برلسكوني يحذر من تفكك منطقة العملة الموحدة وبرلين تطالب أثينا بتنفيذ تعهداتها للترويكا

شباب الدول المتعثرة في منطقة اليورو يلجأون إلى ألمانيا التي تعاني من تباطؤ النمو الاقتصادي

علامة اليورو أمام المركزي الأوروبي في فرانكفورت (أ.ب)
TT

انتشرت عدوى أزمة الديون السيادية بين عدد من الدول الأعضاء في منطقة اليورو، والتي بدأت من اليونان وانتقلت بعدها إلى آيرلندا والبرتغال، وهناك دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا وقبرص والمجر وغيرها في انتظار الفرصة المناسبة لطلب المساعدة للحصول على دعم مالي من آلية الإنقاذ الأوروبي، بحسب مصادر مؤسسات التكتل الأوروبي الموحد.

واضطر شباب عدد من الدول المتعثرة للزحف إلى دول أخرى وخاصة الاقتصاديات الكبرى في منطقة اليورو بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام ومنها ألمانيا، بحثا عن فرص عمل، وخاصة بعد أن وصلت نسبة البطالة في دول مثل إسبانيا إلى معدلات مخيفة، بحسب الأرقام التي صدرت عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وقال رئيس الوزراء الإيطالي السابق سلفيو برلسكوني إنه دائما ما أكد أن خروج دولة أو عدة دول من العملة الموحدة سيؤدي لتفكيك منطقة اليورو وأنهم في حزبه على اقتناع بأن الخروج من اليورو سيمثل «كارثة» وأوضح برلسكوني في مقابلة نشرت أمس مع صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيترشح للانتخابات العامة في 2013 نافيا جملة نسبت إليه حول أنه كان يقلل من أهمية الخروج من منطقة اليورو. وقال «لم أستخدم قط هذا التعبير. على العكس، لطالما أكدت على أن خروج دولة أو عدة دول قد يتسبب في تفكك منطقة اليورو». وأكد أن احتمال الخروج من منطقة اليورو تم استخدامه من قبل بعض الأعضاء في حزبه المحافظ (شعب الحرية)، ولكن «بطريقة تكتيكية، لتغيير الموقف الألماني».

وأضاف برلسكوني «لطالما حلمت بالولايات المتحدة الأوروبية، أنا شخصيا مؤيد لانتخاب رئيس للاتحاد الأوروبي مباشرة وتعزيز سلطات البرلمان الأوروبي». وبسؤاله حول ما إذا كان هناك تحرك ما قد تم من باريس وبرلين لإبعاده عن السلطة قال إنه لا يعرف ولكنه لا يعتقد أن الأمر كان هكذا.

وقالت دراسة لمعهد مكتب العمل الاتحادي في برلين، إن الأشهر الأخيرة عرفت تزايدا في أعداد الشبان المقبلين من الدول المتعثرة، جاءوا للبحث عن فرص عمل في ألمانيا، ووصل عدد هؤلاء إلى ما يقرب من نصف مليون شخص بينهم 117 ألف شخص جاء من اليونان و55 ألفا من البرتغال و46 ألفا من إسبانيا وأكثر من 200 ألف من الدولة الجارة إيطاليا.

بالتزامن مع ذلك، أعربت وزارة الاقتصاد الألمانية عن قلقها من تباطؤ النمو الاقتصادي في ألمانيا، معتبرة أن سبب ذلك يعود إلى الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو وفد رأت أن مستقبل الاقتصاد الألماني يحمل كثيرا من المخاطر.

وجاء هذا التصريح قبيل صدور تقارير تبرز تراجع النمو الاقتصادي، وأربعون في المائة من الصادرات الألمانية تذهب إلى منطقة اليورو التي تعتمد بجزء كبير منها على التقشف لمعالجة أزمتها، ما ينبئ باحتمال انتقال الأزمة إلى القوة الاقتصادية الأولى في المنطقة بعدما شهدت تراجعا في حجم الطلب على منتجاتها وانخفاضا في حجم ناتجها الصناعي. وقد شهدت ألمانيا انخفاضا في الطلب على إنتاجها الصناعي في شهر يونيو (حزيران) وصل إلى 1.7 في المائة نتيجة الخطط التقشفية المتبعة في دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي. فالطلب تراجع في منطقة اليورو وحدها بمعدل 4.9 في المائة، فيما تقدم في الدول الأخرى بمعدل 0.6 في المائة. وهذه التقارير تشكل خطرا على المستشارة الألمانية التي ستترشح لولاية ثانية العام المقبل. وتعتزم الأحزاب المنضمة إلى الائتلاف الحكومي بالاشتراك مع حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الدفع في اتجاه إجراء استفتاء حول المستقبل السياسي لأوروبا وملف الديون الخاصة بدول منطقة اليورو، باعتبار أن نقل السيادة إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي ينتهك دستور البلاد. وقال زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي في بافاريا هورست سيهوفر «يجب أن نترك المواطن ليقرر، حانت تلك اللحظة للبت في أمر ديون منطقة اليورو»، وذلك في تصريحات أدلى بها أمس لصحيفة «دي فيلت». ويرى سيهوفر أنه في حال تقرر إصدار سندات يورو أو شكل آخر من أشكال المسؤولية المشتركة فيما يخص الديون، وكذا توسيع نطاق الاتحاد الأوروبي، فيجب أن يخضع ذلك لرأي الشعب أولا. تجدر الإشارة إلى أن احتمالية إجراء الاستفتاء ستؤدي إلى تنفيذ تعديل دستوري حيث إن الدستور الألماني لا يقر إجراء استفتاءات شعبية على ملفات هامة تتعلق بأوروبا من جانبه أعرب وزير الاقتصاد الألماني، فيليب روسلر، أمس عن إحباطه جراء غياب أي تقدم ملحوظ في الإجراءات المطبقة باليونان، مشيرا إلى أن أثينا لم تستغل بشكل جيد «العروض» التي قدمتها برلين للخروج من الأزمة. وقال روسلر في حوار مع جريدة «فوكاس» إننا «عرضنا مع قطاع الصناعات الألماني تقديم دعم موسع لحكومة أثينا، ولكن الطرف اليوناني لم يستغل الفرصة». يذكر أن الوزير تسبب منذ عدة أسابيع في حالة من الجدل بعد تصريحات قال فيها إن خروج اليونان من منطقة اليورو لم يعد أمرا «مفزعا». وفسرت تصريحات المسؤول حينها على أساس أنها محاولة لزيادة الضغط من جانب برلين على اليونان، بل وتمهيد لخطة للإطاحة بها خارج منطقة اليورو. ومن ناحيته دعا وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله في تصريحات لجريدة «بيلد أم سونتاج» اليونان لتنفيذ تعهداتها لترويكا الجهات الدائنة المكونة من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي وقالت المفوضية الأوروبية ببروكسل، إن فريق الترويكا الذي يضم موظفي المفوضية والمصرف المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي اختتم زيارة إلى اليونان خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وبحسب بيان صدر عن الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، فإن وفد الترويكا بحث مع السلطات الجديدة في أثينا السياسات الاقتصادية اللازمة لتحقيق النمو واستعادة القدرة التنافسية مع ضمان وضع مالي مستقر ودعم الثقة في القطاع المالي بما يتماشى مع برنامج متفق عليه بين اليونان والمؤسسات الثلاث، وتستفيد بموجبه أثينا من مساعدات مالية، وأشار البيان الأوروبي إلى أن المناقشات بين الترويكا والمسؤولين اليونانيين دارت حول تنفيذ برامج إنتاجية وجرى الاتفاق بين الجانبين على تعزيز الجهود الرامية لتحقيق هذه الأهداف، والتزمت السلطات اليونانية بالمضي قدما وبعزم في عملها، وسيعود فريق الترويكا إلى أثينا مطلع الشهر المقبل لاستئناف المفاوضات.

وشهدت منطقة اليورو في شهر أغسطس (آب) تراجعا في ثقة المستهلك للشهر الخامس على التوالي لتبلغ ناقص ثلاثين، ما يشكل أدنى معدل منذ ثلاث سنوات. ويعود التراجع إلى القلق من مصير منطقة اليورو في ظل أزمة الديون، لكن المحللين يعتقدون أن تصريح رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي بأنه قد يشتري سندات للخزينة خفف من الأضرار.