أعمال المصارف اللبنانية في سوريا تراجعت 40%

الجهاز المصرفي اللبناني يؤكد التزامه العقوبات الدولية على سوريا وإيران

ما يعرف بحي البنوك في وسط العاصمة اللبنانية بيروت (رويترز)
TT

تلمس الإدارة السياسية والمالية اللبنانية زيادة مطردة في الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية من خلال وزارتي الخزانة والخارجية على المصارف والمؤسسات المالية في دول المنطقة، وبينها لبنان، بهدف التشدد في تطبيق العقوبات المفروضة على سوريا وإيران من جهة، وضمان الالتزام بتطبيق قانون الامتثال الضريبي الأميركي الجديد الذي يلاحق حاملي الجنسية الأميركية في كل المؤسسات المالية العالمية بهدف مكافحة التهرب من دفع الضرائب، من جهة أخرى.

وتؤكد السلطات المالية اللبنانية وجمعية المصارف تباعا تقيد الجهاز المصرفي بمضمون العقوبات كاملة، بما يشمل لوائح الأفراد والشركات. وهذا ما أدى إلى تراجع أعمال المصارف اللبنانية العاملة في سوريا إلى النصف تقريبا، وكذلك رساميلها نتيجة تراجع سعر صرف العملة السورية، ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصارف وليس تحقيق الأرباح، بينما بدأت التحضيرات لمواكبة التدابير الخاصة بالقانون الضريبي في موعد تنفيذه مطلع عام 2014.

ويؤكد المصرفيون أن لا مصلحة إطلاقا لمؤسساتهم في تمرير عمليات تقع تحت دائرة الشبهة والمساءلة الدولية. وهم حريصون على عدم المس بقوة القطاع المصرفي ومكانته وحفظ مقومات نموه المستدام وتواصله الإيجابي مع النظام المالي الدولي. وهذا ما تم إبلاغه صراحة إلى نائب وزير الخزانة الأميركي ديفيد كوهين ومساعد الوزير دانيال غلايزر اللذين قاما بزيارتين منفصلتين إلى بيروت في الأشهر الماضية.

وقد أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم وجود أي تفلت من جانب المصارف اللبنانية في التزام العقوبات المقرة والمعلنة ضد سوريا من قبل أميركا وأوروبا والجامعة العربية، كاشفا أن أعمال المصارف اللبنانية الخاصة في سوريا تراجعت بنحو 40 في المائة منذ بدء الأزمة، وأنها اضطرت إلى حجز مخصصات بنحو 300 مليون دولار لمقابلة تسليفات قد تتعرض للتعثر.

ولفت في معرض رده على سؤال، في مقابلة تلفزيونية، عن إمكانية شمول العقوبات لأفراد أو شركات سورية تساهم في المصارف اللبنانية، إلى أنه «لا يوجد أي شخصية سورية ملاحقة داخل مجالس الإدارة، ومعظم البنوك اللبنانية مملوكة من قبل عائلات، ولا مصلحة لها في أن تخالف أو تضر بهذا القطاع».

ويلفت رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه إلى أن المصارف اللبنانية العاملة في الخارج «تلتزم تطبيق معايير الصناعة المصرفية الدولية الموضوعة من مختلف المرجعيات والهيئات المعنية والمختصة، والأمر نفسه سينسحب على قانون الامتثال الضريبي لحسابات المواطنين الأميركيين خارج بلدهم (FATCA). فالمصارف اللبنانية ذات الانتشار الخارجي الواسع ستلتزم بمضمون هذا القانون، لكنها تنتظر إصدار الحكومة الأميركية النصوص التطبيقية النهائية وآلية التنفيذ في التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية عبر العالم».

وفي ما يخص الربط بين هذا القانون والسرية المصرفية، يقول: «لا بد من التذكير والتوضيح بأن السرية موجودة أصلا لحماية الزبائن وليس المصارف، ومن الطبيعي أن يكون الزبائن المعنيون بالضريبة حريصين على الامتثال لهذا القانون، ورفع السرية المصرفية لتمكين المصارف من التصريح للغير سيكون بقرار من الزبائن أنفسهم وبإرادتهم».

وأضاف: «وفي حال الضرورة يمكن استعمال الآلية التي تضمنها القانون رقم 318 الخاص بمكافحة غسل الأموال والأموال غير المشروعة والتعاميم المرتبطة به، أي إعطاء المعلومات من خلال هيئة التحقيق الخاصة. فالسرية المصرفية لم تكن يوما لحماية الأموال الناتجة عن النشاطات غير الشرعية، بل لحماية أموال مودعينا ومدخراتهم من التسلط والتعسف والمصادرة. السرية المصرفية هي عندنا جزء من مجموعة قيمنا الوطنية ومن حقوق الإنسان في بلداننا، وهي حاجز بوجه فساد السلطة واستبدادها».

وتابع: «يكفي التذكير في هذا المقام بأن مجموعة العمل الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (غافي) وضعت لائحة بأسماء 40 دولة تعاني بطريقة أو بأخرى من نواقص في تطبيق معايير المكافحة، ولبنان غير مدرج فيها. ما يعني أن مصارفنا تلتزم أصلا احترام القوانين والأنظمة المعمول بها في الدول التي لها فيها مصارف مراسلة».

من جهته لفت مدير الشؤون المالية والتخطيط الاستراتيجي لـ«مجموعة بنك عودة سرادار» الدكتور فريدي باز إلى وجود خمسة مصارف لبنانية لديها مصارف شقيقة في سوريا في ضوء وجود اتفاقات مساعدات تقنية وحضور قوي في مجالس الإدارة. وقال في مؤتمر «مصارف لبنان تحت اختبارات الضغط»، الذي نظمته في بيروت أمس مؤسسة «فرست بروتوكول»: «منذ اندلاع الحوادث الأمنية في سوريا اتخذت إدارات المصارف الخمسة قرارا قضى بخفض نسبة مخاطرها في سوريا، وترجم هذا القرار بعد خمسة عشر شهرا مما أدى إلى تراجع في قاعدة الودائع والمحفظة المالية في حدود 45 في المائة». وفند هذا التراجع على النحو الآتي: الأصول من 5,5 مليار دولار إلى 3,3 مليار، الودائع من 4,6 مليار دولار إلى 2,5 مليار دولار، والتسليفات من 2,25 مليار دولار إلى 1,2 مليار دولار.

ويقول مرجع مصرفي لـ«الشرق الأوسط »: «ما من منطق ولا من مصلحة بحتة يسمحان بحصول تهور أو انجرار وراء إغراءات سوقية طارئة يمكن أن تسبب ضررا لقطاع يحوز أصولا وخارجية تناهز 170 مليار دولار مقابل ناتج محلي يقارب 40 مليار دولار. مع الاعتزاز بخروج القطاع معافى من الأزمة المالية الدولية التي تفجرت منتصف عام 2008 بفعل ممارسات خارجة على القواعد الدولية للعمل المصرفي، وبفعل منتجات مركبة ومسمومة انطلقت تحديدا من الأسواق الأميركية مع تورط مؤسسات أميركية عملاقة كانت تحظى بأفضل التصنيفات من قبل الوكالات الدولية للتقييم الائتماني. كذلك فإن انتشار المصارف اللبنانية يشمل الدول العربية المجاورة ومناطق الخليج وأفريقيا وأوروبا وأميركا وأستراليا عبر أكثر من 90 كيانا (مصارف مستقلة، فروع تابعة، شركات تابعة، ومكاتب تمثيل) في 33 دولة حول العالم».

وكانت النتائج المالية الصادرة مؤخرا عن 7 مصارف سورية تابعة لمصارف لبنانية، منها 6 مصارف تملك فيها حصة الأغلبية وتتولى إدارتها التنفيذية، أن إجمالي أصول هذه المصارف السبعة بلغ 5,7 مليار دولار، في نهاية الفصل الأول من العام الحالي، بزيادة 5,6% عن نهاية 2011، بينما كانت النتائج السنوية أظهرت تراجعا إجماليا بلغت نسبته نحو 18 في المائة، مع ملاحظة تراجع أصول أكبر 3 مصارف بمتوسط 33 في المائة خلال عام 2011.

وسجل مجموع التسليفات ما يعادل 2,2 مليار دولار، بانخفاض نسبته 5,1% عن نهاية 2011. وبلغ مجموع ودائع العملاء 4,3 مليار دولار في نهاية مارس (آذار) ، أي بارتفاع نسبته 6,5% في الفصل الأول. وسجلت نسبة التسليفات إلى ودائع عملاء 50,5% في نهاية الفصل الأول، مقارنة بنسبة 56,7% في نهاية 2011.

ولحقت بالمصارف السبعة خسائر تبلغ نحو 30 مليون دولار في حال تحييد بند الأرباح الناجمة عن تقويم مراكز القطع البنيوي من 120,4 مليون ليرة سورية في الفصل الأول من 2011، إلى 4,7 مليار ليرة سورية في الفصل الأول من 2012، بينما سجلت الميزانية المجمعة أرباحا دفترية بلغت 48,6 مليون دولار، بزيادة نسبتها 364% عن الفترة عينها من العام الماضي.