع عنها، مما أدى إلى خسارة تجاوز إجماليها ملياري دولار حتى الآن، وأصبحت تهدد فريق إدارة كان يبدو حتى الآن أنه لا يمكن أن يخطئ.

وقد اعترفت الشركة صراحة بأن الخسائر ربما تتضاعف في النهاية، ويتوقف هذا على ظروف السوق.