القرصنة الإلكترونية تسبب صداعا لأوروبا وتجبرها على إنشاء مركز لمواجهتها في إسبانيا

بعد اختراق صيني لبريد رئيس الاتحاد الإلكتروني ومنسق شؤون مكافحة الإرهاب

TT

نجحت مجموعة من قراصنة الإنترنت تعمل من الصين، في اختراق البريد الإلكتروني لرئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي، وعشرة من كبار المسؤولين في المؤسسات الأوروبية، في يوليو (تموز) من العام الماضي على مدار أربع مرات مختلفة، وفي وقت كان الاتحاد الأوروبي يبحث خطة إنقاذ اليونان، وقال الإعلام البلجيكي في بروكسل، إن التوقيت جاء من قبيل الصدفة، وأن القراصنة كانوا يجمعون معلومات في الأسابيع والأشهر التي سبقت ذلك.

وأفادت المصادر نفسها، بأنه جرى على مدى شهرين متابعة ما يفعله مجموعة القراصنة والمعروفة باسم «كندور البيزنطي» و«مجموعة التعليق».

واتضح أن لهم ضحايا في أماكن كثيرة من العالم، ومنها شركة «هاليبرتون» الأميركية، ومركز التجارة الدولي في الهند، وقاض كندي، ومكاتب محاماة في الولايات المتحدة الأميركية. أما بالنسبة للشخصيات الأوروبية فقد كان جيل كيرشوف المنسق الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب، أحد الضحايا، وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي على شبكة الإنترنت الأوروبي أيو أوبزرفر، إن «المجلس الأوروبي لا يعلق على الحالات الفردية».

كما أن الوصول إلى المعلومات الأوروبية ليس بالأمر السهل؛ لأن تخزينها يكون بشكل منفصل، وليست على أجهزة متصلة بالإنترنت. وحذرت مصادر أوروبية في بروكسل، من أن القراصنة قاموا بتوسيع هجماتهم الرقمية على مواقع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وباتوا قادرين على اختراق كثير من هذه المواقع بما فيها الإدارات الرئيسة التابعة للاتحاد.. وحسب تقارير إعلامية من بروكسل، بدأت الصين تركز هجماتها الرقمية على المواقع الأوروبية منذ احتدام أزمة اليورو للإطلاع على آلية إدارة المسؤولين الأوروبيين لهذه الأزمة.

كما أن القراصنة الصينيين يسعون إلى الحصول على المعلومات والمعطيات الخاصة بمجالات البحث العلمي والتقنية المتطورة لصالح المؤسسات الصينية. وقال مسؤولون أوروبيون إن «القراصنة الصينيين كانوا يركزون حتى الآن على المواقع ذات الطبيعة الأمنية والعسكرية، لكنهم قاموا بتوسيع مجالات اختراقهم الرقمي لتشمل جميع الأنشطة الأوروبية».

وقررت المفوضية الأوروبية تمويل إنشاء مركز أوروبي جديد في العاصمة الإسبانية مدريد لمواجهة تنامي أنشطة القرصنة الرقمية في أوروبا ليكون ثالث مركز من نوعه يموله الاتحاد الأوروبي بعد مركز دبلن في آيرلندا، ومركز مونتبوليه في فرنسا. وفي نهاية مارس (آذار) من العام الماضي أعلنت المفوضية أن تحقيقات قد بدأت حول ملابسات الهجمات الإلكترونية التي تعرض لها الجهاز التنفيذي الأوروبي، وحسب الناطقة باسم المفوضية بيا هانسن، جاءت التحقيقات من أجل الكشف عن مصدر الهجمات، ووصفت المتحدثة الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له المفوضية بـ«الجدي»، خاصة قسم العلاقات الخارجية.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي تعرضت عدة مواقع على الإنترنت تابعة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي ببروكسل، للتوقف نهائيا لفترة من الوقت استغرفت عدة ساعات وحدث ذلك في الوقت الذي كان يقوم فيه الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي بإعداد تقرير لعرضه على القمة المشتركة بين التكتل الأوروبي الموحد والولايات المتحدة الأميركية، أواخر العام الماضي في واشنطن، وتضمن التقرير نتائج أول تدريب مشترك بين الجانبين جرى على مواجهة القرصنة الإلكترونية، وقالت بروكسل إن القمة التي انعقدت العام 2010 في لشبونه، جرى خلالها الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل لتحقيق التنسيق في مواجهة الجرائم الإلكترونية، وحول هذا الصدد، جرى التوصل إلى اتفاق بين بروكسل وواشنطن في أبريل (نيسان) الماضي من العام 2011. وجاءت الاختراقات الأخيرة بعد مرور عام ونصف العام تقريبا على أول تدريبات أجراها الاتحاد الأوروبي، التي وصفت بأنها أول محاكاة لحرب معلوماتية، وجرى تنفيذ أول تمرين عملي مشترك بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مواجهة القرصنة الإلكترونية، وبشكل خاص فيما يتعلق بكيفية التصدي لمخاطر تعرض المؤسسات الحكومية ومرافق الطاقة بشكل محدد إلى هجوم إلكتروني كبير وواسع النطاق، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه عرقلة الأنشطة الحكومية وعمليات التزود بالطاقة للمواطنين والمؤسسات، وبما في ذلك المحطات النووية.. وقال أوردو هيلبراشت رئيس هيئة أنيزيا الأوروبية في بيان إن «إشراك المفوضية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يؤكد التزاما صريحا بحماية البنى التحتية والمرافق الحيوية للطرفين وحرصا على امتلاك القدرة الرقمية الحاسمة للرد على التهديدات الإلكترونية». وأعقب ذلك اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على تشديد العقوبات على القراصنة وتجريم أنشطتهم جنائيا. ويعتقد الخبراء الأوروبيون أن غالبية الهجمات التي يتعرض لها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والولايات المتحدة تستهدف الحصول على أسرار تجارية ومعلومات بشأن الملكية الفكرية وأسرار التقنية المتقدمة، وأن معظمها مصدره روسيا والصين. كما أن الخبراء يريدون تشخيص التهديدات التي تقف وراءها مؤسسات وهيئات تخطط لتحقيق ثغرات إلكترونية داخل البرامج المعلوماتية المختلفة للدول والمؤسسات وزرع فيروسات في أجهزتها لهذا الغرض. وتشير التقديرات إلى أن العالم يشهد أكثر من مليون جريمة إلكترونية يوميا، وبتالي هناك خسائر تقدر بـ388 مليون دولار. ولمساعدة المواطنين الأوروبيين والشركات وحمايتهم من التهديدات المتزايدة عبر النت أعلن في مارس الماضي أنه سيتم إنشاء مركز أوروبي لمكافحة جرائم الشبكة العنكبوتية، داخل مكتب الشرطة الأوروبية، يور وبول بلاهاي في هولندا. وسيكون المركز نقطة محورية أوروبية في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية. ويركز على الأنشطة غير المشروعة عبر الشبكة، والتي تدر أرباحا هائلة على جماعات الجريمة المنظمة، ومثال ذلك الاحتيال عبر الإنترنت، الذي يشمل بطاقات الائتمان وسرقة تفاصيل الحسابات المصرفية. وسيقوم خبراء الاتحاد الأوروبي بالعمل على الوقاية من الجريمة الإلكترونية في القطاع المصرفي ومجال الحجوزات عبر الإنترنت، التي من شأنها إعادة ثقة المستهلك الإلكتروني. كما سيركز المركز الأوروبي في مكافحته على حماية الملفات التعريفية على شبكات التواصل الاجتماعي والقضاء على القرصنة وانتحال الهوية عبر الفضاء الإلكتروني. دون إغفال الجرائم التي لها عواقب وخيمة على ضحاياها، مثل الاستغلال الجنسي للأطفال والهجمات ضد البنية التحتية، ونظم المعلومات الحساسة في الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق صرحت سيسيليا مالمستروم مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية بالقول إن «الملايين من الأوروبيين يعتمدون على الإنترنت في خدماتهم المصرفية الرئيسية، نهيك عن التسوق عبر النت والتخطيط لإجازاتهم أو البقاء على تواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم عبر الشبكات الاجتماعية، وفي الوقت الذي تتزايد نسبة وجودنا بالنت تتزايد الجريمة المنظمة انتشارا. ونحن بهذا الإنجاز لن نسمح لمجرمي الإنترنت بتعطيل حياتنا الرقمية، بل سنعمل على جعل المجال الإلكتروني مجالا حرا ومفتوحا وآمنا». ثلاثة أرباع بيوت أوروبا بها إنترنت أي 73 في المائة من الأسر الأوروبية حظيت بهذه الخدمة خلال عام 2011، وأكثر من ثلث مواطني الاتحاد الأوروبي ما يعادل 36 في المائة يقومون بعمليات مصرفية عبر الشبكة. أيضا 80 في المائة من الشباب الأوروبي يتواصلون ببعضهم البعض من خلال الشبكات الاجتماعية، وبتالي هناك 8 تريليونات دولار سنويا حجم العمليات المالية للتجارة الإلكترونية. وبناء على ذلك تضاعفت الجريمة وخلقت سوقا مربحة تنجذب حولها الأنشطة غير المشروعة، إذ يمكن بيع تفاصيل البطاقات الائتمانية مقابل مبلغ زهيد لا يتعدى واحد يورو لكل بطاقة، كما يمكن شراء بطاقة بنكية مزورة تحتوي على مبلغ 140 يورو مشتراة بأقل من60 يورو. ولم تسلم الشبكات التواصل الاجتماعي من هذا الزحف، حيث يتم حظر 600 ألف حساب على الـ«فيس بوك» يوميا الهدف منها قرصنة المعلومات، نهيك عن إصابة 6.7 مليون جهاز كومبيوتر بفيروسات خلال عام 2009. وسيقوم المركز الأوروبي بتحذير دول الاتحاد وحمايتهم من التهديدات الأمنية على الإنترنت، وتنبيههم إلى نقاط الضعف في دفاعاتهم الإلكترونية. وسيقتفي المركز المنظمات الإجرامية والمجرمين البارزين في مجال التجارة الإلكترونية. كما سيقدم الدعم التشغيلي من خلال التحقيقات الميدانية وتشكيل فرق تحقيق مشترك. وللقيام بمهامه وتقديم دعم أفضل للمحققين والمدعين العامين والقضاة الذين يتعاملون مع القضايا المتعلقة بالجريمة الإلكترونية في دول الأعضاء، فإن المركز يعمل على جمع المعلومات من مصادر مفتوحة سواء من القطاع الخاص أو من رجال الشرطة أو من الأوساط الأكاديمية. ليشكل في النهاية قاعدة معرفية لقوات الشرطة الوطنية في دول الأعضاء، كما سيشترك في مبادرات تدريبية في مجال الجريمة الإلكترونية على مستوى الاتحاد الأوروبي. مما يجعله قادرا على الإجابة على أسئلة المحققين والمدعين العامين والقضاة الذين يتعاملون في قضايا من هذا النوع، إلى جانب مساعدة القطاع الخاص الذي يركز على الإشكاليات التقنية والتحليلية. وسيصبح المركز منصة للمحققين الأوروبيين بشأن الجرائم الإلكترونية، مما يقدم لهم الفرصة لتوحد ومناقشة تحديات صناعة تكنولوجيا المعلومات مع شركات القطاع الخاص والأوساط البحثية وجمعيات المستخدمين ومنظمات المجتمع المدني. ليصبح في نهاية المطاف شريكا طبيعيا يتفاعل مع الشركاء الدوليين في مجال الجريمة الإلكترونية. ومن المتوقع أن يبدأ المركز الأوروبي لمكافحة الجريمة الإلكترونية عملياته في يناير ( كانون الثاني) من السنة المقبلة.