أوروبا: عين على آيرلندا وأخرى على إسبانيا.. وقلب على اليونان

تتابع الاستفتاء الآيرلندي على معاهدة الانضباط المالي وتطورات أزمة «بانكيا» الإسباني

مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

بدأ الآيرلنديون التصويت على معاهدة الموازنة الأوروبية، وذلك من خلال 800 شخص من سكان خمس جزر نائية قبالة ساحل دونيجال، أما بقية البلاد فسيكون التصويت الخميس بما في ذلك الجزر قبالة الساحل الغربي، على أن تعلن النتيجة يوم الجمعة. والاتفاقية الجديدة وقع عليها قادة 25 دولة من الدول الـ27 باستثناء بريطانيا وجمهورية التشيك، ويلزم لبدء سريان الاتفاقية التصديق عليها من 12 دولة من بين 17 من أعضاء مجموعة اليورو الـ17، وكان آخر تصديق قد جرى نهاية الأسبوع الماضي من جانب هولندا، وتقول استطلاعات الرأي في آيرلندا إن الاتفاقية الأوروبية ستحصل على دعم 57% من الآيرلنديين وقد يزيد العدد، ووجه رئيس الحكومة الآيرلندية ايندا كيني نداء إلى المواطنين عبر شاشات التلفزة للتصويت الإيجابي على المعاهدة. وجاء إقرار هولندا للمعاهدة المالية الأوروبية تنفيذا لما جرى الاتفاق عليه في قمة بروكسل خلال شهر مارس (آذار) الماضي، التي انتهت بالتوصل إلى توافقات من شأنها أن تحقق نتائج على المستوى القريب والبعيد على النواحي الاقتصادية والمالية في الاتحاد الأوروبي، وتعيد الثقة في الاقتصاد والاستثمار والأسواق، بحسب ما صرح به هرمان فان رومبوي رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي في المؤتمر الصحافي الختامي للقمة. وبعد أن وقع قادة 25 دولة أوروبية على معاهدة الانضباط المالي، التي تضع قواعد صارمة على الدول الملتزمة بها لمنع تكرار أزمة الديون التي تعصف بدول الاتحاد حاليا وفي هذا الإطار، عبر رئيس الاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي عن قناعته بأن توقيع الاتفاق يعد «خطوة هامة» في معالجة الأزمة، حيث «يعتبر توقيع هذا الاتفاق خطوة أساسية لاستعادة الثقة بالاتحاد الأوروبي واقتصاده وعملته الموحدة»، ومن المتوقع أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ الفعلي عندما يتم المصادقة عليه من قبل اثنتي عشرة دولة من أصل الدول الـ25 الموقعة عليه، ويخشى خبراء الاتحاد الأوروبي من أن تتسبب آيرلندا، التي تنوي تنظيم استفتاء عام للمصادقة على هذا الاتفاق، في تفجير أزمة جديدة في التكتل الموحد على الرغم من التطمينات التي يطلقها المسؤولون بين الحين والآخر. ويقضي اتفاق الانضباط المالي بفرض قواعد صارمة على الدول الموقعة في مسألة ضبط موازناتها، وعدم استبعاد عقوبات على الدول المخالفة، مقابل تعزيز قدرات صندوق الإنقاذ المالي لمعونة الدول المتعثرة. وينص الميثاق على خفض الديون وفقا للنموذج الألماني الذي تمت مراجعته من قبل المحكمة الأوروبية. وفي مدريد تعتزم الحكومة الإسبانية اعتماد خطة إنقاذ أوروبية للحصول على مبلغ تسعة عشر مليار يورو لتأمينه لمصرف «بانكيا» الواقع في أزمة ديون عقارية حادة. هذه الخطوة ستتطلب من الحكومة إصدار سندات دين يتم تبادلها مع البنك الأوروبي المركزي لتأمين المبلغ المطلوب ضخه للمصرف بفوائد أقل من الفوائد المعتمدة في سوق سندات الدين، لكن بعض المحللين الاقتصاديين يحذرون من ذلك، يقول أحدهم: «أعتقد أنه من غير الملائم أن نتكبد أعباء ديون مصرف خاص نتيجة أخطاء ارتكبها مديروه، فهذا التصرف غير منصف». الرئيس الجديد لمجلس إدارة «بانكيا» أكد أن المبلغ المحتمل ضخه سيتم استخدامه ليتمكن المصرف من تسجيل أرباح لإعادة خصخصته. أسعار أسهم المصرف ما زالت تتراجع، فسجلت الاثنين انخفاضا بمعدل اثنين وعشرين في المائة، ليبلغ سعر السهم الواحد 1.22 يورو. ويأتي ذلك بعد أن انتهي المجلس الاقتصادي والمالي الأوروبي (الايكوفين) إلى إجراءات من شأنها أن تجعل القطاع المصرفي أكثر قدرة على مواجهة الصدمات المالية، وفي نفس الوقت وضع متطلبات أكثر صرامة في ما يتعلق برأس مال البنوك وشركات الاستثمار. وحسب ما صدر عن المؤسسات الاتحادية في بروكسل فإن القرارات التي صدرت عن المجلس الوزاري الأوروبي، ستشكل أساسا للتفاوضات مع البرلمان الأوروبي لإقرار هذه الإجراءات بشكل نهائي، حيث من المنتظر أن تلتزم بها البنوك في مطلع العام المقبل. وقال بيان عقب اجتماعات وزراء المال والاقتصاد الأوروبيين انعقدت مؤخرا ببروكسل، إن القواعد الجديدة تهدف إلى زيادة الاستقرار المالي، عن طريق جعل البنوك أكثر قدرة على إدارة المخاطر التي يتعرضون لها، وامتصاص صدمات مماثلة لتلك التي شهدتها خلال السنوات القليلة الماضية، وفي نفس الوقت سوف تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام من خلال ضمان الائتمان ووضع قواعد موحدة مطلوبة في السوق الواحدة. ويرى المجلس الوزاري الأوروبي أن المقترحات الجديدة تعني أن تحتوي القوانين الأوروبية على مجموعة شاملة من المعايير الدولية معروفة باسم اتفاقية بازل 3، وبالتالي يصبح الاتحاد الأوروبي أول منطقة في العالم تجرؤ على سن تدابير وضعتها لجنة بازل للرقابة المصرفية، التي أقرتها قمة قادة جي 20 في العام قبل الماضي، وعلى الرغم من أن اتفاقيات بازل تستهدف 120 بنكا ناشطا دوليا، فإن تشريعات الاتحاد الأوروبي تنطبق على جميع البنوك الأوروبية وعددها 8300، ومن المنتظر أن تنتهي المفاوضات بين البرلمان والمجلس الأوروبي حول التدابير الجديدة قبل نهاية يونيو (حزيران) القادم. ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين الأوروبيين في بروكسل فإن سؤالا يقول: «إلى أي حد يمكن إجبار المصارف على التزود بالمال الاحتياطي تجنبا لأية أزمة؟»، استلزم خمس عشرة ساعة من النقاشات في اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي الأخير. وإن الأبحاث تجددت لكن هذه المرة بعكس الماضية، بريطانيا أيدت قرارات الأكثرية، حيث إن وزراء مالية الاتحاد الأوروبي أجمعوا على التدابير الآيلة إلى تدعيم رسملة المصارف من أجل احتواء الأزمات وتفادي تعرض بلدان الاتحاد الأوروبي لخضات مالية في المستقبل. يقول المفوض الأوروبي لشؤون الأسواق الداخلية ميشال بارنييه: «وفود كثيرة نبهت إلى أن نتائج قرار بلد واحد فهو يؤثر على باقي البلدان»، ويضيف: «وإن زيادة رأس المال الوقائي في بعض المصارف يمكن أن يؤدي إلى تدني القروض الاقتصادية للشركات في البلدان المجاورة»، والرئاسة الدنماركية لمجلس وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي اقترحت النص الذي بواسطته تخلت بريطانيا عن تحفظاتها السابقة بالنسبة لتدعيم رسملة المصارف. اندرز بورغ وزير مالية السويد صرح قائلا: «إما أن تحتاط المصارف من فوائد أموال المدخرين وإما تلجأ إلى رأس المال الكبير وهو الأمر الأجدى».

رحبت المفوضية الأوروبية في بروكسل بالتدابير التي أعلنت عنها السلطات الإسبانية وتحقق المزيد من الإصلاح في القطاع المصرفي، وقال بيان صدر باسم أولي ريهن المفوض الأوروبي للشؤون النقدية والاقتصادية إن إصلاحا سريعا وعميقا للقطاع المصرفي هو حجر الزاوية لاستراتيجية الإصلاح الشامل، والاستجابة في التعامل لحل الأزمة. وأشار البيان إلى أن إصلاح القطاع المصرفي هو عنصر مكمل لا غنى عنه لتوطيد المالية، وتحديد الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تحقق النمو المستدام وخلق وظائف العمل، وأشار المسؤول الأوروبي في البيان إلى أن الأزمة الحالية في أوروبا هي نتيجة لمزيج شديد ومتشابك من هشاشة القطاع المصرفي وأزمة الديون السيادية، وهذا واضح بشكل خاص في إسبانيا.