أسواق المال تضغط على إسبانيا.. والفائدة على سنداتها تقترب من «دائرة الإنقاذ»

رئيس «المركزي» يحذر من الفراغ السياسي في منطقة اليورو

مصرف بانكيا الإسباني «قنبلة مصرفية» لم تفكك بعد (رويترز)
TT

واصلت الأسواق المالية ضغوطها على السندات الإسبانية، أمس (الخميس)، ليظل سعر العائد على هذه السندات عند مستويات قياسية. وبلغ العائد على السندات الإسبانية لأجل 10 سنوات 6.7 في المائة. وذلك حسب وكالة الأنباء الألمانية.

واستقر هامش المخاطر، الذي يقيس الفارق بين العائد على السندات الإسبانية والسندات الألمانية القياسية، عند 539 نقطة أساس، وهو نفس مستواه عند الإغلاق يوم الأربعاء.

من ناحية أخرى، ارتفعت بورصة مدريد في الصباح، أمس، حيث زاد مؤشر «إيبكس 35» الرئيسي في البورصة بنسبة 0.5 في المائة، بعد نصف ساعة من بداية التعاملات. وتقول الحكومة الإسبانية إن سبب ارتفاع هامش المخاطر على سندات إسبانيا هو خوف الأسواق من احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو. ولكن المحللين يرجعون هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى أزمة مجموعة بنكيا المصرفية الإسبانية العملاقة التي تطالب الحكومة بمساعدات مالية بقيمة 19 مليار يورو (23.5 مليار دولار).

واقترحت المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء منح إسبانيا مزيدا من الوقت لخفض العجز في ميزانيتها إلى الحدود المسموح بها وفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي، ما دامت مدريد تواصل السير في طريق السيطرة على العجز. واقترح المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية، أولي رين، في بروكسل، إمهال مدريد حتى عام 2014 لخفض العجز في ميزانية البلاد إلى أقل من 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يزيد بمقدار عام عن المهلة الحالية.

وقال رين إن المفوضية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، «مستعدة» لتمديد المهلة لإسبانيا بمقدار عام واحد.

ورفض المسؤول الأوروبي استخدام كلمة «تساهل» في الإشارة إلى الموقف الجديد للمفوضية تجاه إسبانيا، وقال: «لا أقبل هذه الكلمة»، مضيفا أن قواعد عجز الميزانية في الاتحاد الأوروبي تسمح ببعض المرونة بالنسبة للدول التي تواجه ركود اقتصادي ما دامت هذه الدول لا تنفق بتهور. ولكن المفوضية اشترطت لذلك أن تلتزم مدريد بتنفيذ شروط محددة. كما يحتاج هذا الاقتراح إلى موافقة وزراء مالية منطقة اليورو التي تضم 17 دولة من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حتى يصبح نافذا. وكانت إسبانيا التي تعاني من ركود اقتصادي وأزمة بنكية تعهدت أمام شركائها الأوروبيين بخفض حجم ديونها الجديدة دون حاجز 3 في المائة، من إجمالي ناتج الدخل القومي، بحلول عام 2013.

وقال رين إنه يتعين على إسبانيا أن «تسيطر بصورة فاعلة على الإنفاق الزائد» في مناطق الحكم الذاتي بها مع التطبيق الكامل لتعهداتها بشأن خفض الميزانية خلال العام الحالي وتقديم مشروع مقبول لميزانية 2013 - 2014 بنهاية يوليو (تموز) المقبل.

وتأتي توصيات المفوض الأوروبي في الوقت الذي تتزايد فيه ضغوط أسواق المال العالمية على إسبانيا، حيث وصل سعر الفائدة على سندات الخزانة الإسبانية إلى مستويات قياسية في ظل تكهنات عن احتمال لجوء إسبانيا إلى طلب حزمة قروض إنقاذ دولية على غرار اليونان وآيرلندا والبرتغال.

وجاءت تصريحات رين في الوقت الذي كان يعرض فيه توصياته بشأن أفضل السبل أمام الدول الأعضاء المتعثرة ماليا في منطقة اليورو لكي تتعامل مع مشكلاتها المالية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه استخدم رين نبرة حادة في الحديث عن فرنسا التي تشير التوقعات إلى وصول عجز ميزانيتها العام المقبل إلى 4.2 في المائة في حين أن الحد الأقصى المسموح به أوروبيا هو 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

وقال رين إن خفض عجز الميزانية الفرنسية إلى 3 في المائة أمر «يمكن تماما تحقيقه».

ودعا المفوض الأوروبي الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا فرنسوا هولاند إلى تبني «إجراءات تقشف ملموسة».

ولم يصدر أي رد فعل رسمي من جانب فرنسا على تصريحات رين ولكن صحيفة «ليز ايكو» الفرنسية اليومية ذكرت أن تقرير المفوضية يعد بمثابة تحذير لهولاند قبل تنفيذ بعض الإجراءات التي تعهد بها، وتمثل تراجعا عن إجراءات التقشف، مثل إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور والتراجع عن إصلاح نظام التقاعد.

واعتبرت الصحيفة هذه الخطوات «لا تتماشى مع توصيات المفوضية الأوروبية». وأشاد رين بألمانيا وبلغاريا والمجر، حيث قال إن الدول الثلاث تجني ثمار التزامها بقواعد الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالسيطرة على الإنفاق. واقترح رفع اسمي بلغاريا وألمانيا من قائمة الدول الخاضعة لإجراءات مراقبة الإنفاق الزائد، وهي القائمة التي تستهدف إجبار الدول على خفض العجز في ميزانياتها إلى 3 في المائة كحد أقصى. كما اقترح السماح للمجر بالاستفادة من التمويل الأوروبي لمشاريع البنية الأساسية، الذي كان تم تجميده بالنسبة للمجر في وقت سابق.

في الوقت نفسه، يطالب مسؤولون أوروبيون دول الفائض المالي مثل ألمانيا بالعمل على إنعاش الإنفاق الاستهلاكي المحلي لديها بهدف مساعدة باقي الدول الأعضاء في منطقة اليورو. وقال رين إنه يمكن للدول صاحبة الفائض المالي المساهمة في إعادة التوازن إلى منطقة اليورو من خلال إلغاء القيود غير الضرورية التي تحد من الطلب المحلي.

من ناحيته، قال لازلو أندور، مفوض شؤون العمل بالاتحاد الأوروبي، إنه يتعين على ألمانيا السماح للأجور بالارتفاع بما يتناسب مع التحسن في الإنتاجية لأن الاقتصاد لن يواصل الازدهار إذا لم يكن لدى الناس القدرة على شراء السلع والخدمات من مقدميها.

وفي أعقاب تصريحات رين مباشرة، قال جوزيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية، إن الاتحاد الأوروبي لم يحقق بعد أهدافه وعليه أن يتحرك بصورة أكبر وأسرع لكي يعيد اقتصاده إلى حالته الطبيعية.

يأتي ذلك فيما يواجه الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو بشكل خاص ضغطا متواصلا بسبب التكهنات التي تحيط بالكثير من الدول الأعضاء في الأخيرة، خاصة اليونان وإسبانيا. واقترح باروسو ضرورة انتقال منطقة اليورو إلى مرحلة «الوحدة المصرفية»، من خلال إيجاد كيان واحد يتولى مراقبة القطاع المصرفي على مستوى دول المنطقة.

إلى ذلك، قال ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، أمس (الخميس)، إن زعماء أوروبا يجب أن يوضحوا رؤيتهم عن اليورو بسرعة، وإلا واجهوا كارثة، إذ إن البنك المركزي الأوروبي لا يمكنه سد فراغ السياسات.

وقال دراجي متحدثا عن الضغوط المتنامية من أجل اتخاذ إجراء يتعلق بالسياسات في قمة الاتحاد الأوروبي المقررة الشهر المقبل، إنه ينبغي للمنطقة أن تلجأ إلى عمل الكثير، وليس القليل، وإلى الابتعاد عن أسلوب الخطوات الصغيرة الذي فشل في تجاوز أزمة ديون منطقة اليورو على مدى عامين.

وقال دراجي للبرلمان الأوروبي: «هل يستطيع البنك المركزي الأوروبي ملء فراغ العمل الذي يتعين على الحكومات الوطنية القيام به فيما يتعلق بالنمو المالي.. الإجابة: لا». وأضاف: «هل يستطيع البنك المركزي الأوروبي ملء فراغ العمل الذي يتعين على الحكومات الوطنية فيما يتعلق بالمشكلات الهيكلية.. الإجابة: لا». ومع تركز أزمة الديون الآن على القطاع المصرفي المتداعي في إسبانيا قال دراجي إن اتحاد المصارف في المنطقة يحتاج لإشراف مركزي، ويتطلب طرح خطة إيداع أوروبية.

من ناحية أخرى، قال أولي رين مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون المالية والاقتصاد، إنه يجب دعم العملة الموحدة من خلال سياسات مالية مسؤولة وتنسيق أوثق بين دول منطقة اليورو لكي تنجو وتزدهر. وقال: «نحتاج لثقافة استقرار حقيقية وقدرة مشتركة أكثر تطورا لاحتواء العدوى المشتركة». وتابع: «هذا هو الحال على الأقل إذا كنا نريد تجنب تفكك منطقة اليورو ونريد لليورو النجاح». لكنه حذر من أن الدخول مباشرة في الحديث عن إصدار سندات يكتتب فيها بشكل مشترك بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو سيكون حديثا زائفا».