«مادوف».. قضية مربحة للغاية بالنسبة للحارس القضائي

تدر عليه 850 دولارا في الساعة

ارفنغ بيكارد، الحارس القضائي لضحايا نصب برنارد مادوف (نيويورك تايمز)
TT

يوصف ارفنغ بيكارد، الحارس القضائي الذي عينته المحكمة للإشراف على استعادة الأموال التي استولى عليها برنارد مادوف عن طريق النصب، والتي تصل إلى عدة مليارات من الدولارات، بأنه روبن هود العصر الحديث، حيث يعكف منذ ما يقرب من 4 سنوات على محاولة إعادة الحقوق المنهوبة إلى من نصب عليهم مادوف، وبعضهم خسر كل ما ادخره طوال عمره.

إلا أن نظرة على التقارير الصادرة مؤخرا عن المحكمة تبين أن بيكارد قد نجح في جمع الأموال لنفسه ولعدد من مكاتب المحاماة والمستشارين القانونيين أكثر بكثير من نجاحه في إعادة أموال أي ضحية من ضحايا جريمة النصب التي ارتكبها مادوف. فقد أدرت جهود بيكارد عليه حتى الآن مبلغا خرافيا يصل إلى 554 مليون دولار، في صورة أتعاب قانونية ومصاريف أخرى. وماذا عن المبالغ التي حصل عليها ضحايا مادوف بالفعل من كل القضايا التي رفعها بيكارد والطلبات التي تقدم بها لصالحهم؟ إنها 330 مليون دولار فقط. وكم يقدر بيكارد أن يبلغ إجمالي أتعابه بحلول عام 2014؟ مجرد مليار دولار.

وبهذه الأتعاب التي تصل إلى 850 دولارا في الساعة، أصبح بيكارد هو ومكتب المحاماة الذي يملكه، وهو مكتب «بيكر آند هوستيتلر»، يبدون أشبه بأمراء «قانون التشغيل الكامل للمحامين» منهم بأبطال كتب الحكايات. فخلال السنوات القليلة الماضية رفع بيكارد ما يزيد على ألف دعوى قضائية للمطالبة باسترداد أكثر من 100 مليار دولار لصالح الضحايا، رغم اعترافه بأن العملاء لم يستثمروا فعليا سوى 17,3 مليار دولار (وتقدر قيمة عملية النصب برمتها بمبلغ 65 مليار دولار، لكنّ جزءا كبيرا من هذا المبلغ نتج عن الأرباح المختلقة التي سجلها مادوف).

وقد هتف معجبو بيكارد تحية له حينما اتهم المصارف والمؤسسات المالية الأخرى بمساعدة وتحريض مادوف، أو بتعمد التعامي عن الدلائل والشواهد التي كانت تثبت أنه يمارس عملية نصب. ولكن انظروا ماذا حدث للكثير من هذه الدعاوى القضائية: لقد رفض القضاة الغالبية العظمى من المطالبات، التي تصل قيمتها الإجمالية إلى بضعة وتسعين مليار دولار.

فقد رفض جيد راكوف، قاضي محكمة مانهاتن المحلية، دعوى الابتزاز التي رفعها بيكارد بقيمة 60 مليار دولار ضد مؤسسة «يوني كريديت» المصرفية في شهر فبراير (شباط) الماضي، واصفا بعض المطالبات التي تضمنتها القضية بأنها «تافهة وعادية للغاية». وفي قضية أخرى حكم القاضي راكوف ببطلان الدعوى ضد مصرف «إتش إس بي سي»، حيث سماها بالقضية «الملتفة»، وذكر أن بعض المرافعات التي قدمها بيكارد أصابته بالحيرة والبلبلة.

كما حكم قاضٍ آخر في إحدى المحاكم المحلية، وهو القاضي كولين مكماهون، برفض أكبر الدعاوى التي رفعها بيكارد مطالبا بتعويض 20 مليار دولار من مصرف «جي بي مورغان تشيس». وقال القاضي صراحة: «نظريات الحارس القضائي منهدمة من أساسها».

وبحسب تقرير صادر عن «مكتب المساءلة الحكومية» الأميركي، نقلا عن «مؤسسة حماية المستثمرين في الأوراق المالية»، التي يعمل بها بيكارد وكيل تفليسات، فمن المستبعد أن يتمكن من أن يعيد إلى عملاء مادوف مبلغ 17,3 مليار دولار الذي سبق أن قال إنه هدفه، ناهيك بمبلغ 100 مليار دولار كان يسعى لإعادته في الأصل. والواقع أنه سيكون محظوظا، بهذا المعدل الذي يسير به، إذا أعاد أكثر من نصف مبلغ 17,3 مليار دولار.

ولم تمكننا المتحدثة باسم بيكارد من الوصول إليه لإجراء مقابلة معه.

وإنصافا لبيكارد، فقد نجح في سعيه للحصول على أموال من «الرابحين النهائيين» - وهم المستثمرون الذين خرجوا بمبالغ أكبر من تلك التي بدأوا بها - حتى يمكنه أن يدفع مستحقات «الخاسرين النهائيين». ومن بين الرابحين النهائيين الذين توصل إلى تسويات معهم عائلة ويلبون، التي تسيطر على فريق كرة السلة «نيويورك ميتس».

وقد توصل الحارس القضائي حتى الآن إلى صفقات تسوية بقيمة تتجاوز 9 مليارات دولار، إلا أنه لم يسلم ضحايا مادوف سوى 330 مليون دولار، لأن كثيرا من تلك التسويات تم الطعن عليه في المحكمة. ومن غير الواضح ما إذا كان بعض هذه التسويات، التي وافق عليها قاضي تفليسة ولكنّ آخرين استأنفوا الحكم، سيمضي قدما أم لا. وفي بيان نشر على موقعه الإلكتروني، ذكر بيكارد أنه «واثق من أن الاستئنافات المقدمة ضد هذه التسويات سوف ترفض، تماما كما حدث بالفعل في عدة مناسبات».

وفي غضون ذلك تتراكم الأتعاب القانونية شيئا فشيئا، ورغم أن محكمة التفليسات قد وافقت على هذه الأتعاب، فقد أثار القاضي راكوف وغيره تساؤلات حول تزايد الأجر اليومي الذي يحصل عليه الحارس القضائي.

ففي تعليق لاذع للغاية أثناء إحدى جلسات المحاكمة العام الماضي، علق القاضي راكوف، لدى رؤيته فريقا من المحامين يدخلون قاعة المحكمة نيابة عن الحارس القضائي: «هل لي أن أسأل سؤالا وهو: إذا كانت أتعاب الحارس القضائي تأتي من الأموال التي كانت في ظروف مختلفة ستتاح لأغراض أخرى، فلماذا يوجد أربعة محامين من مكتب الحارس القضائي هنا في جلسة اليوم؟». وحينما أجاب رئيس الفريق بأنه قد يحتاج إلى التشاور مع زملائه أثناء مرافعته، عاجله القاضي راكوف برد ساخر: «إذا تبين أنك تقوم بمرافعتك دونما حاجة إلى التشاور معهم فلن تحصل أنت ولا مكتبك بالطبع على مصاريف حضورهم جلسة اليوم». ورد المحامي: «لا أستطيع أن أعد بذلك يا سيادة القاضي».

وقد ذكرت هيلين ديفيز شيتمان، محامية في مكتب «بيكر آند بولياكوف»، وهي خصم بيكارد، حيث وكلها بعض الرابحين النهائيين في جريمة مادوف، لصحيفة «نيويورك ديلي نيوز» مقولتها الشهيرة: «سيصبح بيكارد في نهاية المطاف أغنى من مادوف».

صحيح أن هذه قد تكون مبالغة، حيث لم يحصل بيكارد شخصيا سوى على 5,1 مليون دولار، طبقا لمستندات المحكمة، إلا أن رقم إجمالي الأتعاب يدير الرؤوس.

وهناك نبأ جيد، إلى حد ما على الأقل، وهو أن الأتعاب لا تقتطع من مستحقات ضحايا مادوف، بل تؤخذ من صندوق تشرف عليه «مؤسسة حماية المستثمرين في الأوراق المالية»، التي تقدم نوعا من الحماية للمستثمرين ضد الخسائر التي تنجم عن فشل أحد المتداولين في البورصة، وهي مؤسسة غير هادفة إلى الربح تعتمد على الرسوم التي يدفعها أعضاؤها من المتداولين في البورصة، وإن كانت تكلفة تلك الرسوم يتم في الغالب تحميلها بعد ذلك على العملاء.

ويقول الحارس القضائي، مشيرا إلى «قانون حماية المستثمرين في الأوراق المالية»، الذي نص على إنشاء المؤسسة ونظامها: «لا يستخدم بنس واحد من أموال العملاء المستردة في سداد أي من الأتعاب القانونية والنفقات التي يتكبدها الحارس القضائي بموجب قانون حماية المستثمرين في الأوراق المالية».

ودافعت المتحدثة باسم بيكارد عن العمل الذي يؤديه والأتعاب التي يحصل عليها، قائلة: «بالنظر إلى المشكلات القانونية والعملية شديدة التعقيد التي تواجه الحارس القضائي الذي يتم تعيينه في ظل قانون حماية المستثمرين في الأوراق المالية، فإن نجاحه لا يضاهيه نجاح أي وكيل آخر. وينبع ذلك النجاح من كون (مؤسسة حماية المستثمرين في الأوراق المالية) هي التي تتولى توفير الموارد المالية اللازمة للحارس القضائي المعين بموجب قانون حماية المستثمرين في الأوراق المالية من صندوق صناعة الأوراق المالية التابع لها، رغم الانتقادات الدائمة من بعض مكاتب المحاماة الكبرى في العالم التي تحظى بمساندة مطلقة من عملائها الأثرياء، مما سمح له باسترداد ما يربو على 7 ملايين دولار يوميا لصالح الضحايا منذ تعيينه حارسا قضائيا بموجب قانون حماية المستثمرين في الأوراق المالية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2008».

وهذا الرقم البالغ 7 ملايين دولار يوميا، بالمناسبة، يقوم على افتراض أن كل دولار يقوم بتحصيله سيدفع مباشرة إلى ضحايا مادوف، وهو أمر غير مرجح الحدوث.

ولم يطلب أحد من بيكارد أو فريقه القانوني أن يقوم بكل هذا العمل «لوجه الله والوطن»، ولكن بالنظر إلى كم الأموال المعرضة للخطر وضخامة الجريمة، فإن المرء يتمنى لو كان قد انتهج استراتيجية قانونية أكثر فعالية تعود بالأموال على الضحايا أكثر مما تعود به على المحامين.

*خدمة «نيويورك تايمز»