مصرفيون يدرسون كيفية معالجة خلل سعر الإقراض بين البنوك

في أعقاب فضيحة مؤشر الفائدة بينها

وول ستريت.. من فضيحة إلى أخرى
TT

بات من الشائع في القطاع المصرفي أن تعتمد أسعار الفائدة لكثير من الرهونات العقارية والقروض على مؤشر يستند بدرجة كبيرة إلى تخمينات.

لقد كشفت الفضيحة المصرفية الأخيرة عن أوجه الخلل في عملية تحديد سعر الفائدة، التي تستخدم لتسعير منتجات مالية تقدر بتريليونات الدولارات. وتجري الجهات التنظيمية حول العالم تحقيقات للوقوف على ما إذا كانت البنوك الكبرى قد تلاعبت في أسعار الفائدة لمنفعتها الخاصة قبل وبعد الأزمة المالية. ولكن حتى إذا لم تقم البنوك بالتلاعب في أسعار الفائدة عن عمد، يظل المؤشر معرضا للتلاعب. وتشتق البنوك أسعار الفائدة من تقديرات لا من بيانات سوق حقيقية. ومن ثم، فإن المؤشر، الذي يعتبر مقياسا للمبلغ الذي تتقاضاه البنوك بعضها من بعض مقابل القروض، لا يعكس بالضرورة تكاليف الاقتراض الحقيقية. ولم يتفاقم موطن الخلل هذا إلا في السنوات الأخيرة، مع توقف البنوك عن منح بعضها قروضا لبعض.

أخبر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، الكونغرس هذا الأسبوع بأنه ليست لديه «ثقة كاملة» في العملية، واصفا إياها بأنها «معيبة هيكليا».

تركز المشكلات على مؤشر رئيسي يعرف باسم «مؤشر سعر الفائدة على القروض بين البنوك في لندن» (ليبور). ويستخدم هذا المؤشر وأشكاله المختلفة في تحديد أسعار الرهونات العقارية والقروض الأخرى، ويلعب دورا حاسما في سوق العقود المالية التي تقدر بتريليونات الدولارات، التي تعرف باسم المشتقات.

تحدد مؤشرات «ليبور» في لندن كل يوم عمل في نحو الساعة 11 صباحا، وهي عملية تشرف عليها جمعية المصرفيين البريطانية. وفي ذلك الوقت، تحدد مجموعة من البنوك الكبرى سعر الفائدة الذي ستدفعه للاقتراض من مؤسسات أخرى خلال فترات مختلفة وبعملات مختلفة. وبعد إزالة القيم الخارجة، يتم تقريب الأرقام المتبقية لإنتاج أسعار الفائدة الكثيرة. وفي يوم الخميس، ثبت مؤشر «ليبور» الذي مدته 3 أشهر، بالدولارات الأميركية، عند نسبة 0.4531 في المائة.

غير أن الأسعار المحددة ليس لها أساس كبير في الواقع. ومنذ وقوع الأزمة، كان كثير من البنوك سعيدا بإيداع أمواله لدى بنوك مركزية، بدلا من إقراضها إلى مؤسسات أخرى. وهذا يعني أن ثمة عددا محدودا من الصفقات بين البنوك التي تستند إليها مؤشرات «ليبور» الخاصة بهذه البنوك، بحسب مصرفيين يعملون في هذه السوق.

قال بيتر هان، أستاذ المالية في كلية كاس لإدارة الأعمال في لندن: «كان مؤشر (ليبور) يستهدف سوق الإقراض الدولية التي زالت منذ فترة طويلة. لقد اندثر مفهوم الإقراض بين البنوك برمته بعد انهيار (ليمان براذرز)». والآن، يتساءل كل من الجهات التنظيمية والمستثمرين عما إذا كان المؤشر يجب أن يلعب دورا في تحديد تكاليف الاقتراض. وسيلتقي محافظو البنوك المركزية البارزون في سبتمبر (أيلول) لمناقشة الإصلاحات المحتملة. يقول ألكسندر أرابوغلو، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة نورث كارولينا: «لماذا نستمر في استخدام شيء نعلم أن به مساحة هائلة للتذبذب؟»، ويضيف: «إنها مجرد آراء قد يختلف الناس معها أو يتلاعبون بها». وكان من المفترض أن يعالج المؤشر مشكلة بالنسبة للمصرفيين. وعلى مدار سنوات، ساومت المؤسسات على أسعار الفائدة التي يتم تحديدها لأنواع مختلفة من القروض. ولإحداث اتساق، وضعت جمعية المصرفيين البريطانيين مؤشر «ليبور». وفي ذلك الوقت، عملت سوق القروض بين البنوك بشكل جيد نسبيا.

ومع نمو القطاع المالي خلال العقدين الماضيين، زادت أهمية مؤشر «ليبور». وتغطي أسعار الفائدة في الوقت الراهن 10 عملات مختلفة، وتدعم منتجات مالية في مختلف أنحاء العالم تزيد قيمتها على 360 تريليون دولار. ومع هذا، تظل العملية غير منظمة، مع تولي جمعية المصرفيين جزءا كبيرا من مهمة الإشراف. واستجابة لمخاوف إبان الأزمة، أجرت الجمعية مراجعة للمؤشر وأدخلت عليه تغييرات في نهاية عام 2008. ورفض متحدث باسم الجمعية التعليق.

وعقب موافقة بنك «باركليز» على دفع مبلغ قيمته 450 مليون دولار لتسوية قضية تلاعب في سعر الفائدة مع السلطات في يونيو (حزيران) ، بدأت المنظمة التجارية التحقيق في قضية التلاعب في مؤشر «ليبور». كذلك، تنظر جمعية المصرفيين البريطانيين في سبل لتحسين العملية، مع محافظي البنوك المركزية وسلطات أخرى.

غير أنه من الصعوبة بمكان تحسين مؤشر «ليبور» ما لم تكن هناك سوق قوية. إن الصناعة لا تتعقب إجمالي حجم القروض بين البنوك. يظهر مقياس، نشره مجلس الاحتياط الفيدرالي، أن الإقراض قد انخفض إلى مستويات لم يشهدها منذ سبعينات القرن العشرين، مع أن الأرقام لا تشير إلى السوق بأكملها.

ويشير المصرفيون إلى أن مثل هذه القروض قد اختفت تماما. وفي بيئة العمل الحالية، سوف تقرض المؤسسات المالية أموالا لبعضها البعض لفترة قصيرة فقط، لنقل شهرا أو أقل. وهذا يعني أن البنوك تجري تقديرات لمؤشرات رئيسية مثل مؤشر «ليبور» لفترة 3 أشهر ومؤشر «ليبور» لفترة عام. وتعتبر فترتا الاقتراض حيويتين، فعدد هائل من المشتقات يستند إلى مؤشر «ليبور» لـ3 أشهر، غير أن أسعار الفائدة على الرهونات العقارية التي تكون أسعار الفائدة عليها قابلة للتعديل تعتمد على مؤشر «ليبور» لعام واحد.

يقول داريل بايبل، المدير المالي لبنك «بي بي آند تي»، الكائن في وينستون سالم بنورث كارولينا: «نحن فقط لا نقترض بهذا الكم في السوق الآن».

منذ أن توقف الإقراض بين البنوك، أصبحت المؤسسات تتطلع إلى أنواع أخرى من الاقتراض لتتماشى مع مؤشرات «ليبور»، بما في ذلك شهادات الإيداع والقروض من صناديق سوق المال. غير أن هذا يعتبر علما غير محدد يمكن أن يشوه سوق مؤشر «ليبور».

على سبيل المثال، عادة ما تقدم البنوك المعدلات نفسها عدة أيام في صف، على الرغم من الظروف الاقتصادية وظروف السوق المتغيرة. وفي يونيو، أعلن بنك «جي بي مورغان تشيس» عن مؤشر «ليبور» نفسه لعام واحد كل يوم، بحسب بيانات من «تومسون رويترز»، المسؤولة عن جمع المعلومات الخاصة بالمؤشر. سعر فائدة البنك: 1 في المائة.

بالمقارنة، قام بنك «يو بي إس» بتقريب الرقم إلى 3 أرقام عشرية وغير أسعار الفائدة الخاصة به بشكل منتظم. وفي مطلع يونيو، سجل البنك السويسري سعر فائدة للعام قيمته 1.037 في المائة. وقد هبط إلى نسبة 0.972 في المائة نهاية الشهر. ولم يستجب أي بنك لطلب التعليق.

ربما تكون هناك أيضا أوجه تباين هائلة بين مؤشرات مماثلة، التي ربما تعكس الطبيعة المصطنعة للعملية. ومع ثبات آخر مؤشر «ليبور» لـ3 أشهر عند 0.4531 في المائة، فإن سعر الفائدة المناظر على قروض ما بين البنوك الأوروبية بالدولار الأميركي وصل إلى نسبة 0.91643 في المائة. وخلال فترات الاضطراب، تصبح العملية أكثر غموضا. يشير بعض المتعاملين إلى أن البنوك في فترات الضغط تعلن عن أسعار فائدة يستحيل تحقيقها.

حينما اندلعت أزمة الدين الأوروبية هذا الصيف، بات ينظر إلى البنوك الفرنسية على أنها معرضة للخطر، مما يعني أنها قد تواجه صعوبة في الاقتراض بأسعار فائدة معقولة. غير أن بنوك الدولة استمرت في الإعلان عن أسعار الفائدة على القروض ما بين البنوك في لندن، وظلت ثابتة بدرجة كبيرة.

«حينما شهدت البنوك الفرنسية هبوط سعر أسهمها إلى نسبة 10 في المائة يوميا، هل كان بإمكانها الاقتراض وفقا لمؤشر (ليبور)؟ لا توجد فرصة»، هذا ما قاله مسؤول رفيع المستوى في شركة ضخمة في «وول ستريت»، الذي تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته بسبب استمرار التحقيقات.

من بعض الوجوه، فإن عيوب مؤشر «ليبور» تجعله أداة مريحة بالنسبة لـ«وول ستريت». وإذا ما تعين على البنوك الرجوع بشكل حذر إلى سوق حقيقية، متقلبة في بعض الأحيان، قد تجد أن من الأصعب تحديد أسعار الفائدة بشكل منتظم.

إن السماح للبنوك بإرسال تقديرات تخمينية يجعل من السهل نسبيا الوصول إلى رقم يومي. تتلاءم تلك الممارسات مع أسواق المشتقات الضخمة، التي تحتاج لسعر فائدة يومي لتسعير منتجات مثل مبادلات سعر الفائدة.

«من الصحيح أن منهجية مؤشر (ليبور) الحالية ملائمة جدا لقطاع المشتقات»، هذا ما قاله داريل دافي، أستاذ التمويل في ستانفورد. وأضاف: «لا يجب أن تتفوق الملاءمة على الدقة».

مع كشف النقاب عن فضيحة مؤشر «ليبور»، تصارع الصناعة من أجل إصلاح العملية. ويتمثل أحد المقترحات في اختيار المستندات بشكل عشوائي لدى تحديد سعر الفائدة العام، مما يزيد صعوبة التلاعب. وقد اقترحت السلطات وجود مراجعين مستقلين يشرفون على العملية.

لقد احتدم السباق من أجل استخدام مؤشر آخر بدلا من «ليبور». ويتمثل أحد المقترحات في استخدام أسعار فائدة من سوق أخرى، التي عادة ما تستخدمها البنوك في إقراض بعضها بعضا. وهذه القروض تكون مدعومة بأصول مالية عالية الجودة يمكن للمقرضين الاحتفاظ بها في حالة عجز المقترضين عن السداد. إن العدد المحدود من القروض المرتبطة بمؤشر «ليبور» لا تمتلك مثل هذا الضمان.

تعكف شركة «كانتور فيتزجيرالد» في «وول ستريت» على وضع مؤشر لأسواق الإقراض قصيرة الأجل المختلفة. وتتمثل الفكرة في أن المؤشر، الذي يمثل انعكاسا منوعا للاقتراض، يمكن أن يستخدم بديلا لمؤشر «ليبور».

وقال غاري غينسلر، رئيس هيئة تداول عقود السلع الآجلة، الجهة التنظيمية التي أدارت التحقيقات في بنك «باركليز»: «كي تكون المؤشرات ذات مصداقية، يجب أن تعتمد على تعاملات وأن تتسم بالشفافية».

* أسهم في كتابة التقرير مارك سكوت