شركات الصرافة في الإمارات تمنع الإيرانيين من تحويل الأموال إلى الخارج

سوق سوداء تخترق الحظر رغم التشدد في التطبيق

TT

يعاني الإيرانيون المقيمون في الإمارات العربية المتحدة، من دون استثناء، من التأثيرات المباشرة للعقوبات الغربية على بلادهم، فبعد أن توقفت جميع شركات الصرافة الإماراتية والعاملة على أرض الإمارات عن التعامل بالعملة الإيرانية «الريال»، علمت «الشرق الأوسط» أن الإيرانيين المقيمين في الإمارات غير قادرين على تحويل الأموال، ليس إلى بلادهم فقط وإنما إلى كل أنحاء العالم، إلا من خلال خدمة واحدة وبمبالغ محدودة، وهي خدمة «ويسترن يونيون» التي لا تمتلك فروعا في إيران.

وأكدت مصادر مطلعة أن المركزي الإماراتي يتعامل بصرامة مع هذه القضية، في حين تقوم بعض الشركات بالالتفاف على الحظر وتحويل الأموال وفق آلية تعتمد على الثقة بين شركة الصرافة والطرف المحول من دون أن تمر بالنظام المالي الرسمي.

وفي مارس (آذار) الماضي، توقفت جميع شركات الصرافة الإماراتية والعاملة على أرض الإمارات عن التعامل بالعملة الإيرانية «الريال»، إن لم يكن بسبب العقوبات المفروضة على إيران ومصرفها المركزي فبسبب المخاطرة التي تكتنف التعامل بالريال الإيراني الذي يعاني من هبوط حاد بفعل العقوبات الغربية، ويضيق الخناق شيئا فشيئا على التجار والمقيمين الإيرانيين في الإمارات العربية المتحدة مع توقف جميع شركات الصرافة عن التعامل مع الريال الإيراني، سواء أكان هذا التعامل بيعا أم شراء أم تحويلا.

وقال مسؤول في إحدى شركات الصرافة الكبرى لـ«الشرق الأوسط»: «إذا تبين لنا بعد الاطلاع على البطاقة الشخصية لأي زبون أنه إيراني الجنسية فإننا نعتذر منه على الفور ونعلمه أنه لا يستطيع تحويل الأموال إلى أي دولة في العالم لأسباب قانونية». ويتابع المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه «معظم الإيرانيين المقيمين في الإمارات باتوا يعرفون هذه الإجراءات ولا يحاولون وضع أنفسهم في هذا الموقف المحرج»، لافتا إلى أن «هذا الإجراء يطبق منذ أشهر لكن شركات الصرافة بدأت تشدد بشكل واضح في تطبيقه». وترفض كبرى شركات الصرافة (الفردان، وول ستريت، رضا الأنصاري، الرستماني، الأنصاري)، وغيرها من الشركات التعامل بالريال الإيراني.

وقامت «الشرق الأوسط» بزيارة ميدانية لفروع عدة شركات صرافة كبرى للتأكد من إمكانية تحويل الأموال للإيرانيين المقيمين أو الزائرين إلى أي دولة في العالم عبر شركات الصرافة، إضافة إلى إمكانية تحويل مبلغ بالريال الإيراني، فكان الرد «لا تحويل.. لا بيع.. لا شراء»، إلا أن معظم شركات الصرافة تقدم خدمة «ويسترن يونيون» لتحويل الأموال السريع، ويمكن للإيرانيين استخدام هذه الخدمة لتحويل الأموال إلى أي دولة في العالم لكن تحويل الأموال عبر هذه الخدمة هو تحويل مشروط لا ينطبق على الإيرانيين فقط وإنما على كل الزبائن، فالحد الأقصى للحوالات 5 آلاف دولار أو ألفا يورو في الأسبوع الواحد، وللأفراد دون الشركات، بما يتماشى مع القوانين المالية في الدولة المستقبلة، ويبدو أن إتاحة الفرصة للإيرانيين للتحويل عبر هذه الشركة مرده وفق خبراء إلى أن الشركة الأميركية ترصد حركة الأموال «المرسل والمستقبل».

وبحسب خبراء فإن منع شركات الصرافة من تحويل الأموال عبر أشخاص إيرانيين إلى أي من دول العالم هو أن نظام الحوالات العالمي «السويفت» (swift) الأميركي يمنع الإيرانيين من تحويل الأموال إلى أي دولة في العالم، وهو ما يفعله نظام الحوالات الأوروبي (IPAN).

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن الحظر على حوالات الإيرانيين إلى كل أنحاء العالم يتم اختراقه عبر ما يمكن أن يسمى سوقا سوداء أعضاؤها شركات صرافة مغمورة عبر آلية تعتمد على نشوء علاقة ثقة بين صاحب الحوالة الإيراني الجنسية وشركة الصرافة على النحو الآتي: يقوم الزبون صاحب الجنسية الإيرانية بإعطاء شركة الصرافة المبلغ الذي يريد تحويله، وتقوم الشركة بدورها بإعطائه «وصل تسلم مبلغ» وليس «إشعار تحويل»، وتاليا تقوم الشركة بالاتصال بوكيلها الموثوق في إيران مثلا أو أي دولة يراد التحويل إليها وتعلمه أنها تسلمت المبلغ ومقداره كذا.. وتطلب منه تسليمه لـ«فلان»، لتتم العملية خارج النظام المالي العالمي.

ويذكر أن الإمارات تعد من بين الدول المتزايدة التي بدأت في تطبيق العقوبات المالية ضد إيران، بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في يونيو (حزيران) الماضي. ويعيش في الإمارات نحو 400 ألف إيراني بينهم نسبة كبيرة من التجار ورجال الأعمال الذين ينشطون في عدة مجالات، على رأسها التصدير والاستيراد.

وكانت الإمارات العربية المتحدة قد قطعت علاقاتها مع 17 بنكا إيرانيا تماشيا مع العقوبات الدولية، على اعتبار أن هذه البنوك تصنف على أنها ضمن القائمة السوداء في الولايات المتحدة الأميركية، منها «بنك صادرات إيران» و«بنك ملي إيران» اللذان يملكان فروعا لهما في دولة الإمارات.

ومنذ أواخر العام الماضي تم إلى حد كبير دفع إيران للخروج من النظام المصرفي العالمي من قبل الولايات المتحدة من خلال جولة جديدة من العقوبات التي تستهدف برنامجها النووي المثير للجدل، الأمر الذي جعل أي عملية تجارية مع إيران بالنسبة للبنوك في جميع أنحاء العالم محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك تمويل التجارة. وفي ديسمبر (كانون الأول) توقف بنك «نور» الإسلامي ومقره دبي عن توجيه المليارات من الدولارات من مبيعات النفط الإيراني من خلال حساباته إلى إيران.

وبناء على كل ما تقدم، يبدو الوضع صعبا ومزعجا للغاية للتجار الإيرانيين العاملين في دبي، والذين شهدوا على فترة الذروة في العلاقات التجارية بين البلدين، أما الآن فيشتكي تاجر إيراني بالقول «أسير تجارتي من دبي منذ ثلاثين عاما، لكنني اليوم أحتاج إلى أشهر لمجرد فتح حساب مصرفي في أحد البنوك الإماراتية»، ليس هذا فحسب «فالتأمين أيضا أصبح عقبة كبيرة، حيث إن الكثير من شركات التأمين تعزف عن توفير تغطية تأمينية للبضائع المتجهة من الإمارات إلى إيران، أو بشكل عام لا تغطي شركات التأمين حاليا أي عمليات شحن متجهة إلى الموانئ الإيرانية، بينما لا تقتصر المعاناة على التجار، فهي تمتد لتشمل الأفراد ممن يجدون صعوبة في تحويل الأموال إلى إيران».

وتعمل ثمانية آلاف شركة إيرانية في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات والمعدات المنزلية، وغيرها من المواد، ويرى مجلس الأعمال الإيراني في دبي أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه سيدفع شركات كثيرة للإقفال، كما أنه تسبب في إفلاس أكثر من 100 تاجر إيراني، وهو ما يتضح بشكل جلي من خلال استعراض الأرقام التي تشير إلى أن حجم التجارة بين الإمارات وإيران بلغ قبل ثلاث سنوات 12 مليار دولار، وخلال عام 2010 وصل إلى ما يقرب من 7 إلى 8 مليارات دولار، أي بانخفاض قدره 40 في المائة، ولا يزال الانخفاض مستمرا مع غياب أفق التوقعات بشأن ما ستؤول إليه الأمور.