اقتصاد سوريا يسابق «نظام الأسد» في الانحدار نحو الهاوية

الليرة خسرت ثلث قيمتها وسط حرب الشوارع وهروب الأموال

أسواق دمشق باتت خاوية وليس بها زبائن (أ.ف.ب)
TT

يسابق الاقتصاد السوري في التدهور المريع نظام الرئيس بشار الأسد في الانحدار نحو الهاوية. حيث خسرت الليرة السورية أكثر من ثلث قيمتها مقابل الدولار الأميركي منذ شهر مارس (آذار) عام 2011 وحتى يوم 29 يوليو (تموز) الماضي، مما خفض من القوة الشرائية للمواطنين السوريين الذين يحصلون على دخول ثابتة. ووصل معدل التضخم في سوريا إلى نحو 33 في المائة في شهر مايو (أيار) الماضي، وهي أحدث البيانات المتاحة الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، بينما انخفضت الودائع بمعدل 35 في المائة في عام 2011 في «مصرف عودة» سوريا و«مصرف سوريا والمهجر» و«مصرف بيمو السعودي الفرنسي»، وهبط معدل الإقراض بنحو 22 في المائة، وذلك وفقا لبيانات شهر أبريل (نيسان) الصادرة عن سوق الأوراق المالية.

وفي يوم 30 أبريل الماضي، أكد سفيان العلاو، الذي كان يشغل منصب وزير النفط في سوريا في تلك الأثناء، لوكالة الأنباء الرسمية في سوريا «الوكالة العربية السورية للأنباء»، أن قرار الاتحاد الأوروبي بوقف استيراد النفط الخام السوري قد كلف البلاد نحو 3 مليارات دولار من عائدات التصدير. كانت سوريا تقوم بتصدير 150 ألف برميل من أجمالي إنتاجها من النفط البالغ 380 ألف برميل في اليوم إلى الاتحاد الأوروبي قبل فرض هذه العقوبات في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، بينما تتمثل أهم الصادرات السورية الأخرى في المنسوجات وأدوات المطبخ والمواد الغذائية المعلبة.

وتقول صونيا خانجي قشيشو، وهي سيدة أعمال وعضو في غرفة تجارة دمشق لوكالة بلومبيرغ: «هذه العقوبات تخنقنا، إنها تقتلنا بالفعل».

تؤكد قشيشو، وهو امرأة شقراء تتولى إدارة إحدى العلامات التجارية الخاصة بالعناية بالشعر وغيرها من منتجات الرعاية الصحية، أن 65 في المائة من المشاريع الصناعة الصغيرة ونصف عدد الشركات الخدمية الموجودة في العاصمة السورية دمشق وضواحيها قد أغلقت أبوابها حتى شهر يوليو (تموز). تشير قشيشو، وهي وكيلة لمنتجات «ويلا» للشعر في سوريا، أن المورد قد توقف عن التعامل معها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي.

تضيف قشيشو: «أي نوع من العقوبات العبقرية هذه التي تؤثر على الفقراء وأصحاب الدخول الثابتة؟ إنهم يعاقبون الناس وليس النظام، ويخلقون حالة من البطالة والفقر في البلاد».

انخفض معدل الأعمال بنسبة 80 في المائة في متجر عنات، وهو متجر للصناعات اليدوية يقع في «الطريق المستقيم»، وهو الشارع الذي ورد ذكره في العهد الجديد من الكتاب المقدس. كان هذا المتجر يوفر فرص عمل بدوام جزئي لـ1,000 امرأة في شتى أنحاء البلاد ويساعد في الحفاظ على المنسوجات التقليدية السورية. يتجنب السياح العرب والأجانب، والذين شكلوا الغالبية العظمى من زبائن المتجر، السفر إلى سوريا، في الوقت الذي يتجنب فيه السوريون أنفسهم شراء المنتجات غير الأساسية.

يمتلئ المتجر والمخزن، واللذان تم بناؤهما بعد دمج اثنين من المنازل الدمشقية القديمة اللذين كانا يحتويان على نافورة رخامية بينهما، بالشيلان المطرزة واللوحات المحاكة للمنازل التقليدية والمجوهرات الفضية المرصعة بالفيروز لدرء العين الشريرة.

من جانبها تقول جيرمان هايك ويبر، وهي مالكة المتجر التي تبلغ من العمر 61 عاما والتي انتقلت إلى دمشق منذ 30 عاما بصحبة زوجها السوري، إنه ينبغي شحن أي طلبية عن طريق بلد ثالث خلاف الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وأدت الاشتباكات الدائرة في سوريا إلى قطع الطرق المؤدية إلى القرى التي يتم فيها صناعة الملابس التي تباع في متجرها، مما جعل وصول الإمدادات المستقبلية أمرا غير مؤكد. ويقول سكر: «يستطيع الاقتصاد التعامل مع هذه الأمور، ولكن بوجود صعوبات جمة تواجه الشعب وميزانية الحكومة على حد سواء».

وحتى انتقال المعارك إلى العاصمة في منتصف شهر يوليو، كانت شوارع دمشق تكتسي بطبقة خارجية تدل على وجود حياة طبيعية، حيث كان العمال يقومون بدهان المباني الجديدة التي تم ترميمها والتي تقع في أحد الطرق الجانبية، بينما كان الأطفال يضربون الكرة في الحائط الزجاجي لأحد متاجر الأدوات الكهربائية، مما جعل صاحب المتجر يستشيط غضبا.

وفي «سوق دمشق للأوراق المالية»، حضر بعض المسؤولين الحكوميين دورة تنشيطية حول كيفية عمل الأسواق. وقف المحاضر أسامة حسن أمام لوحة بيضاء مليئة ببعض المصطلحات، مثل الأسهم والسندات وأذون الخزانة. وفي هذه القاعة، كان الوسطاء يعملون في تداول الأسهم، التي هبطت أسعارها لأكثر من 50 في المائة منذ قيام الثورة السورية. وذلك وفقا لتقرير بثته وكالة بلومبيرغ الأميركية.

إن الواقع القاسي في سوريا هو أمر لا مفر منه، فعلى الطريق المتعرج الذي يقع بالقرب من سوق الأوراق المالية، وقف السوريون في طوابير طويلة على محطات التزود بالغار وفي أيديهم اسطوانات فارغة، للحصول على حصة من وقود الطبخ، الذي كان أحد ضحايا العقوبات. ويقول باتريك فينتريل، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إنه بينما تقترب المعارك من مقر حكم الأسد في دمشق، يقترب حكمه من النهاية، مضيفا: «ليس لدينا كرة بلورية لمعرفة ما إن كان هذا سيحدث اليوم أو غدا أو الأسبوع المقبل، ولكن من الواضح أن المعارضة سوف تنتصر في مطالباتها بالديمقراطية وأن الشعب السوري يريد رؤية نظام جديد».

لقد فقدت دمشق الكثير من الأعمال التجارية، خاصة الأجنبية، كما تراجعت الشركات الخليجية عن تنفيذ مشاريع حيوية من بينها مشروع «البوابة الثامنة»، وهو أحد المشاريع الإنشائية الكبرى الذي لا يزال قيد الإنشاء والذي يشير أسمه إلى البوابات السبعة التي كانت تحيط مدينة دمشق في الأزمنة القديمة، وصفوفا من المباني السكنية الأنيقة التي تقع قبالة الطريق السريع الذي يربط سوريا بلبنان. وسوف يتضمن هذا المشروع - وهو مشروع مشترك بين «شركة إعمار العقارية» التي تقع في دبي، والتي تعتبر أكبر مطور عقاري في دولة الإمارات العربية المتحدة، و«مجموعة الاستثمار لما وراء البحار» والتي تتخذ من دبي مقرا لها - مساحات مكتبية وفندق من فئة الخمس نجوم ووحدات سكنية ومساحات لـ255 متجر بيع بالتجزئة ودور سينما، فضلا عن المقر الجديد لـ«بورصة دمشق للأوراق المالية». كان من المفترض أن يكتمل هذا المشروع في عام 2014.

وأخذت التجارة والسياحة والإقراض المصرفي في التلاشي في سوريا منذ اندلاع الثورة في شهر مارس من عام 2011. ويقول نبيل سكر، الاقتصادي السابق في «البنك الدولي» والعضو المنتدب لـ«المكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار» بدمشق: «سوف تؤدي هذه الأزمة إلى إعاقة النمو والتنمية في سوريا، فضلا عن المحاولات الحثيثة التي نبذلها للحاق بركب باقي بلدان الإقليم». وتبحث الأعمال الجديدة عن أسواق بديلة في البلدان الحليفة مثل العراق وإيران.