هل الطموح السياسي لمسؤول وراء اتهام بنك «ستاندارد تشارترد» بغسل أموال إيرانية؟

يعتقد أن بنجامين لوسكاي يفكر في الترشح لمنصب حاكم نيويورك

بنجامين لوسكاي، كبير مسؤولي تنظيم القطاع المصرفي بنيويورك (نيويورك تايمز)
TT

في عشية اليوم الذي وجه فيه بنجامين لوسكاي، كبير مسؤولي تنظيم القطاع المصرفي بنيويورك، اتهامات لمصرف بريطاني بغسل أموال، تحدث لوسكاي مع ممثل الادعاء العام لمانهاتن. لقد أراد لوسكاي، الذي كان محاميا عاما في الماضي، تحذير ممثل الادعاء العام لمانهاتن، ساريس فانس، من أن تتسبب أفعاله في انفجار. ورغم إجراء مكتب فانس وعدد من الهيئات الفيدرالية، بما فيها وزارة العدل ومصرف الاحتياطي الفيدرالي، تحقيقا مع مصرف «ستاندارد تشارترد»، لم يحتمل لوسكاي الانتظار وقرر اتخاذ موقفا هجوميا وحده، بحسب مصادر مطلعة على الأحاديث.

ويشبه لوسكاي، بالنظر إلى اتهاماته للمصرف بتغطية تعاملات قيمتها 250 مليار دولار تشمل تعاملات مع إيران، إليوت سبيتزر، الذي واجه انتقادات لاذعة ومديحا كبيرا بصفته ممثل الادعاء العام لنيويورك بسبب إجراءاته العدائية تجاه «وول ستريت» واتجاهه نحو تهميش السلطات الفيدرالية. كذلك يشبه لوسكاي في توجهاته رئيسه السابق الحاكم أندرو كومو، الذي تولى قضايا تصدرت عناوين الصحف عندما كان ممثل الادعاء العام للولاية، بينما كان لوسكاي مساعده. وكما فعل سبيتزر، أثار لوسكاي حنق السلطات الفيدرالية في واشنطن التي تقول إن مسؤول التنظيم المصرفي في الولاية يتعدى على نطاق صلاحياتهم بل وبالغ في الأمر. وأثار لوسكاي، البالغ من العمر 42 عام، وولد في قاعدة بحرية في سان دييغو، زوبعة عالمية، بينما ندد بعض السياسيين في لندن، حيث يقع مصرف «ستاندارد تشارترد»، بأفعاله واصفين إياه بمسؤول تنظيم ناشئ يصر على تقويض المصارف البريطانية.

ويرى بعض المسؤولين الذين يحققون مع المصرف أن الدافع وراء الخطوة التي اتخذها لوسكاي هو الطموح السياسي، حيث يشكون في أنه يفكر في الترشح لمنصب الحاكم في يوم من الأيام. وليؤكدوا ذلك أشاروا، هم وآخرون، إلى النبرة التي هاجم بها لوسكاي المصرف، حيث وصفه بـ«المارق»، وزعم أنه يسعى إلى جني مئات الملايين من الدولارات بأي ثمن، وأنه تورط في تعاملات ساعدت بما لا يدع مجالا للشك في الحفاظ على مصدر تهديد عالمي للسلام والاستقرار.

مع ذلك، أشاد البعض بعدوانية لوسكاي باعتبارها التغيير المنشود من أجل حث جهات التنظيم الفيدرالية التي يسخر من بطء ردود فعلها وإجراءاتها. وأشاد بيل دي بلاسيو، ممثل الادعاء العام لمدينة نيويورك، بلوسكاي يوم الخميس، حيث صرح قائلا: «نحن بحاجة إلى منظمين مثل بنجامين لوسكاي يتمسكون بالقانون ويرفضون السكوت عن أي وضع خطير».

قال جون كوفي، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا والخبير في الأوراق المالية و«وول ستريت»، في مقابلة، إن لوسكاي كان «غير صبور كعادة مسؤولي التنظيم في الولاية الذين يسعون إلى الاستفزاز».

وسيتضح ما إذا كان لوسكاي سيستمر في توجهه في ما يتعلق بمصرف «ستاندارد تشارترد» أم سيتجه نحو التسوية مع المصرف من طريقة تعامله خلال مواجهته للمصرف يوم الأربعاء. لقد أصدر لوسكاي أمرا للمصرف بالتوجه إلى مكتبه في إدارة الخدمات المالية في العاشرة صباحا، لكن قال متحدث رسمي إن المكتب لم يحدد بعد ما إذا كانت الجلسة المبدئية للمصرف علنية أم سرية. ورفض لوسكاي التعليق على هذا الأمر.

وتجري وزارة الخزانة، التي تعد من الجهات الفيدرالية التي تحقق مع المصرف، محادثات مستمرة مع كل الأطراف ذات الصلة التي تشرف على تعاملات مصرف «ستاندارد تشارترد»، على حد قول مسؤول إعلامي رفض الإفصاح عن مزيد من التفاصيل الخاصة بهذه المناقشات. ورفض سبيتزر التعليق على طموحات لوسكاي السياسية المحتملة، لكنه أوضح أن اتخاذ إجراء منفرد من جانبه أمر مسبب للمشكلات.

وأوضح سبيتزر في مقابلة قائلا: «رغم كوني ممثل الادعاء العام للولاية الذي كثيرا ما تولى قضايا شعرت الهيئات الفيدرالية بوجه خاص أنها تقع ضمن اختصاصها، أشعر بالانزعاج من اختفاء الهيئات التي كانت تتعاون ظاهريا حتى اللحظة الأخيرة. ينبغي على الهيئات التي تتعاون معا كفريق واحد أن تبذل قصارى جهدها للعمل كفريق واحد». ويشك بعض مسؤولي وزارة الخزانة والهيئات الفيدرالية الأخرى في أن لوسكاي قد تسرع في حكمه على ممارسات المصرف بحسب مصادر مطلعة. ويشير الأمر الصادر من قبل لوسكاي إلى أن مصرف «ستاندارد تشارترد» اتفق مع الحكومة الإيرانية وأخفى عن المنظمين 60 ألف عملية مصرفية سرية تقدر بـ250 مليار دولار والحصول على مئات الملايين من الدولارات مقابل هذا.

وصرح المصرف مؤكدا أنه يرفض بشدة هذا الوضع وتصوير إدارة لوسكاي للحقائق بهذا الشكل. وصرحت بعض الهيئات الفيدرالية بأنها تعتقد أن قيمة التعاملات التي يرى المصرف أنه لم يلتزم بالقواعد خلالها قد تقترب من 14 مليون دولار. وأوضح المصرف أنه فوجئ بأنه يقدم البيانات المتعلقة بسنوات التعاملات إلى السلطات منذ عام 2012. وقال لوسكاي في اجتماع في شهر أبريل (نيسان) (نسيان)، بعد تحقيق أجراه مكتبه عن المصرف وكشف عن عدم الالتزام بقوانين غسل الأموال وسرية المصرف، إنه سيتخذ إجراء حتى ولو لم ينضم إليه أي من مسؤولي التنظيم الآخرين، وذلك بحسب مصادر مطلعة على المراجعة.

ويشرف لوسكاي على مكتب كان من بنات أفكار كومو، الذي دمج الإدارة المصرفية في إدارة التأمين عام 2011، ومنح الإدارة الجديدة سلطات موسعة، تجمع بين التنظيم والتطبيق في آن واحد. مع ذلك توضح الخطوة التي اتخذها لوسكاي ضد مصرف «ستاندارد تشارترد»، إلى جانب بعض الجهات في هذا المجال، أنه لا يزال له موضع قدم كمسؤول تنظيم بعد مغادرته منصب ممثل الادعاء العام.

وتتمتع الإدارة، التي تأسست في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، بسلطة أكبر من سلطة الإشراف على جهات التأمين والمصارف التابعة لجهة حكومية، حيث تمتد سلطاتها إلى فروع المصارف الأجنبية في نيويورك والمخرجات المالية بما فيها بطاقات الائتمان وقروض استرداد الضريبة. وتشرف الإدارة على نحو 4.400 مؤسسة بأصول تقدر بـ6.2 تريليون دولار تقريبا بحسب ما جاء على الموقع الإلكتروني للإدارة. وقد طلب لوسكاي بالفعل من جهات التأمين منح أكثر من 100 مليون دولار مستحقة لأسر أصحاب التأمينات المتوفين، وأرسل عددا هائلا من إخطارات الاستدعاء لمصارف، وضغط على مقرضين من أجل التوقف عن ممارسات استعادة الملكية المخالفة. ورغم ضغطه على جهات التأمين الصحي من أجل الإعلان عن الزيادة المقترحة في السعر، رأى بعض المسؤولين التنفيذيين في مجال التأمين أنه لطيف المعشر ويجيد الإنصات.

كان لوسكاي من أقرب مستشاري كومو خلال فترة ترشحه لمنصب حاكم الولاية عام 2010، وكان يتميز بلمسته الرقيقة بين مساعدي كومو الآخرين العدوانيين. وحصل لوسكاي، ومسقط رأسه بيتسبرغ ومن مشجعي فريق «ستيلرز»، على شهادة القانون من جامعة كولومبيا، وبدأ حياته المهنية في واشنطن محاميا في القسم المدني بوزارة العدل، ثم كبير مستشاري عضو مجلس شيوخ عن الحزب الديمقراطي، تشارلز شومر، لشؤون اللجنة القضائية في المجلس. وعمل بصفته ممثل للادعاء العام الفيدرالي لنيويورك تحت قيادة 4 ممثلين للادعاء العام في المنطقة الجنوبية من نيويورك، وتولى قضايا متنوعة منها قضايا في التجارة والإرهاب والجريمة المنظمة. وتعلم كيفية إحراز التقدم في وقت قصير في قضايا غير مسبوقة إلى حد كبير، بحسب ما أوضحت مصادر عملت معه. وأشاد مايكل غارسيا، الذي تولى رئاسة الإدارة منذ عام 2005، بلوسكاي لقدرته على التوقع بمهارة الموضع الذي يمكن أن يلعب فيه تطبيق القانون دورا فاعلا. وكان لوسكاي مساعد خاص لكومو في مكتب ممثل الادعاء العام للولاية وأشرف على تحقيقات مهمة من بينها التحقيق في العلاقة بين المقرضين ومكاتب المساعدات المالية الجامعية، وكذلك تحقيق في مكافآت «وول ستريت». مع ذلك لا يعد لوسكاي مثل شخص مثير للمشكلات بحسب بعض الأشخاص الذين عملوا معه خلال حياته المهنية.

وقال دانييل فرينش، ممثل الادعاء العام الأميركي السابق، الذي تعامل مع لوسكاي لسنوات كثيرة: «نحن لا نوافق على ذلك، لكنني دائما أرى أنه عقلاني وعميق التفكير ومدرك لسلطة منصبه».

* شارك إدوارد وايت في إعداد هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»