هل حفظت أميركا درس الأزمة المالية فعلا؟

ضمانات الكونغرس المقترحة تثير غضب صناديق الاستثمار النقدية

TT

قالت الخبيرة المالية غريتشن مورغينسون إنها عندما كانت تشاهد جلسات الاستماع الخاصة بـ«اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأميركي» بشأن الإصلاحات المزمع إجراؤها في قطاع صناديق الاستثمار النقدية في الأسبوع الماضي، اعتقدت للحظة أنها وقعت في متاهة زمنية. فبينما كانت ماري شابيرو، رئيسة «لجنة الأوراق المالية والبورصات»، تقوم بشرح الاقتراحات التي تهدف إلى ضمان عدم تحمل دافعي الضرائب لنفقات خطة الإنقاذ المالي الخاصة بصناديق الاستثمار النقدية، كانت بعض الاستجوابات الحادة التي تلقتها تبدو مألوفة.

يقول باتريك تومي، وهو سيناتور جمهوري من ولاية بنسلفانيا، مشيرا إلى فشل أحد صناديق الاستثمار النقدية - «صندوق الاحتياطي» في عام 2008 - عقب سنوات من الأزمات المتتالية والهلع: «أعتقد من وجهة نظري أنك تشيرين إلى صناعة في غاية الضعف، صناعة تواجه مخاطر ضخمة تهددها بالانهيار، ولكنني في الحقيقة أرى أن هذا الأسلوب يعد استثنائيا في ضوء التاريخ الفعلي لمثل هذه الحالات. تحاولين إخبارنا بأن هذه الصناعة شديدة الضعف وأنها تواجه مخاطر هائلة للانهيار، وتحاولين استغلال هذا الأمر لتبرير تمرير مثل هذه القوانين التي أعتقد أنها تمثل تهديدا واضحا على وجود هذه الصناعة».

وأشارت الخبيرة إلى أنه وعلى نحو مفاجئ رجعت بذاكرتها إلى إحدى جلسات استماع «لجنة الخدمات المالية في الكونغرس»، التي جرت في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2003، بشأن بعض الجهود المشابهة لتفادي تقديم خطة إنقاذ مالي لـ«فاني ماي» و«فريدي ماك»، المؤسستين العملاقتين في مجال الرهن العقاري، اللتين أصبحتا تحت وصاية الدولة في الأعوام الخمسة القادمة. قال بارني فرانك، عضو الكونغرس الديمقراطي عن ولاية ماساتشوستس وقتها: «كلما بالغ الناس في الإشارة إلى وجود تهديد على الصحة والسلامة، اعتقد الناس في إمكانية تكبد الخزانة لخسائر اقتصادية هائلة، وهو الأمر الذي لا ترى الخبيرة أنها صواب. وتعتقد أن هذه الكيانات تبدو قوية للغاية من الناحية المالية وبإمكانها تحمل بعض السيناريوهات الكارثية».

وتؤكد الخبيرة أنها لا تقول إن صناعة صناديق الاستثمار النقدية تواجه نفس المصير الكارثي الذي واجهته مؤسستا «فاني ماي» و«فريدي ماك» في عام 2003، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى عدم نجاح محاولة حماية دافعي الضرائب ضد انهيار مؤسسات الرهن العقاري العملاقة، وهو ما يعود بشكل أساسي إلى قيام المدافعين عن هذه المؤسسات في الكونغرس بتقديم المساعدة لها.

وتقول الخبيرة إنه إذا وضع هذا الأمر في الاعتبار فسيكون من العار أن تواجه الجهود التي تبذلها «لجنة الأوراق المالية والبورصات» لتفادي حدوث انهيار في أحد صناديق الاستثمار النقدية - وما يتبع ذلك من انتشار العدوى في السوق والمساعدات الحكومية - نفس المصير السابق. وفي الحقيقة، عندما هبت الحكومة لدعم صناعة صناديق الاستثمار النقدية في خريف عام 2008، توسعت شبكة الأمان المالية الفيدرالية بشكل كبير للغاية. وتضيف: «لقد علمتنا التجارب أنه بمجرد تحرك الحكومة لتحقيق الاستقرار في صناعة ما، فإنه ينبغي علينا توقع قيام الحكومة بمثل هذه الخطوة مرة أخرى على الأرجح».

أشار تومي يوم الجمعة إلى أنه لا يعتقد أن المستثمرين ينظرون إلى صناديق الاستثمار النقدية على أنها مدعومة من الحكومة، بينما رفض الفكرة القائلة بأن دفاعه عن هذه الصناعة كان مماثلا للدعم الذي تلقته مؤسستا «فاني ماي» و«فريدي ماك»، مؤكدا أن الظروف التي أحاطت بهاتين الشركتين كانت مختلفة كل الاختلاف.

وأثارت شابيرو غضب صناعة صناديق الاستثمار النقدية، التي تتعرض لأزمة تصل قيمتها إلى 2.6 تريليون دولار، عندما قامت بتقديم الكثير من المقترحات التي من شأنها أن تكلف الصناعة الكثير من الأموال أو تجعل عروضها أقل جاذبية بالنسبة للمستثمرين، حيث يتمثل أحد تلك المقترحات في مطالبة الصناديق بأن تضع جانبا بعض الأموال لحمايتها من اندفاع المستثمرين نحو البيع، بينما يتمثل اقتراح آخر في مطالبة الصناديق بتقييم أسهمها اعتمادا على قيمة الموجودات المتداولة الصافية، التي تعكس بصورة أكثر دقة الأسعار المتغيرة للاستثمارات التي بحوزتها.

تعد كلتا الفكرتين بمثابة اللعنة على صناعة صناديق الاستثمار النقدية، التي اعتادت على نموذج أعمال منخفض الحساسية والنفقات. وعلاوة على ذلك، مَن الذي لا يحب وجود ضمانات حكومية ضمنية؟

وفي جلسة الاستماع زادت شابيرو من غضب الصناعة من خلال الكشف عن أنه منذ سبعينات القرن الماضي كانت هناك 300 حالة، حيث قام رعاة صناديق الاستثمار النقدية بالتدخل لتقديم المساعدة المالية لأحد الصناديق، مما يلقي ظلالا من الشك على ادعاءات الصناعة بأن صناديق الاستثمار النقدية نادرا ما تواجه صعوبات مالية. اتهم بول سكوت ستفينز، رئيس «معهد شركات الاستثمار»، المشرعين، من دون تسمية شابيرو، بالنظر إلى إصلاحات سوق المال «من خلال منظور عام 2008 الذي عفا عليه الزمن». وفي بعض الملاحظات التي أعدها لـ«اللجنة المصرفية»، كتب ستفينز: «إنهم يدرسون إجراء بعض التغييرات الهيكلية التي من شأنها تغيير الخصائص التي يقدرها المستثمرون بصورة كبيرة وتقليل المنافسة عن طريق إرغام رعاة الصناديق على الخروج من هذا المجال، حيث إنه من شأن هذه التغييرات تدمير صناديق الاستثمار النقدية، وهو الأمر الذي سيكبد المستثمرين والدولة والحكومات المحلية والاقتصاد خسارة باهظة». ولكن، هل فعلا منظور «لجنة الأوراق المالية والبورصات» قد عفا عليه الزمن؟ يعارض ديفيد شارفيستاين، وهو أستاذ التمويل والبنوك في كلية الأعمال بجامعة هارفارد، الذي أدلى بشهادته أيضا في جلسات الاستماع، هذه الفكرة. ففي مقابلة أجريت معه يوم الخميس أشار شارفيستاين إلى عملية سحب الأموال الكبيرة التي قامت بها المؤسسات الاستثمارية في صناديق الاستثمار النقدية في الشهر الماضي أثناء تصاعد وتيرة أزمة الديون الأوروبية، مضيفا: «لم يكن الذعر هو المحرك الرئيسي لهذه العمليات، ولكنها كانت عمليات سحب تمويل ضخمة قامت بها المؤسسات المالية».

يؤيد شارفيستاين مطالبة الصناديق بأن تحاول توفير بعض الأموال لحمايتها من اندفاع المستثمرين نحو البيع، حيث اقترح إنشاء صندوق احتياطي بقيمة 75 مليار دولار، وهو الرقم الذي لن يرحب به الكثيرون في هذه الصناعة. تتمثل أحد أهم المخاطر التي تواجه صناديق الاستثمار النقدية المؤسسية الضخمة في قدرة المساهمين على سحب أموالهم في أي وقت، مما يعرض المصارف الكبيرة التي تعتمد على صناديق الاستثمار النقدية لتمويل عملياتها لمخاطر جمة.

تسيطر هذه المؤسسات على سوق الأوراق المالية التي تشتريها صناديق الاستثمار النقدية. وفي الحقيقة، قد لم يلاحظ حاملو أسهم صناديق الاستثمار النقدية كيف أصبحت صناديقهم في الأعوام القليلة الماضية أكثر عرضة لمواجهة نفس مصير المؤسسات المالية، فمنذ 10 أو 15 عاما مضت كانت الشركات غير المالية تصدر أوراقا مالية تجارية أكثر بكثير مما تقوم به الآن. ونتيجة لهذا تعد البنوك الكبيرة، ومعظمها أوروبية، من أهم الجهات المصدرة للأوراق المالية، التي تعد الركيزة الرئيسية في سوق صناديق الاستثمار النقدية.

لاحظ شارفيستاين أنه اعتبارا من شهر مايو (أيار) تصدر «مصرف باركليز» لائحة كبار الجهات غير الحكومية المصدرة للأوراق المالية قصيرة الأجل، والتي تقوم صناديق الاستثمار النقدية بشرائها، يليه مصرف «دويتشه بنك». بلغت نسبة الأوراق المالية التي أصدرها كلا المصرفين 7.65 في المائة من قيمة أصول صناديق الاستثمار النقدية الرئيسية. خلت قائمة أكبر 50 جهة مصدرة للأوراق المالية في سوق المال من أسماء المؤسسات غير المالية، عدا شركتي «تويوتا» و«كوكاكولا».

يشير ستفينز إلى قيام صناديق الاستثمار المالية بالاستثمار في المؤسسات الموثوق بها فقط. وأصبحت صناديق الاستثمار النقدية من بين أهم العوامل المساعدة في مجال التمويل قصير الأجل، ولكنها أوقعت الكثير من المصارف في مشكلات كبيرة عندما قام المستثمرون بسحب أموالهم في عام 2008.

يضيف ستفينز: «تنصب حقيقة الأمر حول التوصل إلى الطريقة المثلى لتمويل المصارف العالمية الكبيرة، وهل صناديق الاستثمار النقدية هي الوسيلة الفضلى للقيام بذلك أم لا؟ فإذا كانت لديك وديعة على سيبل المثال فلا بد من وجود بعض رأس المال الذي يدعمها».

لا يزال هناك طريق صعب أمام شابيرو، حيث لا تزال تواجه بعض الرفض في داخل اللجنة ولم تحصل بعدُ على الموافقات اللازمة للمضي قدما في اقتراحاتها. من الصعب تخيل لماذا عدم رغبة بعض المفوضين الآخرين في السماح لأحد المقترحات بالمضي قدما حتى يتمكنوا من سماع رأي الجماهير حول هذا الموضوع.

قالت شابيرو يوم الجمعة: «تساءل الكثيرون في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية عن عدم قيام المشرعين بالتحذير من عواقب مثل هذه الأزمة. وعلى الرغم من تدارك الخبيرة وجود معارضة قوية من جانب الصناعة، فإنها تعتقد أنه ينبغي حماية دافعي الضرائب والمستثمرين في مواجهة إمكانية خسارة تلك الصناديق للأموال الموجودة فيها واحتمال أن يؤدي انهيار هذا الصندوق إلى زعزعة الاستقرار في النظام المالي بأكمله».