البرتغال وإيطاليا على طريق خطط التقشف

قبرص تنتظر مساعدات مالية من روسيا والاتحاد الأوروبي

TT

أعلنت كل من البرتغال وإيطاليا المضي قدما على طريق خطط التقشف، فيما لجأت قبرص التي تتولى حاليا الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، إلى طلب قروض من روسيا، وكانت قد طلبت في الأسبوع الماضي مساعدة مالية أوروبية، بينما جرى الإعلان في برلين عن اجتماعات سرية أجرتها المستشارة أنجيلا ميركل مع شركائها في الائتلاف الحكومي، للتباحث حول مساعدة إسبانيا وقبرص.

ففي لشبونة، أكدت الحكومة البرتغالية أن عدم دستورية إجراءات استقطاعات الرواتب في القطاع الحكومي لن يمنعها من تطبيق إجراءات التقشف المقررة في خطة إنقاذها المالي، العام المقبل.

وذكرت وزارة المالية في بيان اهتمت به وسائل الإعلام الأوروبية أن الحكومة المحافظة البرتغالية أوضحت أنها «مصممة على تطبيق برنامج التقشف ودفع التوافق الوطني».

وأوضحت أن قرار المحكمة الدستورية الذي يرفض استقطاعات رواتب الموظفين وأصحاب المعاشات لاعتبارها تمييزية فيما يتعلق بالشركات الخاصة لن يؤثر على دورة عام 2012.

وأعرب رئيس الوزراء البرتغالي، بدرو باسوس كويليو، في فعاليات عامة، عن رغبته في اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان توازن الميزانية وتحقيق أهداف خفض العجز.

وتعهدت البرتغال مقابل الحصول على قرض دولي قيمته 78 مليار يورو، بإجراء خطة تقشف تنص على خفض عجز الموازنة حتى يصل إلى 4.6 في المائة في 2012، و3 في المائة في عام 2013. وتتضمن إجراءات التقشف إلغاء المدفوعات الإضافية للمسؤولين والعاملين وأصحاب المعاش الذين يحصلون على أكثر من ألف يورو شهريا، وزيادة يوم العمل نصف ساعة غير مدفوعة الأجر في القطاع الخاص.. وفي روما، قررت الحكومة الإيطالية بقيادة ماريو مونتي تبني إجراءات تقشفية جديدة تهدف إلى تقليص النفقات العامة بنحو 26 مليار يورو في السنوات الثلاث المقبلة. وهذه الإجراءات تشمل عددا من القطاعات من بينها قطاعات الصحة والتعليم العالي والبحوث والوظيفة العمومية. والأموال المتأتية من هذه الإجراءات، ستستخدم لإعادة إعمار منطقة ايميليا رومانيا التي ضربها زلزال مدمر في شهر مايو (أيار) الماضي.

وفي برلين، عقدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، اجتماعا سريا مع زعيمي الحزبين المشاركين معها في الائتلاف الحاكم، لبحث ملف المساعدات المالية لإسبانيا وقبرص، وفقا لما ذكرته السبت صحيفة «بيلد». وأوضحت الصحيفة التي لم تحدد مصادر أن الاجتماع بين ميركل وزعيم الاتحاد المسيحي الاجتماعي، هورست شوفير، ورئيس الحزب الليبرالي، فيليب روسيل، عقد في مقر المستشارية ببرلين واستمر قرابة الساعتين. ولم يتم الإعلان عن المقابلة رسميا، التي جاءت بعد أسبوع من جدل كبير شهدته ألمانيا على وقع الاتفاقات التي جرى اتخاذها خلال قمة المجلس الأوروبي الأخيرة التي عقدت قبل أسبوع في بروكسل.

وجاء ذلك بعد أن هوى اليورو بشكل كبير، عقب أن قرر المركزي الأوروبي تخفيض أسعار الفائدة بنسبة 0.25 في المائة لتصل إلى 0.75 في المائة، أي مستويات قياسية جديدة، وخلال مؤتمر صحافي نهاية الأسبوع الماضي أكد محافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي على وجود المخاطر التصاعدية التي تسيطر على المستويات العامة للأسعار خلال العام الحالي، مع المخاطر السلبية على النمو وسط تفاقم أزمة الديون وضعف أداء القطاعات الاقتصادية، حيث أصبحت النظرة المستقبلية لاقتصاد المنطقة غير مستقرة أبدا.

وأثارت إمكانية تقديم مساعدات للقطاع المصرفي الإسباني مباشرة وليس عن طريق الدولة جدلا واسعا في ألمانيا. وكان المتحدث باسم وزارة المالية الألمانية، مارتين كوثيوس، قد أكد أن الموارد التي ستوجه للنظام المالي الإسباني «ستذهب للدولة». وأبدت ألمانيا معارضة دائمة لتوجيه مساعدات مالية مباشرة إلى المصارف الإسبانية، مشيرة إلى أن صناديق الإنقاذ المالي لا يمكن إلا أن تقرض الدول، وليست المؤسسات الخاصة، وأنه يتعين أن تكون الدولة هي الضامنة للقروض. وبالتزامن مع ذلك، تطلب قبرص قرضا ماليا بقيمة 5 مليارات يورو من روسيا، في الوقت الذي بدأت فيه رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي.

وأكد رئيس قبرص، ديميتري كريستوفياس، أنه سيعمل مع الدول الأعضاء على إنقاذ منطقة اليورو من الفوضى المالية الكبيرة التي تتخبط فيها، ويذكر أن قبرص تعيش وضعا ماليا صعبا، حيث أصبحت عاجزة على تمويل نفسها في الأسواق الدولية للديون، مما دفع بوكالات التصنيف الرئيسية لتخفيض درجة تصنيفها، وتعتبر قبرص أن قرضا من موسكو سيمنح على الأرجح بشروط أفضل من تلك التي يقدمها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.

رئيس المفوضية الأوروبية دعا إلى العمل جنبا إلى جنب، وقال: «الوضع الراهن ليس خيارا، يجب العمل معا على الإصلاحات. أحد مفاتيح الرئاسة هو إحراز تقدم بشأن الاقتراح الذي تقدمت به اللجنة المصرفية في منطقة اليورو، مما يعني الإشراف على البنوك الأوروبية لحماية المدفوعات المصرفية للمواطنين وإدارة المصارف التي تواجه صعوبات تترتب عليها آثار لمواطنينا». وتأثرت قبرص، التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في 2004، واعتمدت اليورو في عام 2008 إلى حد كبير بالأزمة الاقتصادية والمالية في اليونان، شريكها الاقتصادي والثقافي الأساسي. ويقدر الخبراء حاجات قبرص، ثالث أصغر اقتصاد في منطقة اليورو، بنحو 10 مليارات يورو. وسوف تحتاج الحكومة إلى مليارين ونصف المليار يورو على الأقل لإعادة رسملة أكبر مصرفين على الجزيرة؛ مارفن بوبولار بنك والمصرف القبرصي.

وقبرص تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في نفس الوقت الذي تقدمت فيه الجزيرة بطلب مساعدة مالية من شركائها.. وقال المجلس الأوروبي ببروكسل إن وزراء المال والاقتصاد في منطقة اليورو سيجتمعون غدا (الاثنين) في بروكسل، على أن يتوسع الاجتماع بعد غد (الثلاثاء)، ليشمل كل وزراء الاتحاد الأوروبي، وسيبحث المجلس الوزاري في خطوات تنفيذ قرارات القمة الأوروبية الأخيرة، وجاء الإعلان عن ذلك بعد ساعات من مناقشات داخل البرلمان الأوروبي حول نتائج القمة، وشارك فيها كبار المسؤولين في التكتل الأوروبي الموحد.

وتعهدت المؤسسات الكبرى، في الاتحاد الأوروبي، بتحقيق التعاون الوثيق، وبأكبر قدر ممكن لمواجهة الأزمة التي تمر بها أوروبا في الوقت الحالي، وفي بيان مشترك عقب محادثات جمعت الرئاسة القبرصية الجديدة للاتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد، والبرلمان الأوروبي، أعلى مؤسسة تشريعية في التكتل الموحد، جرى التعهد أيضا بالعمل على تقديم موازنة طموحة للاتحاد الأوروبي على المدى البعيد. وجاء في البيان أن مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي، ومانويل باروسو، رئيس المفوضية، وكريستو فياس، ممثل الرئاسة القبرصية للمجلس الأوروبي، وعقب اجتماع جرى في ستراسبورغ، اتفقوا على الالتزام بالتعاون الوثيق مع احترام الاختصاصات والصلاحيات المنصوص عليها في المعاهدات، وسيتم، خلال الأشهر المقبلة، التنسيق المشترك بين المؤسسات الاتحادية لاتخاذ مزيد من الخطوات للتغلب على الأزمة الاقتصادية وتمكين الاتحاد الأوروبي من العودة إلى النمو الاقتصادي المستدام، وقال البيان: «هدفنا هو اعتماد الإطار المالي متعدد السنوات، ويتضمن استثمارات طموحة من أجل النمو وخلق فرص العمل بحلول نهاية العام»، جاء ذلك بينما وجه نواب البرلمان الأوروبي انتقادات حادة لفنلندا وهولندا على خلفية تراجعهما عن إجراءات التصدي للأزمة، التي تم الاتفاق عليها خلال القمة الأوروبية، الأسبوع الماضي، حيث تمت الإشارة إلى أن فنلندا وهولندا، الأكثر تشددا تقليديا حيال إجراءات التقشف في منطقة اليورو، ستعترضان سبيل آلية الاستقرار الأوروبي التي تمثل صندوق الإنقاذ الدائم لمنطقة اليورو في شراء سندات في الأسواق الثانوية.

وقال رئيس البرلمان، مارتن شولتز: «عدم تطبيق القرارات لا يبعث على الثقة في صفوف المستثمرين، وأكبر مشكلة تواجهها أوروبا أن القرارات التي تؤخذ لا تطبق، لأنه في اليوم التالي أو في الغد، بإمكان دولة فرض حق النقض وعرقلة الدول الأخرى. إنها المشكلة الكبرى التي تخلق وضعا لا يطمئن المستثمرين في أوروبا». وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد وافقوا، ضمن أمور أخرى تحت ضغوط من إيطاليا التي تتعرض لأزمة مالية، على إنشاء آلية شراء سندات لخفض تكاليف الاقتراض للدول التي تتعرض لضغوط من الأسواق، مع قيام البنك المركزي الأوروبي بدور الوكيل لصناديق إنقاذ منطقة اليورو.

وأضاف شولتز: «أعتقد أن القمة الأخيرة كسبت الوقت مرة أخرى، تماما مثلما حدث في 2011، عندما تم اتخاذ قرارات إيجابية، لكنها لم تساعد على حل الأزمة نهائيا، يجب الإسراع في وضع اتحاد اقتصادي، اتحاد مالي واتحاد سياسي».

ويرى البعض من المراقبين أن نفوذ رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو مونتي، ارتفع، بعد أن وافق الاتحاد الأوروبي على شراء سندات دين إيطالية وتقديم مساعدات لإيطاليا بشكل حزم إنقاذ.

يذكر أن مونتي يعتزم اعتماد تقشف عبر تخفيض عدد العمال بمعدل يتراوح بين 10 و20 في المائة، ووصفت علاقة مونتي بالنقابات بشهر العسل، إلى أن قرر اعتماد تسريحات وإجراءات تقشفية.

وكان دراغي خجولا في تصريحاته، حيث إن الأسواق كانت تتوقع ضخ مزيد من السيولة إلى حين الانتهاء من إعادة تمويل البنوك، ولكنه أشار إلى أن «المركزي الأوروبي» على استعداد للعمل إلى جانب صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، بينما كان متشائما بالنسبة للتطلعات المستقبلية لنمو الاقتصاد، متوقعا مزيدا من الضعف خلال الربع الثاني من هذا العام.