شكوك حول فعالية رقابة «الاحتياط الفيدرالي في نيويورك» على المصارف

بعد الخسائر والفضائح التي تفشت في البنوك

أحد فروع مصرف «جي بي مورغان» في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي يواجه فيه «الاحتياط الفيدرالي في نيويورك» الكثير من الانتقادات حول عدم تمكنه من اكتشاف الخسائر التجارية التي تعرض لها مصرف «جي بي مورغان تشيس»، والتي تقدر بمليارات الدولارات، قام المصرف بعقد اجتماع في مبنى البلدية في شهر مايو (أيار) الماضي لرفع الروح المعنوية الخاصة بموظفيه. وبعد مرور شهرين، قام موظفو «مصرف الاحتياط الفيدرالي في نيويورك» بالتجمهر مرة أخرى، بعد أن أثار المشرعون الكثير من التساؤلات حول سبب فشل المصرف في كبح جماح البنوك التي تقوم بالتلاعب بمعدلات الفائدة الرئيسية.

وقال أحد الأشخاص الذين حضروا الاجتماع الذي عقد في شهر يوليو (تموز)، طلب عدم الكشف عن هويته حيث إنه لم يتم الإعلان عن هذا الاجتماع: «طلبوا منا الانحناء للموجة والاستمرار في التركيز». ويواجه «الاحتياط الفيدرالي في نيويورك»، الذي ظهر جليا مدى الضعف الذي يعانيه بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، انتكاسة جديدة، حيث يقوم ببذل جهود حثيثة لمراقبة وول ستريت. وبينما قام المصرف بإعادة النظر في الطريقة التي ينتهجها للإشراف على كبريات المصارف في البلاد، تؤكد الإخفاقات الأخيرة أن المصرف لا يزال يعاني المشاكل الجوهرية نفسها.

ومن المرجح أن يقوم المشرعون بالتركيز على سجل «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» عندما سيقوم تيموثي غيتنر، رئيس المصرف السابق، بالإدلاء بشهادته يوم الأربعاء المقبل أمام «لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الأميركي». ومن المقرر أيضا أن يدلي غيتنر، الذي يشغل منصب وزير الخزانة، بشهادته أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ يوم الخميس المقبل حول الموضوع نفسه.

وبحكم وجوده في مانهاتن السفلى، يقع «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» على الخط الأمامي للتشريعات المالية، كما يمتلك نافذة واسعة على الأعمال الداخلية في كل المصارف؛ نظرا لوجود المراقبين التابعين له داخل هذه المؤسسات.

ولكن «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» لا يمتلك القوة لإنفاذ قراراته، شأنه في ذلك شأن باقي المصارف الاحتياطية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية. ولذا، يقوم المصرف بالإبلاغ عن تقارير المخالفات المحتملة لبعض الوكالات الأخرى أو للمصرف المركزي «مجلس الاحتياطي الاتحادي»، ويترك هذه المؤسسات لتقرر العقوبات المناسبة إذا استلزم الأمر.

ويقول المسؤولون إن مهمة «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» تتمثل في حماية صحة وسلامة النظام المالي وليس الإشراف الدقيق على المصارف. وتؤكد شيلا باير، رئيسة «المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع» سابقا، وهي إحدى الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة الأميركية: «إنهم يركزون على سلامة البنوك ومتانتها، وهو ما يعني في نهاية المطاف عدم التركيز بصورة خاصة على عمليات التلاعب التي تحدث في الأسواق».

وفي الأعوام الماضية، قام المصرف بتعزيز دوره الرقابي، حيث زاد من خبرات مراقبيه، وقام بتعين مسؤولين جدد أثناء فترة رئاسة ويليام دودلي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن كارثة مصرف «جي بي مورغان» والتحقيقات التي تجرى الآن بشأن معدلات الفائدة أثارت الكثير من التساؤلات حول «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك»، وهي التساؤلات التي تسلط الضوء على العقبات التي تواجه المصرف نتيجة افتقاره لسلطة إنفاذ قراراته والمخاوف الخاصة بسياسته المتساهلة للغاية مع البنوك.

ويتوقع غيتنر أن يتلقى سيلا من الأسئلة من المشرعين يوم الأربعاء المقبل حول التحقيق الخاص بقضية التلاعب في أسعار الفائدة، التي تورط فيها أكثر من 12 من المصارف الكبرى؛ ففي شهر يونيو (حزيران) وافق مصرف «باركليز» على دفع مبلغ 450 مليون دولار للسلطات كعقوبة على قيامه بالتلاعب في «سعر الفائدة السائد بين المصارف في لندن»، المعروف اختصارا بـ«ليبور».

ومنذ هذه التسوية، قام غيتنر ببذل الكثير من الجهد لإصلاح عملية تحديد سعر الفائدة في عام 2005، ولكن «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» لم يقم بوقف هذه الممارسات، على الرغم من علمه التام بأن مصرف «باركليز» كان يقوم بالإبلاغ عن معدلات فائدة كاذبة في ذلك الوقت.

وعندما قام غيتنر بالاجتماع بالجهات التنظيمية الأخرى في الولايات المتحدة الأميركية لإطلاعهم على موضوع «ليبور» في شهر مايو عام 2008، لم يقم بالكشف عن المخالفات المحددة التي تم ارتكابها، وذلك وفقا للأشخاص الذين حضروا هذا الاجتماع. وفي اجتماعات أخرى لاحقة، قام مسؤولو «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» بتحذير نظرائهم من «الادعاءات المضللة».

يقول برات دزيفي، الذي عمل مستشارا خاصا لـ«اللجنة الفيدرالية للتحقيق في الأزمة المالية»: «ينبغي على المصرف عمل إحالة جنائية إذا اشتبه في حدوث جريمة ما، ولكن الشيء الذي يحير العقل هو عدم ارتقاء ذلك للمستوى المطلوب».

دخل «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» في حالة من الجدل منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، فقد كان غيتنر واحدا من بين الكثير من المسؤولين الذين قللوا من أهمية بعض المخاطر التي انتشرت في النظام المالي، حيث قال في شهر مايو عام 2007: «أدت الابتكارات المالية إلى تطوير القدرة على قياس وإدارة المخاطر»، بينما اعترف باستمرار وجود بعض التهديدات التي تواجه النظام المالي. وفي أواخر عام 2008، انهار النظام المالي تقريبا بعد إعلان إفلاس مصرف «ليمان براذرز».

وفي العام الجاري، تفاجأ «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» بقيام مصرف «جي بي مورغان» بالإعلان عن تكبده خسائر تجارية تجاوزت 5 مليارات دولار، نظرا لأنه قد قام سابقا بإرسال نحو 40 مراقبا إلى مصرف «جي بي مورغان»، ولكن أحدا منهم لم يقم بمراقبة مكتب الاستثمار الرئيسي في المصرف، وهي الوحدة القوية المسؤولة عن حدوث هذه الخسائر التجارية.

وبالرجوع إلى موضوع «ليبور»، قام «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» باتباع نهج سلبي إلى حد ما، فعلى الرغم من الأدلة المتزايدة على حدوث مشاكل، انصب اهتمام المصرف على الحلول السياسية بدلا من فضح المخالفات.

أشار بعض الأشخاص المقربين من «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» إلى أن اهتمام المصرف الأساسي في ذلك الوقت كان منصبا على حماية وول ستريت من خطر الانهيار، حيث تشير السجلات إلى أن المصرف ظل يدفع في ذلك الاتجاه بصورة أقوى بكثير من نظرائه في بريطانيا. حث غيتنر السلطات البريطانية على «إلغاء الحوافر الخاصة بالإبلاغ عن حدوث تلاعب» في «ليبور»، وهو الأمر الذي يؤثر على تكلفة القروض العقارية وغيرها من القروض الأخرى التي تقدر بتريليونات الدولارات.

ينصب تركيز بعض مراقبي «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» على الضرر الكبير الذي قد يلحقه التحقيق الخاص بـ«ليبور» على بعض المصارف، مثل «سيتي غروب» و«جي بي مورغان». يقول بعض الأشخاص الذين حضروا هذه الاجتماعات إن المراقبين يقومون الآن بتقييم ما إن كانت البنوك في حاجة إلى عمل احتياطيات نقدية في مواجهة الخطر المتزايد الناجم عن الدعاوى القضائية.

تتوافق هذه المخاوف مع التحركات الواسعة التي يقوم بها «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» لتعزيز سلطته الرقابية. وبعد اندلاع هذه الأزمة، قام «مجلس الاحتياطي الاتحادي» بتشكيل فريق خاص لرصد المخاطر الناشئة. قام دودلي أيضا بتعين رئيس جديد للرقابة في البنك، وهي سارة دالغرين التي التحقت بـ«مجلس الاحتياطي الاتحادي» منذ أكثر من عقدين من الزمن بعد العمل كمسؤولة عن الميزانية في سجن جزيرة ريكيرز آيلاند.

وفي الأعوام القليلة الماضية، قام «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» بمضاعفة عدد مراقبيه الموجودين في المؤسسات وقام بإرسال بعض من كبار مسؤوليه إلى كبريات المصارف. يتكون كبار المراقبين الموجودين في كل مصرف من أكثر الأشخاص الذين تمكنوا من اجتياز عدد من الأزمات في السابق والهيئات التنظيمية المتطورة التي ترغب في تحدي المديرين التنفيذيين في وول ستريت، وذلك حسبما أكد أحد المنظمين.

أشار «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» إلى أنه تعمق بصورة كبيرة في بحث البيانات الداخلية في المصارف، مع التركيز على وحدات الأعمال التي ينتج عنها معظم العائدات والمخاطر. ولتجهيز الصناعة لمواجهة الخسائر المفاجئة بصورة أفضل، تقوم الهيئات التنظيمية بدفع المصارف نحو زيادة رؤوس أموالهم.

ولكن هناك حدودا لهذه السلطة، فعلى الرغم من الدور البارز الذي يضطلع به في مراقبة المصارف، فإن «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» لا يستطيع فرض أي غرامات. وعندما يتمكن مراقبوه من اكتشاف سلوك ما يثار حوله من بعض الشكوك، فغالبا ما يدفعون الشركات لتبني بعض التغييرات. وإذا استمرت هذه الأخطاء، فعادة ما يقوم المسؤولون بتمرير هذه القضية لـ«مجلس الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن، ويتركون له القرار في اتخاذ ما يراه مناسبا.

قام «مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، الذي يمتلك السلطة لفرض غرامات أو وقف القرارات، بـ171 إجراء تنفيذيا في العام الماضي. وبينما انخفض عدد القضايا بنحو 44 في المائة مقارنة بالعام الماضي، زاد عدد الإجراءات التي قام المجلس باتخاذها بصورة كبيرة مقارنة بالفترة السابقة لوقوع الأزمة.

يؤكد بعض النقاد وجود باب دوار بين وول ستريت و«المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك»، حيث شغل دودلي في السابق منصب كبير الخبراء الاقتصاديين المحليين في مصرف «غولدمان ساكس»، بينما تقوم زوجته بجمع بعض التعويضات المؤجلة منذ أيام عملها في مصرف «جي بي مورغان». وبعد انهيار شركة «بير ستيرنز» في عام 2008 قام «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» بتعيين كبير موظفي إدارة المخاطر في هذه الشركة، في المصرف.

لا يقوم «المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك» بتحجيم نفوذ الموظفين الذين يتركون وظائفهم للعمل في وول ستريت، حيث لم يتمكن بعض كبار المسؤولين السابقين على مدار عام كامل من مناقشة بعض الأمور التنظيمية مع «مجلس الاحتياطي الفيدرالي». وكإجراء إضافي، يتم نقل المراقبين بين البنوك كل 3 أو 5 أعوام لعدم حدوث ألفة اجتماعية بينهم وبين موظفي البنوك.

وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الخبراء يؤكدون أنه لم يتم التوصل إلى حل لهذه المشكلة حتى الوقت الراهن، حيث تقول باير، التي تشغل الآن منصب كبيرة المستشارين في مؤسسة «بيو تشاريتابل ترستس»: «إنها مشكلة ثقافية منتشرة بين كل الجهات الرقابية على المصارف. إنه ليس أمرا صحيا، ويمكنك رؤية هذا بوضوح في ممارساتهم التوظيفية».

* خدمة «نيويورك تايمز»