شركات تؤجل الاكتتاب بسبب فشل سهم «فيس بوك»

من بينها شركة «كاياك» وأخرى في هونغ كونغ

TT

خلال الأيام التي أعقبت تحول البداية التي طال انتظارها لتداول أسهم «فيس بوك» في البورصة الأسبوع الماضي إلى كابوس، ازدادت الأمور سوءا بعد أن أعادت الشركات التي كانت تنوي طرح أسهمها في البورصة النظر فيما هي مقبلة عليه. وذلك وفقا لتقرير مطول نشرته وكالة بلومبيرغ.

ففي واحدة من أحدث الانتكاسات، لم يرق لموقع «كاياك» - وهو موقع إلكتروني يقدم خدمات سفر تتمتع بخصومات - ما شاهده، فقام يوم الأربعاء الماضي بتأجيل الطرح العام الأولي لأسهمه، بحسب مصدر مطلع على الموضوع. وأشار ذلك المصدر إلى أن الشركة أرجأت في الوقت الراهن برنامج الترويج للسهم بين المستثمرين، الذي كان من المتوقع أن يبدأ قريبا. كما أعلنت شركة أخرى، وهي شركة «غراف دياموندز» للمجوهرات الراقية، إيقاف الطرح العام الأولي لأسهمها في هونغ كونغ، منوهة إلى «ظروف السوق المعاكسة» التي جعلت من الصعب اجتذاب مستثمرين محتملين.

ولا يمكن إلقاء اللوم في جميع المتاعب التي تواجه الطروح العامة الأولية حاليا على عاتق سهم «فيس بوك»، فهناك الهموم المتفاقمة التي تثقل كاهل الاقتصاد الأوروبي، كما أن المستثمرين أصبحوا يؤثرون السلامة، بدلا من المخاطرة بإصدار أسهم جديدة لشركات ليس لديها سجل سابق قوي بين الجماهير.

إلا أن فشل سهم «فيس بوك» في بث الثقة داخل نفوس المستثمرين ومسؤولي الشركات زاد السوق ضعفا فوق ضعفها، حيث لم يتم الإعلان عن طرح أي أسهم للاكتتاب العام منذ أن بدأ تداول السهم يوم 18 مايو (أيار). وحتى يوم الأربعاء الماضي، كانت هناك شركة واحدة فقط، هي شركة «لويالتي أليانس إنتربرايز»، تتهيأ لطرح أسهمها للاكتتاب العام في أي وقت في المستقبل القريب.

ويقول جيمس كرابفيل، محلل في شركة «مورننغ ستار للأبحاث»: «السوق معلقة حاليا»، مضيفا أن أسهم «فيس بوك» هبطت بنسبة تقترب من 26 في المائة منذ بدء تداولها، «مما ثبط همة المستثمرين تجاه الطروح العامة الأولية». ويعبر مسؤول مصرفي كبير متخصص في الطروح العامة الأولية عن الحال بصراحة أكبر، فيقول: «الوضع بشع للغاية هناك». وإذا استبعدنا سهم «فيس بوك» من البيانات الخاصة بالطروح العامة الأولية منذ بداية العام الحالي حتى الآن، فسوف نجد أن عام 2012 مؤهل لأن يصبح من أسوأ الأعوام منذ عام 2007، حيث قامت 73 شركة بطرح أسهمها للاكتتاب منذ بداية العام حتى الآن، وحققت عوائد تبلغ 29,1 مليار دولار، بحسب ما نشرته وكالة أنباء «تومسون رويترز». ويبلغ نصيب سهم «فيس بوك» وحده 16 مليار دولار من هذه العوائد، أي ما يزيد على نصف حصيلة الطروح العامة الأولية منذ بداية العام حتى الآن.

كما أن العديد من الشركات التي نجحت في طرح أسهمها في السوق خلال العام الحالي، مثل شركة إدارة الأسهم الخاصة «كارليل غروب»، سجلت أسعارا أقل من المستوى الذي كانت تتوقعه. وهناك شركات أخرى، مثل شركة «برايت سورس إينرجي» وشركة صناعة منتجات الألمونيوم «أليريس»، قامت بسحب أسهمها من الاكتتاب تماما.

ويعكس ضعف سوق الطروح الجديدة تراجع ثقة المستثمرين في الأسهم بشكل عام، إذ يشير الخبراء إلى أن الطروح العامة الأولية من بين الطروح المالية الأعلى مخاطرة التي يمكن للمرء أن يستثمر فيها، ذلك أن المشاركة في صفقة تعني المراهنة على فريق إدارة لم تتم تجربته وشركة ليس لديك دراية كافية بأدائها المالي.

ومن الطرق التقليدية لاجتذاب المستثمرين الجدد أن يتم تقديم خصم بسيط عند تحديد سعر الطروح الأولية. ولكن في ظل البلبلة التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، أصبحت المؤسسات التي تشتري الأسهم في هذه الصفقات تطلب المزيد والمزيد من الحماية ضد فشل الطروح العامة الأولية. وهذا يترجم في صورة تراجع في أسعارها، مما يحدث فجوة أصبح البائعون أقل استعدادا لسدها.

ويعلق مسؤول مصرفي كبير متخصص في الطروح العامة الأولية قائلا: «لمجرد أن الأسواق تعرضت لهزة لمدة شهر، لم تتخل الشركات البائعة عن رؤيتها بخصوص التقييم، لكن المؤكد أن الناس الموجودين في السوق الذين يشعرون بهذا كل يوم قد تراجعوا».

ورغم أن عددا من الشركات كانت قد تقدمت بطلبات لطرح أسهمها في البورصة - مثل سلسلة متاجر «مايكل ستورز» العملاقة لبيع الأعمال الفنية والحرفية، وشركة «فيندر للآلات الموسيقية»، وشركة «إنتل سات» التي تعمل في مجال البث الفضائي، وشركة «بلومنغ براندز» التي تمتلك سلسلة مطاعم «أوت باك ستيك هاوس» - فإن المصرفيين يرجحون أن ينتظر أصحاب هذه الشركات حتى تستقر الأسواق عن أن يخاطروا ببيع ممتلكاتهم بأقل من قيمتها.

ومن بين هؤلاء البائعين شركات إدارة أسهم خاصة كانت تأمل في بيع حصص أغلبية من الشركات التي تستثمر فيها، بهدف تحقيق أرباح في النهاية من استثماراتها التي تحتفظ بها منذ وقت طويل. ولكن ما لم تكن لدى هؤلاء البائعين حاجة ملحة للمضي قدما قريبا، فإنهم لن يخاطروا بتحقيق عوائد أقل من المتوقع عن طريق إجراء طروح عامة أولية بأسعار منخفضة. ويرجح صناع الصفقات هؤلاء أن تكون الطروح التي ستتم قريبا صفقات أصغر حجما وذات تقييم متحفظ.

ويقول كرابفيل من شركة «مورننغ ستار»: «سيكون صيفا مملا». وقد كان ينظر إلى طرح أسهم «فيس بوك» في البورصة، الذي أحاط به قدر من الضجة والشعبية ليس بالقليل، على أنه الشرارة التي ستحرك السوق، لكنه بدلا من ذلك أصبح يلوح في الأفق كمثال للرياح التي تأتي بما لا تشتهيه السفن، حيث اكتنفت بداية تداول السهم مشكلات حادة ومخاوف من جانب المستثمرين من أن يكون تقييمه السابق، البالغ 105 مليارات دولار، مبالغا فيه على غير أساس.

وقد هبط الطرح عن سعر عرضه في ثاني أيام التداول، وتراجع السهم كثيرا عن سعر الطرح العام الأولي البالغ 38 دولارا. وعاودت أسهم شبكة التواصل الاجتماعي التراجع يوم الأربعاء الماضي، لتغلق عند 28,19 دولار، بعد أن كانت قد تراجعت لفترة وجيزة إلى ما دون مستوى 28 دولارا. ولا تستطيع شركة «فيس بوك» وحدها الإجابة عن جميع المشكلات التي تواجهها الشركات التي تطرح أسهمها في البورصة. فقد كشفت شركة «كاياك»، على سبيل المثال، لأول مرة عن نيتها إجراء طرح عام أولي في عام 2010، ثم قامت حتى وقت قريب، وبالتحديد الخريف الماضي، بتجميد الموضوع بسبب تقلبات السوق. وقد تصادف أن يكون متعهد تغطية الاكتتاب الرئيسي للشركة هو نفس متعهد تغطية اكتتاب «فيس بوك» الرئيسي، وهو مصرف «مورغان ستانلي». وتأثرت الأسواق بأكملها نتيجة استمرار علامات الاستفهام التي تحيط بمدى قوة الاقتصادات الأوروبية، وتأثير ذلك على الولايات المتحدة، وما إذا كان سيتم إلغاء العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» أم لا. ويختم جاي ريتر، أستاذ التمويل في «جامعة فلوريدا»، قائلا: «لقد أثر الانخفاض الذي بلغ تريليون دولار في قيمة الأسهم الأميركية منذ بداية شهر مايو (أيار) على نشاط الطرح العام الأولي بدرجة أكبر من التأثير الذي أحدثه تراجع سهم فيس بوك. إن هبوط سهم فيس بوك من تقييم 104 مليارات دولار يمثل ظاهرة فريدة من نوعها».