رئيس مجموعة اليورو: تطورات الأيام المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل العملة الموحدة

عشية اجتماع مجلس إدارة «المركزي الأوروبي».. والمحادثات مع وزير المالية الأميركي

الأسواق قلقة من مستقبل الاقتصاد الإسباني.. ويظهر في الصورة متعاملون يراقبون أداء أسهم بورصة مدريد (رويترز)
TT

تزداد الآمال والتوقعات بأن يسفر الاجتماع الحكومي للمصرف المركزي الأوروبي، الخميس المقبل، عن قرارات مشجعة، في أعقاب تصريحات رئيس المصرف ماريو دراغي، التي أنعشت الأسواق الأسبوع الماضي ووعد خلالها بأنه لن يتخلى عن اليورو وسيفعل كل المطلوب لدعمه.

من جانبه، قال جان كلود يونكر رئيس مجموعة اليورو: «لا أريد أن أسمع شيئا عن خروج اليونان من منطقة اليورو، وإذا حدث ذلك، ستكون له تداعيات سلبية وخيمة»، وحذر يونكر من انهيار منطقة اليورو، قائلا في تصريحات لوسائل إعلامية ألمانية إن مستقبل العملة الأوروبية الموحدة يعتمد على التطورات في الأيام المقبلة وعلى سرعة أصحاب القرار في التصرف للحيلولة دون انهيار المنطقة الاقتصادية. بينما وجه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير رسالة إلى الألمان طالبهم فيها بإنقاذ اليورو حتى لو جاء ذلك من خلال تنازلات غير سارة لألمانيا، واعتبر بلير أن انهيار اليورو سيكون بمثابة مصيبة ذات تداعيات سياسية واقتصادية.

وقال جان كلود يونكر الذي يعتبر من أهم الشخصيات المسؤولة عن إدارة أزمة الديون السيادية الأوروبية في تصريحات للصحيفة الألمانية اليومية «زود دويتشه تسايتونغ» إن أوروبا «وصلت إلى نقطة الحسم بخصوص مستقبل عملتها الموحدة الأمر الذي يعني عدم توفر مزيد من الوقت من أجل اتخاذ القرارات اللازمة» لإخراج المنطقة الاقتصادية من أزمتها. وتأتي تصريحات يونكر وهو رئيس وزراء لوكسمبورغ، في وقت أعلنت فيه وزارة المالية الألمانية أن وزيرها وولفغانغ شويبله سيلتقي في وقت لاحق من الأسبوع الحالي في جزيرة زولت شمالي ألمانيا حيث يقضي عطلته الصيفية، نظيره الأميركي تيموثي غايتنر من أجل بحث آخر التطورات على صعيد الأزمة المالية التي ازدادت في الأسابيع الأخيرة حدة. وأضافت الوزارة أن شويبله يعتبر أزمة الديون السيادية التي امتدت في الأسابيع الماضية من اليونان إلى إسبانيا التي تحتضن رابع أكبر اقتصاد أوروبي قابلة للحل والسيطرة عليها، ونقلت عنه قوله إن «ارتفاع سعر الفائدة على السندات الحكومية الإسبانية أمر مؤلم ومقلق ولكن العالم لن ينتهي إذا ارتفعت الفوائد قليلا». ووفق مصادر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت، فإن وزير المالية الأميركي سيتوجه بعد لقاء نظيره الألماني إلى فرانكفورت حيث سيجري مباحثات مع رئيس البنك ماريو دراغي تشمل بحث سبل تدخل البنك المركزي الأوروبي في حل الأزمة. وكان دراغي قد صرح قبل أيام أن البنك سيبذل كل ما في وسعه لإخراج المنطقة الاقتصادية من أزمتها، ملمحا إلى استعداد البنك لشراء سندات حكومية من دول متعثرة؛ الأمر الذي أنعش أسواق المال في أوروبا والولايات المتحدة في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي.

وعلى الصعيد نفسه، ذكرت مصادر الحكومة الألمانية أن المستشارة الاتحادية أنجيلا ميركل اتفقت مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي في اتصال هاتفي على ضرورة فعل كل ما هو مطلوب من أجل حماية منطقة اليورو وإخراجها من أزمة ديونها.

من جانبه، هدد وزير الاقتصاد والتكنولوجيا الألماني فيليب روسلر مجددا بوقف المساعدات المالية لليونان متهما حكومة أثينا «بعدم الالتزام» بالاتفاقات المبرمة معها لإخراجها من أزمة الديون السيادية. وقال الوزير الألماني الذي ينتمي إلى الحزب الليبرالي الحر، الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي الألماني، في تصريحات صحافية إنه «لم يعد سرا على أحد أن الشكوك تساورنا حول قدرة الحكومة اليونانية» على تطبيق الخطط الإصلاحية المتفق عليها مع الجهات التي تقدم المساعدات المالية لها. وأكد الوزير رفض حكومة بلاده تقديم مزيد من المساعدات المالية لحكومة أثينا.. «إذا لم تلتزم بالاتفاقيات، فهذا يعني عدم حصولها على مزيد من المساعدات»، مضيفا أن تطبيق هذه الاتفاقيات يتعثر بسبب «عدم نجاح» اليونان في وضع نظام ضريبي تستطيع من خلاله تنظيم جبايتها للضرائب وكذلك في خصخصة الممتلكات الحكومية. وفي رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة «بيلد» الألمانية واهتمت بها وسائل الإعلام في بروكسل، دعا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الألمان إلى إنقاذ اليورو حتى لو جاء ذلك من خلال تنازلات غير سارة للألمان. وأضاف أن الأزمة في منطقة اليورو تجربة جديدة يمكن أن نقارنها بتجربة الثلاثينات، مضيفا أن كل البدائل غير مرضية بالنسبة للبعض، وإنما البديل الوحيد الجيد لأوروبا، خاصة ألمانيا، هو إنقاذ اليورو، لأن انهياره يعني مصيبة لها تداعيات سياسية واقتصادية. واعترف بلير بأن الكل يطالب ألمانيا بأمور كثير، فعليها أن تمول صندوق الإنقاذ، وتقبل بمعدلات تضخم عالية في ظل وجود دول متعثرة، ولا تلتزم بالإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة، ولكن الخيار الوحيد أمام ألمانيا الآن أن توافق على تقسيم الديون بشرط التزام الدول المتعثرة بجدول زمني للإصلاحات. كما أرسلت مدريد التي تواجه أزمة في القطاع المصرفي، ومن خلال أفيغو مانديز وزير الشؤون الأوروبية، برسالة إلى أكبر الاقتصادات الأوروبية، ألمانيا، تذكرها بالمساعدات التي سبق أن حصلت عليها في الماضي وبالتحديد في الفترة الصعبة التي عاشها الألمان عقب الحرب العالمية الثانية واستفاد الألمان وقتها من مساعدات بقيمة 1.4 مليار دولار من خطة مارشال. وقالت مؤسسات الاتحاد الأوروبي ببروكسل، إن اجتماع المجلس الحكومي للمصرف المركزي الأوروبي (مجلس الإدارة) المقرر في 2 أغسطس (آب) المقبل، سيتم فيه أخذ قرار بشأن السياسة المالية التي ستتخذ حول منطقة اليورو، وسيعرض ماريو دراغي تفاصيل القرار في بيان خلال مؤتمر صحافي بعد ظهر اليوم نفسه ويجيب فيه عن أسئلة الصحافيين. وبحسب ما جرى الاتفاق عليه في نهاية 2001، يحدد مجلس البنك المركزي سياساته النقدية في اجتماع مطلع الشهر، ومن المتوقع أن يتخذ قرارا بشأن أسعار الفائدة، كما سيجري تقييما لما جرى اتخاذه من قرارات خلال شهر يوليو (تموز) الحالي. وحسب القواعد الأساسية للاجتماعات، يمكن أن يعقد اجتماع ثان في الشهر نفسه إذا استدعت الضرورة ذلك للنظر في مهام ومسؤوليات «المركزي الأوروبي». وبالتزامن مع ذلك، قال وزير الشؤون الأوروبية في الحكومة الإسبانية أفيغو مانديز في تصريحات لصحيفة «بيلد» الألمانية: «على الأثرياء في ألمانيا عدم نسيان أن الشعب الألماني سبق له أن حصل على مساعدات خارجية في الفترة الصعبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية»، وأضاف: «نحن نعيش في الاتحاد الأوروبي، ويجب أن نتصرف من منطلق العائلة الواحدة التي يجب أن يقف الجميع فيها بجانب أي فرد منها يعاني صعوبات، وإلا ماذا ستكون فائدة الاتحاد الأوروبي. وفي ما يتعلق بالديون السيادية، فإن الأمر عبارة عن قروض تحصل عليها الدولة المتعثرة، ثم تقوم بعد ذلك بسدادها». وفي هذا الصدد، قال الوزير الإسباني: «يجب أن لا ننسى التاريخ؛ فقد حصلت ألمانيا على مساعدات بقيمة 1.4 مليار دولار عقب الحرب العالمية الثانية، وقدمت دول كثيرة المساعدة لألمانيا الغربية خلال الفترة ما بين 1948 و1951 وذلك بناء على طلب من الألمان».. يأتي ذلك بعد أن تعهد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي بأن البنك سيفعل كل ما هو ضروري للحفاظ على اليورو، مما عزز طلب المستثمرين على الأصول ذات العوائد المرتفعة، وقال دراجي إن البنك المركزي الأوروبي سيكون مستعدا للتدخل لخفض العوائد على السندات الإسبانية والإيطالية، قائلا إن تكاليف الاقتراض الحكومية سوف تقع ضمن صلاحيات البنك المركزي إذا كانت تتعارض مع انتقال السياسة النقدية. رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي لمح إلى أنه قد يخفض الفوائد على القروض التي يمنحها البنك لحماية منطقة اليورو بعد تخطي الفوائد على سندات الدين الإسبانية الطويلة الأمد معدل السبعة في المائة. دراغي قال: «البنك المركزي الأوروبي مستعد للقيام بكل ما يلزم لحماية اليورو.. صدقوني سيكون ذلك كافيا». وكان وزيرا مالية إسبانيا وفرنسا أكدا خلال لقاء في باريس على ضرورة إنشاء جهاز أوروبي مشترك لرقابة المصارف في منطقة اليورو. هذا اللقاء جاء بعد أن تخطت معدلات الفوائد على سندات الدين الإسبانية الطويلة الأمد السبعة في المائة نتيجة الأزمة العقارية التي تعرضت لها مصارفها في السنوات الماضية. يقول المراقبون: «الحلول لأزمتنا تأتي من الخارج، بداية من البنك المركزي الأوروبي، في حال قرر شراء سندات الدين الإسبانية من الأسواق البديلة، مما يؤدي إلى تراجع أسعارها. والحل الثاني هو شراء صندوق الإنقاذ الأوروبي للسندات. أما الحل الأخير، فهو السير في خطة إنقاذ شاملة، مما سيكلف أوروبا مبالغ كبيرة». إسبانيا ستحتاج إلى مبلغ خمسين مليار يورو في نهاية العام الحالي لسد عجزها المالي ولتمويل مقاطعاتها الغارقة في ديون بارزة بينها كاتالونيا وفالينسيا. بعض المحللين الاقتصاديين يعتبرون أن وضع المصارف الإسبانية تحت رقابة البنك المركزي الأوروبي هو الحل الأمثل.

يذكر أنه لمواجهة الأزمة لجأت العديد من الدول الأوروبية إلى إجراءات التقشف، وحسب العديد من المراقبين الأوروبيين «الإجراءات التقشفية تحرق أوروبا.. هذا على الأقل ما يشعر به اليونانيون الذين عبروا مرارا عن رفضهم هذه التدابير». وعبرت الحكومة اليونانية بدورها عن عدم قدرتها على تبني إجراءات تقشفية جديدة، في وقت تتواصل فيه المظاهرات الاحتجاجية للتنديد بالشروط القاسية التي فرضها الدائنون على اليونان والتي تحتاج إلى تدابير تقشفية قد تشمل تخفيضات جديدة في الرواتب ومعاشات المتقاعدين، إضافة إلى خصخصة مزيد من الشركات والمنشآت الحكومية. ممثلو الترويكا حلوا بدورهم على عين المكان لمراقبة مدى التزام أثينا بتعهداتها تجاه الدائنين. ومن المنتظر أن يعودوا إلى اليونان مجددا في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.