هل سيؤثر الاقتصاد الضعيف على فرص إعادة انتخاب أوباما؟

تقرير وظائف جديد محبط.. وهامش تحرك ضيق

أوباما في إحدى جولاته (أ.ف.ب)
TT

أطل تقرير الوظائف المحبط يوم الجمعة برأسه على البيت الأبيض، شاخصا بصره إلى الرئيس أوباما للقيام بأمر حيال ذلك. بيد أن حلوله المقترحة أكدت فقط على مقدار خضوع الرئيس، الذي يقف على أعتاب الانتخابات، لرحمة لاعبين في أوروبا والصين، ناهيك عن الكونغرس الذي تتعارض مصالحه السياسية مع الرئيس.

وفي وقت يواصل فيه الرئيس الأميركي جولاته الأسبوعية في البلاد، حث أعضاء الكونغرس من الجمهوريين على المصادقة على قائمة أولوياته من تخفيضات ضريبة مؤقتة ومبادرات إنفاق للمساعدة في خلق الوظائف. سخر منه الجمهوريون فقط، وهو ما أتاح الفرصة لأوباما لإلقاء اللوم على خصومه وخصمه في السباق الرئاسي ميت رومني. لكنه بذلك، ينقل رسالة بالعجز لا يرغب زعيم أمة في نقلها - كل من ترشحوا للرئاسة قبل أربع سنوات تعهدوا بتجاوز خليج الحزبية الذي تتسم به واشنطن.

لم تسهم التطورات الخارجية أيضا. فقد شكا المسؤولون الأميركيون من قيام بكين بخفض عملتها مرة أخرى، لتسهم في خفض أسعار صادراتها، وفي المقابل رفع أسعار الصادرات الأميركية إلى الصين. وقد ضغط مسؤولون في الإدارة وأوباما نفسه على قادة في أوروبا لاتخاذ إجراء أكثر قوة لتعزيز النمو أو على الأقل احتواء التهديد بالعدوى المرضية هناك.

وقال أوباما في خطابه الأسبوعي يوم السبت، والذي سجل يوم الجمعة في مصنع هانويل إنترناشيونال بالقرب من مينابوليس، واستشهد بالمصاعب التي يواجهها الاقتصاد العالمي، لكنه اختص الكونغرس بالقدر الأكبر من اللوم.

وقال أوباما: «لا يمكننا السيطرة بشكل كامل على ما يحدث في الأجزاء الأخرى من العالم، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكننا السيطرة عليها في الداخل. وهناك الكثير من الخطوات التي يمكننا القيام بها الآن للمساعدة في توفير الوظائف ونمو هذا الاقتصاد».

وأشار أوباما دون ذكر الجمهوريين إلى أن الكونغرس لم يصادق على التدابير التي اقترحها لتوفير أعمال لعمال الإنشاءات في إعادة بناء الطرق والجسور والمدارج لمنح الشركات الصغيرة تخفيضات ضريبية لمزيد من استخدام الموظفين ومساعدة الولايات على تسديد رواتب المدرسين والإطفائيين وضباط الشرطة. وقد عوض التخلص المتواصل من وظائف القطاع العام على زيادة التوظيف في القطاع الخاص لأكثر من عقدين.

وأضاف أوباما: «لذا فإن رسالتي إلى الكونغرس: باشروا العمل». ويقول آلان أويرباخ، الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا: «حقيقة أنا لا أدري ما يمكن للرئيس أوباما أن يقوم به الآن عدا فرض خطة عمل مفصلة وتحدي الكونغرس في العمل بها».

وأضاف أويرباخ، الخبير في السياسات المالية: «لولا الأزمة، كما كان الحال في عام 2008، لما كان بمقدوره القيام بأي شيء لفرض تشريع ذي مغزى قبل الانتخابات».

بيد أنه في عام 2008، عندما كان النظام المالي على وشك الانهيار، رفض غالبية أعضاء الكونغرس من الجمهوريين خطة الإنقاذ التي عرضها الرئيس جورج بوش. والآن ورغم تدني درجاتهم في استطلاعات الرأي، فإنهم على وشك رفض الحوافز لمساعدة الرئيس الديمقراطي في رفع الاقتصاد.

من ناحية أخرى يقف فقر الدم المتواصل للاقتصاد في صف رومني الذي أكد على الحاجة إلى إدارة جديدة، ومطالب الجمهوريين لمد وتعميق التخفيضات الضريبة التي تم إقرارها في حقبة بوش للأثرياء الأميركيين بدلا من إنهائها، كما يرغب الرئيس أوباما والديمقراطيون. ويعتقد أنه إذا ما نجح رومني، فربما يساعدهم ذلك في الفوز في انتخابات الرئاسة ومجلس الشيوخ القادمة، في الوقت الذي سيؤدي فيه إعادة انتخاب أوباما إلى العكس.

ومن خلال تشجيع الجمهوريين، بدا تقرير يوم الجمعة بأن الاقتصاد لم يضف سوى 69,000 وظيفة في مايو (أيار) يحطم آمال البعض في البيت الأبيض لإعادة عام 1996. ففي صيف ذلك العام سعى الرئيس كلينتون إلى إعادة انتخابه في وقت كان الاقتصاد يشهد فيه تحسنا، وحينها قرر الجمهوريون في الكونغرس أن مرشح حزبهم الرئاسي الضعيف، السيناتور بوب دول، كان مقدرا له الفشل.

ولسوء حظ دول اضطروا إلى التوصل إلى تسوية مع الرئيس الديمقراطي لتحقيق إنجازات هامة وضمان نجاتهم بصورة شخصية.

وتقول جيني سبيرلنغ، كبير الاقتصاديين في البيت الأبيض: «ما من شك في أن الكونغرس تصرف بناء على اقتراحات الرئيس قبل تسعة أشهر لمنع تسريح المعلمين، وعودة عمال الإنشاءات إلى العمل وخفض ضرائب الشركات الصغيرة، وسيكون وضع وظائفنا اليوم أقوى وسيتدنى مستوى البطالة»، بحسب تحليلات قامت بها شركة اقتصاد كلي ومحللون ماليون غير حزبيين.

وعلى الرغم من سعى أوباما إلى إظهار الجمهوريين في صورة الأشرار فيما يتعلق بالاقتصاد، فإنه كان أكثر دبلوماسية في إلقاء اللوم على أوروبا. فاستشهد في كلمته يوم الجمعة في مينابوليس وشيكاغو بتأثير الأخطاء التي وقعت فيها قارة أوروبا على الاقتصاد الأميركي.

ومستشهدا بتقرير الوظائف، قال أوباما: «يعزى جانب كبير من ذلك إلى أوروبا وسحابة التشاؤم الآتية منها، والتي ضعف اقتصاد العالم بأسره جراءها».

وبينما جاءت البيانات الخاصة بالوظائف الأميركية كئيبة، ممثلة في ارتفاع معدل البطالة بنسبة عشر في المائة لتصل إلى 8.2 في المائة، كانت الأخبار الواردة من أوروبا أسوأ بكثير: فقد بلغ معدل البطالة في منطقة اليورو 11 في المائة، وهو أعلى معدل يصل له منذ بدء تتبعه في عام 1995. وقال تشارلز كالوميريس، أستاذ المالية والاقتصاد في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال: «لا يوجد في حقيقة الأمر أي شيء يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة».

وفي يوم الأربعاء، أجرى أوباما اتصالا عبر الفيديو كونفرانس مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، لمناقشة التطورات في أوروبا والتخطيط لاجتماع قمة مجموعة العشرين المقرر عقده هذا الشهر في المكسيك. من ناحية أخرى واصل وزير الخزانة، تيموثي غايتنر، في تبادل الاتصالات مع وزير المالية الألماني، وولفغانغ شويبله. ويوم الجمعة الماضي، عاد مساعد وزارة الخزانة للشؤون الدولية، لايل برينارد، من رحلة استمرت أسبوعا لإجراء مشاورات في أثينا وفرانكفورت ومدريد وباريس وبرلين.

«أوباما يؤكد على أن ما يحدث في أوروبا يثير مخاوف على مستوى العالم»، هذا ما قاله مايكل فرومان، مستشار البيت الأبيض للشؤون الاقتصادية الدولية. وأضاف: «نرغب في مد يد العون لهم، سواء بتقديم أفكار أو دروس من تجربتنا، للتعامل مع تلك الأزمات».

وعلى مدى أكثر من عامين، حث كل من أوباما وغايتنر أوروبا، بقيادة ألمانيا، على اتخاذ مزيد من الإجراءات من أجل إحياء أضعف اقتصادات المنطقة بدلا من التشجيع على إجراء تخفيضات في الميزانية، وهو الأمر الذي نتج عنه فقدان مزيد من الوظائف وتراجع القوة الشرائية للمستهلكين. ومع ذلك، فقد تم تحجيم تأثير النتائج في أفضل الأحوال.

لقد أظهرت ألمانيا قدرا من الاستعداد للإذعان. وقد أشار مسؤولون في برلين إلى احتمال قبولهم ارتفاع الأجور وارتفاع معدل التضخم إلى أعلى من المتوسط في منطقة اليورو. وفي الأسبوع الماضي، قال متحدث باسم وزارة المالية إن ألمانيا يمكن أن تصبح أكثر مرونة بشأن توقيت إجراء التخفيضات في الميزانية في إسبانيا - بعد اليونان، مصدر القلق الأكبر الآن.

لكن الألمان يحدوهم قلق شديد من احتمال أن يتسبب دعم تحويل مساعدات ضخمة للدول المتعثرة داخل منطقة اليورو في إحداث سابقة وكذلك التوقع السائد في دول أخرى بأن هذه الدول، أو مصارفها، سوف يتم إنقاذها ماليا عندما تقتضي الضرورة. ويرى الألمان أيضا أن إصدار ديون بالاشتراك مع الدول الأوروبية الأخرى، تعرف باسم سندات اليورو، والتي تدعمها الولايات المتحدة، سوف يتم إلغاؤها باعتبارها غير دستورية من قبل المحكمة العليا.

فضلا عن ذلك، فإنهم يرفضون أي نقد موجه من أوروبا بوصفه نوعا من محاولات التأثير السياسي على الناخبين في عام انتخابات رئاسية.

«الألمان لا يعتقدون أن الأميركيين لديهم أي شيء يمكنهم تقديمه الآن في إطار مساعدتنا في علاج أزمة اليورو»، قال توماس ريس، أستاذ السياسات الدولية بجامعة فري في برلين. وأضاف: «الجميع يعتقد أن الأمر يتعلق بإعادة انتخاب أوباما هنا، وهذا خطأ، لكنهم يعتقدون ذلك».

بعد أن صرحت الولايات المتحدة هذا الربيع بأنها لن تزيد من حجم مساهمتها في صندوق النقد الدولي، ضعف تأثيرها في أوروبا.

ومع ذلك، على حد قول فرانكلين ألين، الأستاذ بكلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا: «يبدو أن صندوق النقد الدولي لم يعد له التأثير المعتاد». ويضيف ألين: «يبدو أن برلين تتخذ كل القرارات في الوقت الراهن».

* ساهم في كتابة التقرير جاكي كالمس من واشنطن ونيكولاس كوليش من برلين.

* خدمة «نيويورك تايمز»