توقعات بتزايد صفقات الاندماج بين شركات الاتصالات الأوروبية

بسبب ضعف النمو وتراجع الإيرادات

TT

تتهيأ شركات الهاتف الجوال الأوروبية حاليا للدخول في مرحلة اندماج طال انتظارها، فمع تباطؤ معدلات النمو وتزايد الحاجة إلى خفض التكاليف وسداد الملايين من أجل إنشاء شبكات اتصالات جديدة ذات سرعة أكبر، بدأ المتنافسون القدامى في توحيد قواهم داخل الأسواق على مستوى القارة الأوروبية من أجل حصد المكاسب التي قد تعود بها عليهم اقتصاديات الحجم.

ويقول جون ديلاني، وهو محلل لندني يعمل لدى «المؤسسة الدولية للبيانات»: «سوف ترى ذلك وهو يحدث أكثر فأكثر. هناك عدد كبير جدا جدا من شركات الاتصالات. وهناك تراجع في الإيرادات من الخدمات الصوتية والنصية الأساسية، ولا تكفي الزيادة في إيرادات البيانات لتعويض ذلك الانخفاض».

ويتخذ صناع السياسات في أوروبا موقفا داعما، حيث صرحت نيلي كروس، مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الاتصالات، بأن الاندماج سوف يساعد صناعة الاتصالات داخل القارة العجوز في المحافظة على مكانتها التنافسية مع منافسيها في الولايات المتحدة وآسيا، اللتين سمحت عمليات الاندماج التي تمت فيهما بسرعة الانتقال إلى تطبيق تقنيات جديدة. وأضافت كروس: «إن وجود عدد قليل من شركات الاتصالات على المستوى الأوروبي تتمتع بالقوة في السوق الخارجية لن يكون بالضرورة مضرا بالمنافسة».

وتتجاوز مزايا الاندماج بين شركات الاتصالات زيادة قاعدة العملاء والإيرادات وتحسين تغطية شبكات الاتصال اللاسلكي، حيث ستتمكن الشركات أيضا من توفير الملايين أثناء بناء الجيل التالي من شبكات نقل البيانات اللاسلكية القائمة على تقنية الجيل الرابع المعروفة باسم «إل تي إي».

وفي بريطانيا، أعلنت شركة «فودافون» وشركة «O2 المملكة المتحدة»، وهي أحد فروع مجموعة الاتصالات الإسبانية «تيليفونيكا»، هذا الشهر، أنهما ستقيمان فيما بينهما مشروعا مشتركا لضم شبكتيهما فقط، وليس ضم الشركتين نفسيهما، بهدف توفير تكاليف التشغيل وتقليل نفقات بناء شبكة «إل تي إي».

وتأتي هذه الخطوة جزئيا كرد فعل لعملية الاندماج التي تمت في عام 2010 بين شركتي «أورانج» و«تي موبايل»، وهما فرعا مجموعتي الاتصالات «فرانس تيليكوم» و«دويتش تيليكوم» على التوالي في بريطانيا، لينشأ كيان جديد هو شركة «إيفري ثينغ إيفري وير»، التي أصبحت الآن أكبر شركات الهاتف الجوال في بريطانيا.

وربما يلحق الباقون بالركب قريبا، ففي ألمانيا، بدأت شركتا الهاتف الجوال رقم 3 ورقم 4 - وهما شركة «O2 ألمانيا»، وهي فرع مجموعة «تيليفونيكا» هناك، وشركة «إي بلس» المملوكة لعملاقة الاتصالات الهولندية «كيه بي إن» في دراسة خيارات اندماج أو بيع للشركات التابعة لهما، التي فشلت على مدار سنوات في تحقيق إنجازات ملموسة أمام منافسيها الأكبر منها، وهما شركتا «تي موبايل» و«فودافون». وما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه الاندماجات ستحدث التأثير المنشود منها أم لا.

وقد تأسست شركة «إيفري ثينغ إيفري وير» في أكثر أسواق الهاتف الجوال تنافسية في أوروبا، حيث تتضمن 5 شركات اتصالات. وكانت شركة «O2 المملكة المتحدة» قد استحوذت على الوحدتين التابعتين لشركتي «دويتش تيليكوم» و«فرانس تيليكوم»، لتقفز بذلك إلى قمة السوق البريطانية من خلال تقديم عروض اتصال ونقل بيانات متنوعة بخصومات كبيرة في رسوم الضرائب والرسائل، وأيضا من خلال الحصول على الحقوق الحصرية لبيع أجهزة «آي فون» في بريطانيا من عام 2007 حتى عام 2009.

وحينما تم الإعلان عن هذا التحالف في سبتمبر (أيلول) عام 2009. ظل المسؤولون من كلا الشركتين يتحدثون عن توقعات بتحقيق مستويات كفاءة تشغيلية تصل إلى 3.5 مليار جنيه إسترليني، أو 5.4 مليار دولار، بحلول عام 2014. ويرى نيل ميلسوم، الرئيس المالي لشركة «إيفري ثينغ إيفري وير»، أن الاندماج يسير في الاتجاه الصحيح نحو بلوغ الأرقام المستهدفة في خفض التكاليف، حيث قامت الشركتان بضم مقراتهما ومورديهما وخفض حجم المساحات الإدارية التي يشغلها مركز الشركة الرئيسي في لندن بنسبة 38%، كما قامت شركة «إيفري ثينغ إيفري وير» بتسريح 1800 موظف، أو 11% من إجمالي عدد العاملين بها، في عام 2011. وهي تخطط لخفض نفقاتها التشغيلية بمقدار 278 مليون جنيه إسترليني خلال العام الجاري. وفي الربيع الماضي، بدأت الشركة في تقليص عدد أبراج التقوية في شبكة الجيل الثالث التي تمتلكها في بريطانيا والتي يصل حجمها إلى 18 ألف برج.

ويقول ميلسوم إن الشركة تستثمر حاليا 1.5 مليون جنيه إسترليني يوميا في شبكتها، وهو ما يعني أنها ملتزمة بدفع نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني على مدار السنوات الثلاث القادمة، مضيفا: «لقد نجحت شركة (إيفري ثينغ إيفري وير) منذ تأسيسها داخل بيئة تنطوي على قدر كبير من المنافسة».

ورغم احتفاظ شركة «إيفري ثينغ إيفري وير» بالحصة الأكبر من السوق البريطانية، حيث بلغت 33.7% بنهاية عام 2011، فقد تراجعت حصتها من نحو 37% حين تم الإعلان عن الاندماج، بحسب «المؤسسة الدولية للبيانات»، بالإضافة إلى المتاعب المالية التي تعرضت لها الشركة، حيث سجلت خسائر بلغت 188 مليون جنيه إسترليني بنهاية عام 2011.

ويرى بعض المحللين أن من أسباب ذلك وجود صعوبة في تحديد اسمها التجاري، ففي وقت إتمام الاندماج، قام أطراف الصفقة باختيار الاسم «إيفري ثينغ إيفري وير» (وهو يعني بالعربية: كل شيء في كل مكان) ليكون اسما تجاريا شاملا للشركة، إلا أن شركتي «تي موبايل» و«أورانج» استمرا في بيع خدماتهما إلى العملاء باسميهما القديمين. وفي أواخر عام 2011، بدأت الشركة في افتتاح متاجر تحمل اسم «إيفري ثينغ إيفري وير» وتبيع خدمات كل من «أورانج» و«تي موبايل».

ويقول بيت كاننغهام، محلل لدى شركة «كاناليس» من مدينة ريدينغ بإنجلترا: «يعتبر ذلك أحد الجوانب التي تظل شركة (إيفري ثينغ إيفري وير) حائرة بشأنها. إنهم يستخدمون في عملهم الأسماء التجارية (تي موبايل) و(أورانج) و(إيفري ثينغ إيفري وير). هذا أمر غريب نوعا ما، كما لو كانوا غير قادرين على الاتفاق على استراتيجية معينة».

وهناك بعض الاضطرابات الداخلية كذلك، ففي شهر سبتمبر الماضي، قام أولاف سوانتي، رئيس عمليات «فرانس تيليكوم» في أوروبا، الذي كان قد اختير لمنصب الرئيس التنفيذي لشركة «إيفري ثينغ إيفري وير» في شهر يوليو (تموز) الماضي، بخفض عدد المسؤولين في الإدارة العليا من 26 إلى 10. وذكرت الشركة أن 6 من هؤلاء المسؤولين غادروا الشركة برغبتهم، بمن فيهم العضو المنتدب السابق لشركة «تي موبايل المملكة المتحدة»، ريتشارد موات، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لشركة «إيفري ثينغ إيفري وير». وأثناء العملية الانتقالية، ظلت الشركة تحسن من ربحيتها باطراد، رغم تراجع حصتها السوقية، من خلال التركيز على عملاء عقود الهواتف الذكية الأعلى سعرا. وشهدت الإيرادات من عروض نقل البيانات والرسائل ارتفاعا بنسبة 17% خلال الربع الأول من عام 2012، لتمثل 45% من متوسط إجمالي الإيرادات الشهرية من كل عميل من عملاء شركة «إيفري ثينغ إيفري وير»، في ارتفاع عن نسبة العام الماضي التي بلغت 37.5%.

غير أنه تظل هناك تحديات هائلة، إذ تخوض شركة «إيفري ثينغ إيفري وير» معركة شرسة مع شركتي «O2 المملكة المتحدة» و«فودافون» حول السماح لهما بإعادة تخصيص جزء من نطاق ترددات البث التي تمتلكهما من أجل إقامة شبكة «إل تي إي» من الجيل الرابع. وسوف تنظر الجهات التنظيمية البريطانية فيما إذا كانت شركة «إيفري ثينغ إيفري وير» بذلك ستسبب أضرارا لمنافسيها.

وقد صرحت هيئة الاتصالات البريطانية أنها تميل إلى الموافقة على طلب شركة «إيفري ثينغ إيفري وير»، إلا أنها لم تمنح الشركة حتى الآن تصريحا بإعادة تخصيص نطاق الترددات.

وفي الوقت الراهن، تقول شركتا «دويتش تيليكوم» و«فرانس تيليكوم» إنهما سعيدتان بما تحقق من تقدم في اتفاقية الشراكة بينهما.

وتعلق كلوديا نيمات، عضو مجلس إدارة شركة «دويتش تيليكوم» لعمليات أوروبا والشؤون التقنية، قائلة: «لقد وطدت شركة (إيفري ثينغ إيفري وير) مكانتها كقائد للسوق في بريطانيا، وحققت نجاحا وسط صناعة اتصالات تشهد تغيرات سريعة في ظل المناخ الاقتصادي العصيب الذي نشهده حاليا».

* خدمة «نيويورك تايمز»