رئيس الحكومة المغربية ينتقد تفشي الرشوة والفساد ويهاجم موظفي الإدارة الطامعين في الثراء

عبد الإله ابن كيران قال إن «الربيع العربي» زلزال محمود العواقب

عبد الإله ابن كيران يتحدث أمس في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

انتقد عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، ما سماه «العادات السيئة» المنتشرة في المجتمع، في إشارة إلى ارتباط التعقيدات الإدارية التي تعرقل ممارسة الأعمال وأدت إلى تفشي الرشوة والفساد. وقال ابن كيران، في سياق حديثه أمس (الثلاثاء) في الدار البيضاء عن جهود المغرب لتسهيل الإجراءات الإدارية للاستثمار وممارسة الأعمال في افتتاح المنتدى العربي لممارسة أنشطة الأعمال، «لنتكلم بوضوح. لماذا لا تسهل أعمال الشركات؟ ما بال هذه الإدارة؟ لتكن الأمور واضحة، إذا كان موظفو الإدارة يرون أن رواتبهم لا تكفيهم وأرادوا أن تكون لهم ثروة عليهم أن يخرجوا إلى عالم التجارة والصناعة والفلاحة».

وأضاف ابن كيران أنه ليس من السهل تغيير هذه العادات السيئة. وقال «هناك نوع من التواطؤ من طرف رجال الأعمال الذين يجدون في النهاية أن هذه العادات تخدم مصلحتهم، ويعتبرون أنه لا بأس أن يقوموا بالدفع هنا أو هناك. ولكنهم لا ينتبهون إلى أنهم يفسدون المناخ العام للأعمال».

وتحدث ابن كيران عن تداعيات الربيع العربي وأشار إلى أن انعقاد المنتدى العربي لممارسة أنشطة الأعمال، الذي ينظمه البنك الدولي بشراكة مع الحكومة المغربية، يأتي في ظل الظروف الخاصة لما بعد التحولات التي عرفها العالم العربي مند بداية العام الماضي في سياق الربيع العربي. وقال «ليس من الممكن أن يندرج اجتماعنا في سيرورة عادية. فلا شك أن الذي حدث هو بمثابة زلزال محدود العواقب. وهو يفيد أن المنظومة السابقة لم تكن ناجحة وأنها خلقت من الاختلالات في المجتمع ما أوشك أن يربك الأواصر والأسس التي بني عليها وأنها كانت غير قابلة للاستمرار. ونحن اليوم نتحدث عن التنافسية. والتنافسية أساس للعدالة التي من خلالها يمكن أن يصل إلى كل واحد من أفراد المجتمع شيء ما يكون كافيا لكي لتحقيق كرامته». وأضاف ابن كيران أن المغرب تمكن من التفاعل الإيجابي مع الاحتجاجات، مشيرا إلى خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس (مارس من العام الماضي) الذي كان قد أعطى الانطلاقة إصلاحات عميقة مباشرة بعد انطلاق الاحتجاجات، وما تبع ذلك من إصلاح دستوري وانتخابات.

وأشار ابن كيران إلى أن هناك إرادة قوية للإصلاح في المغرب. وقال «الإرادة موجودة للوصول إلى الإشكاليات على المستوى القانوني ومعالجتها، ولكن من الناحية العملية هناك صعوبات». وأضاف ابن كيران أنه عقد عدة لقاءات مع الرئيس السابق لاتحاد رجال الأعمال المغاربة بهدف التشاور والتنسيق فيما يتعلق بتسهيل الأعمال في المغرب، وأنه يواصل نفس النهج مع الرئيسة الجديدة للاتحاد.

وقال ابن كيران «الذي حدث واضح وضوح الشمس في الظهيرة. فالمنظومات الاقتصادية التي كانت في دولنا والتي كانت في دول كثيرة أخرى حول العالم، لم يعد بالمكان أن تستمر. ونحن واعون كحكومة أن دورنا ليس دورا للاستمرارية العادية فقط لا بد من إحداث تغييرات حقيقية تسمح بارتفاع مستوى التنافسية الاقتصادية. وكل هذا بطبيعة الحال سيستفيد منه رجال الأعمال، وهذا مطلوب، ولكن من خلاله سنتمكن من أن يصل إلى جميع أفراد المجتمع شيء ما يضمن كرامتهم». وأضاف «ليس من الممكن أن يبقى المجتمع يعيش في وضع تجره عوامل الفقر والهشاشة والتهميش والبؤس إلى أدنى، وهو يرى أمامه عالما من الرفاهية يتكون في أعلى، ومقابل ذلك نعطيه الشعارات والخطب، ليس الممكن أن يستمر ذلك. فمن الطبيعي أن نسير في اتجاه التغيير الحقيقي، من خلال ترسيخ ديمقراطية حقيقية».

ويرى ابن كيران أن الإصلاحات التي قام بها المغرب، عبر اعتماد دستور جديد ووضع قواعد وأسس ومؤسسات الإصلاح الديمقراطي، وإجراء انتخابات كرست لعهد جديد من تدبير الشأن السياسي، يعتبر الطريق الأقل كلفة لتحقيق التغيير المنشود. غير أنه في نظره يشكل «الطريق الأطول. لأن أعداء التغيير والمستفيدين من الأوضاع القديمة المختلة لا يزالون موجودين، ولا يزالون في مواقع مؤثرة، وهذا شيء طبيعي، وهم موجودون في كل مكان».

وأضاف ابن كيران «المواطنون لا يطالبون بالصدقة، وإن كان منهم من يستحقها ويجب أن تصل إليهم. المواطنون يطالبون بالعدل، أي حين يبذلون جهدا يشعرون بأن مجهودهم يرجع إليهم على شكل نصيبهم من الإنتاج الوطني، وتحقيق هذا العدل ممكن من خلال توضيح قواعد التنافسية. وكل ما يقع لنا من مشكلات يأتي من هذا الباب». وأوضح ابن كيران أن التنافسية لا يمكن أن تكون حين يكون التمييز، وأن الهدف من كل قواعد التنافسية هو لإيقاف قواعد التمييز. وأشار إلى ضرورة معاملة الاستثمار الأجنبي والاستثمار المحلي على قدم المساواة. وقال «الاستثمار الخارجي كالاستثمار الداخلي، وحتى إن كانت للاستثمار الأجنبي امتيازات فهو يعلم أن غدا ستدور عليه الدوائر، لذلك فهو يطالب بالوضوح».

وأشاد ابن كيران بالتقدم الذي حققه المغرب في السنوات الأخيرة في مجال تحسين مناخ الأعمال، والذي مكنه من كسب 24 مركزا في ترتيب مرصد ممارسة الأعمال التابع للبنك الدولي، واحتلال المغرب مرتبة ضمن العشرة بلدان الأوائل في العالم من حيث أهمية وحجم الإصلاحات في مجال تحسين مناخ الأعمال في تقرير المرصد لسنة 2012.

وقال إن حكومته تواصل الإصلاحات الكبيرة في هذا المجال، مشيرا إلى أنه ترأس الأسبوع الماضي الاجتماع الثالث للجنة الوطنية لمناخ الأعمال، التي تضم اتحاد رجال الأعمال واتحاد البنوك المغربية وغرف التجارة والصناعة والوزراء المعنيين بالشؤون الاقتصادية. وأشار إلى أن اللجنة قد تبنت في اجتماعها برنامج عمل طموحا للفترة المقبلة.