دراسة: هبوط قيمة الجنيه وزيادة الديون وتراجع الاحتياطي.. ثالوث مصاعب مرسي وحكومته القادمة

أوصت بزيادة رأسمال البنوك وطرح شركات حكومية بالبورصة للمصريين

TT

حددت دراسة اقتصادية حديثة المخاطر التي تواجه الرئيس المصري محمد مرسي والمشاكل التي قد تعوق أي خطوات تنفيذية من قبل الحكومة الجديدة المقرر الإعلان عن تشكيلها خلال الأيام المقبلة.

وترصد الدراسة، التي أعدها الخبير المصرفي أحمد آدم، أولى تلك المشاكل، وهي إهدار قيمة الجنيه المصري، مشيرة إلى أن المرحلة الانتقالية التي استمرت نحو عام ونصف العام أديرت بشكل سيئ جدا من قبل الحكومات الانتقالية التي تعاقبت على إدارة البلاد بدءا من حكومة شفيق مرورا بحكومة شرف وانتهاء بحكومة الجنزوري. واعتمدت هذه الحكومات في إنفاقها وبشكل رئيسي على طباعة الأموال، وقد بلغ ما تمت طباعته من نقدية خلال فترة ما بعد الثورة وحتى نهاية عام 2011 ما لا يقل عن 34 مليار جنيه، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير.

وتشير الدراسة إلى أن الاستمرار في هذا الأمر مع تضاؤل فرص إعادة أموال الفساد التي خرجت من البلاد خلال فترة ما قبل الثورة وبعدها، من شأنه أن يطيح بقيمة الجنيه المصري من خلال القفزات التي تحدث متتالية على أسعار السلع والخدمات والتي تضيق الخناق على المصريين بالطبقات الفقيرة والمتوسطة.

ويقول آدم في دراسته إن «هناك مشاكل أخرى محصلتها أيضا مزيد من إهدار قيمة الجنيه المصري، وهو ما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تغيير في مسمى عملتنا تماما مثلما أدى التضخم الجامح في إسرائيل لتغيير مسمى عملتها من الجنيه الإسرائيلي إلى الشيقل، وتم استبدال شيقل واحد بكل 10 جنيهات إسرائيلية، وهو أمر له مردود سيئ على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي».

وأضافت الدراسة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها أن من أكبر المشاكل التي تواجه مرسي وحكومته تضخم الدين المحلي الذي تصاعد بصورة كبيرة جدا بعد الأزمة المالية العالمية التي دشنت إعلاميا في أغسطس (آب) من عام 2008، بإعلان إفلاس بنك «ليمان براذرز». والواقع أن معدلات نمو الديون المحلية زادت وبشكل كبير في مصر بعد الأزمة العالمية مباشرة، وارتفعت من 4.5 في المائة نهاية العام المالي قبل الأزمة مباشرة إلى 14.7 في المائة نهاية العام المالي الذي شمل الأزمة، ثم زادت بعد ذلك لترتفع عن معدل 17 في المائة، ولم تنخفض حتى الآن عن هذا المستوى حتى إنها حاليا وطبقا لآخر إعلان للبنك المركزي قد بلغت 1.2 تريليون جنيه، وهو عبء كبير على الجيل الحالي وعلى الأجيال القادمة في ظل عدم وجود رؤية واضحة حتى الآن لكيفية سداد كل هذه الديون.

وأشارت الدراسة إلى أن الواقع يؤكد أن تضخم الدين المحلي يرتبط بمشكلة أخرى ستؤدي مع تضخم الدين المحلي إلى ذات المخاطر، وهي عدم وجود مصادر لتمويل عجز الموازنة. فقد اعتمدت آخر حكومات النظام السابق على الجهاز المصرفي المصري في تمويل عجز الموازنة وبخاصة بعد الأزمة المالية العالمية معتمدة على أن البنوك كانت بها فوائض مالية كبيرة تبحث عن فرص لتوظيفها، لأن البنوك في بداية القرن الحالي تعرضت لأزمة تعثر نتج عنها انخفاض شديد في معدلات نمو القروض الممنوحة للعملاء الذين كان أغلبهم إما متعثرين في سداد قروض حصلوا عليها من البنوك أو ضامنين لعملاء متعثرين، وفي المقابل ارتفعت معدلات نمو الودائع مما أسهم في تكوين هذه الفوائض.

وبدأت البنوك تتجه لاستثمار فوائضها في أدوات الدين المحلي قصيرة الأجل (أذون الخزانة) وطويلة الأجر (سندات الخزانة)، حتى بدأت السيولة تتناقص شيئا فشيئا حتى نضبت، والواقع أن الأمر كان يمكن أن يستمر لفترة طويلة (تمويل البنوك لعجز الموازنة بشرائها لأذون وسندات الخزانة) لولا الأخطاء الفادحة التي ارتكبها البنك المركزي في إدارته للسياسة النقدية واستمرار سعر الفائدة سالبا أمام معدلات التضخم لخمسة عوام متتالية، وهو ما أدى لتآكل ودائع العملاء، فانخفضت معدلات نموها لأدنى درجاتها.. في المقابل زادت معدلات نمو الديون المحلية لأقصاها فأدى ذلك لنضوب السيولة.

وأشار آدم إلى مشكلة أخرى أساسية في وضعية الاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة وهي انهيار الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية. فقد أعلن البنك المركزي أن الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية قد ازدادت في نهاية يونيو (حزيران) الماضي بواقع 18 مليون دولار، وبالتالي فما زالت الاحتياطيات تقف عند الرقم 15.5 مليار دولار، ولعل ثباتها النسبي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة يأتي بسبب حزمة المساعدات التي قدمتها المملكة السعودية الشقيقة والتي تزيد على 2.2 مليار دولار، هذا بخلاف قروض من صناديق عربية تبلغ نحو ملياري دولار، بخلاف ما تم تحويله من دولة العراق عن قيمة الحوالات الصفراء للمصريين الذين عملوا بالعراق وقدر هذا التحويل بنحو 0.4 مليار دولار، بخلاف تقييم الذهب والذي من المؤكد أنه ازداد عن يونيو من العام الماضي، إلا أن بيانات المركزي لم تعلن عن مقدار الزيادة بعد. أي أن ثبات الاحتياطيات كان السبب في سعي مصر للحصول على مساعدات وقروض وليس بسبب استراتيجية أو حل أدى لهذا الثبات النسبي.

وترى الدراسة أن الاحتياطيات ما زالت لا تكفي سوى لثلاثة أشهر واردات سلعية من سلع ضرورية ومستلزمات إنتاج، وتلاشيها يعني وقوع البلاد في أزمة غير مسبوقة قد تتوقف فيها المصانع.

وأوصت دراسة آدم بمجموعة من الخطوات لتفادي المخاطر التي تحيط بالرئيس وحكومته، أهمها تطهير كل مؤسسات القطاع المالي (بنوك - بورصة - وزارة مالية) من كل من تعاملوا مع النظام السابق، مع منع الاستثمارات قصيرة الأجل من الدخول للاستثمار بأدوات الدين المحلي قصيرة الأجل، وكذلك بالبورصة المصرية، لحين تحسن أوضاع النقد الأجنبي وعلاج العجز بميزان المدفوعات والتدهور المستمر في الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية.

وطالبت الدراسة باتخاذ كل التدابير لتدعيم المصريين العاملين بالخارج والذين باتت تحويلاتهم لمصر هي ثاني أكبر مواردها من العملات الأجنبية بعد حصيلة الصادرات، وبحث إنشاء قطاع خاص بالهجرة في وزارة القوى العاملة، وهو ما طالب به العديد من الباحثين لدراسة أوضاع العاملين بالخارج والتخلص من المشكلات التي يعانون منها.

وقالت الدراسة إن زيادة الحد الأدنى لرؤوس أموال البنوك المصرية لـ3 مليارات جنيه من شأنها ضخ ما يزيد على 67 مليار جنيه في شرايين الجهاز المصرفي وبالتبعية في الاقتصاد المصري، مع تعديل قانون البنوك بما يسمح للبنوك الإسلامية بالعمل بحرية تامة. كما تقترح الدراسة إنشاء صندوق سيادي بالعملة المحلية تكون موارده من خلال طرح حصص في بنوك وشركات تابعة للحكومة بالبورصة المصرية، مشيرة إلى أن بيع جزء من أسهم شركات حكومية مثل «آموك» و«سيدي كرير» و«المصرية للاتصالات» والتي كانت فقط لمصريين استطاعت أن تنعش قطاعا عريضا من المواطنين وتضيف فئات جديدة للبورصة، إلا أن النظام البائد أبى أن يستفيد المواطن الكادح ويحقق عوائد فأوقف هذه الطروحات على الرغم من إيجابياتها المتعددة.

وترى الدراسة أنه يجب أن تكون هذه الطروحات فقط للمصريين والأفراد دون الشخصيات الاعتبارية، مع ضرورة أن يكون هدف هذا الصندوق البدء في تحقيق عوائد لهذه الموارد يسدد بها الدين المحلي، مع البدء أولا في سداد أموال صندوقي التأمينات العام والخاص.