خبير اقتصادي: دروس خطط الإنقاذ السريعة في أميركا يمكن أن تفيد أوروبا

يعتقد أن أوروبا تواجهها تحديات تفوق تلك التي واجهتها أميركا

TT

يرى الخبير الاقتصادي لي ساكس، الرئيس التنفيذي لشركة «آلاينس بارتنرز»، والمستشار السابق لوزير الخزانة، ورئيس فريق الاستجابة للأزمة المالية في إدارة أوباما، أن أحدث الالتزامات التي قدمها القادة الأوروبيون، بالقيام بما يلزم للقضاء على الأزمة المالية والحفاظ على اليورو، مشجعة. والآن ينبغي عليهم أن يتبعوا هذه الكلمات بأفعال محددة.

يعتقد ساكس أن القاعدة الأولى لإدارة أزمة مالية تؤكد على أن الاستجابة المبكرة والشاملة والقوية، لها نتائج أفضل على الاقتصاد والأسر ودافعي الضرائب. وكما تعلمنا في الولايات المتحدة، غالبا ما تكون الخطوات الضرورية مؤلمة ولا تحظى بشعبية. لكن كما تعلمنا في أوروبا، عادة ما تكون النتائج المترتبة على الاستجابة المتأخرة والهزيلة أسوأ بكثير.

في الولايات المتحدة عملت إدارتان بالتنسيق مع الكونغرس والاحتياطي الفيدرالي لإخماد الحرائق المالية بين عامي 2008 و2009. وتحرك قادة السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة بسرعة وقوة لتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي وإعادة فتح أسواق الائتمان المجمدة والتخفيف من النتائج المترتبة على خفض الديون العالمية بسلسلة من البرامج المالية. وعلى الرغم من النفقات الأولية، وإثبات هذه الاستثمارات لجدواها، استرد معظم دافعي الضرائب استثماراتهم.. اقترنت برامج الاستثمار المالي هذه بسياسة مالية ونقدية قوية لدعم النمو.

لكن أيا من هذه التدابير لا تنجح بمفردها، فقد كانت كل منها تعزز الأخرى، حيث ساعدت جميعها في نزع فتيل الأزمة وساهمت في تفادي كساد ثان كبير. لا يزال لدى صانعي السياسة هنا الكثير من العمل لتعزيز الاقتصاد ونمو فرص العمل. لكننا إن فشلنا في التصرف أو أجلنا الخيارات القوية والحتمية التي ينبغي علينا اتخاذها خلال الأزمة، فمن المتوقع أن تختفي مئات الآلاف من الشركات، وستفقد ملايين العائلات وظائفها ومنازلها وستضيع مليارات الدولارات من المدخرات.

وحتى اليوم لا يزال الكثير من هذه البرامج غير شعبي إلى حد بعيد بسبب التصور الخاطئ بأن استقرار وول ستريت كان الهدف الرئيسي، لا كوسيلة لحماية وول ستريت.

في بداية عام 2009، أخضعت واشنطن أضخم مصارفها لاختبارات تحمل دقيقة لتقييم مدى سلامتها. وعبر هذه الشفافية والثقة التي خلفتها أعاد مستثمرو القطاع الخاص - لا دافعو الضرائب - رسملة المصارف بحيث تمتعت بالقدرة على تقديم قروض جديدة. وبمساعدة المصرف الفيدرالي أزلنا العوائق من النظام المالي حتى يتمكن الائتمان من استعادة التدفق.

هذه الروابط بين هذه السياسات والأفراد الذين سيتأثرون بها لم تفهم على نحو جيد كما حدث مع إنقاذ صناعة السيارات، والتي أنقذت ما يزيد على مليون وظيفة، أو إعادة تمويل رهن عقاري وبرامج تعديل التي ساعدت في الحفاظ على ملايين العائلات والأسر. بيد أنها ليست أقل تبعية.

واليوم يمكن للآباء الذين يجهزون للتسوق لعودة أبنائهم إلى المدرسة الحصول على بطاقة ائتمانية. ويمكن للعائلات التي ترغب في شراء سيارة الحصول على القرض لشرائها. ويمكن لمالكي المنازل المحتملين تأمين الرهن العقاري. ويمكن للشركات التي تتطلع إلى استخدام مزيد من الموظفين والتوسع العثور على تمويل لتسديد رواتب موظفيها والاستثمار. كل هذه الموارد من الائتمان كانت ستكون أكثر صعوبة - وربما مستحيلة في كثير من الحالات - في الوصول إليها إذا ما سمح لنظامنا المالي بالانهيار.

وبحسب الخبير ساكس فلو كنا قد أملنا فقط بأن تنتهي الأزمات المالية من تلقاء نفسها أو اتخذنا خطوات تتزايد بالتدريج انطلاقا من خوفنا من رد الفعل السياسي، لألحقنا مزيدا من الضرر بالأسر والشركات والمؤسسات التي كنا نحاول دعمها. وفي حالة ما إذا كنا قد سمحنا لموجة الغضب العام، مع كونها مبررة، أن تملي علينا سياستنا العامة، لما أمكننا أن ننقذ اقتصادنا بشكل سريع.

تقدم أوروبا درسا جيدا في الإضرار بالمواطنين العاديين برد فعل غير مناسب تتخذه تجاه أزمة. إن اقتصادات منطقة اليورو تعاني من جمود أو تقلص، بينما استمر اقتصاد الولايات المتحدة في النمو على مدار ثلاثة أعوام متواصلة. لقد خسرت منطقة اليورو وظائف منذ مطلع عام 2010، في الوقت الذي زادت فيه الشركات في الولايات المتحدة عدد العاملين بنحو أكثر من 4.5 مليون عامل خلال الـ29 شهرا الأخيرة.

وتبدو المقارنة صارخة بصورة أكبر في المناطق التي كانت فيها الأزمة أكثر حدة. انظر إلى تأثير رد فعل أوروبا تجاه إسبانيا، تلك الدولة التي تنبع مشكلاتها بدرجة كبيرة من النوع نفسه من الانهيار في سوق إسكانها التي مررنا بها هنا. وفي إسبانيا، انخفض معدل الإقراض للشركات والمؤسسات بنسبة 7 في المائة خلال العامين الماضيين واستمر في الانخفاض، بينما ارتفع معدل الإقراض للشركات والمؤسسات في الولايات المتحدة إلى أكثر من 15 في المائة منذ ذلك الحين وهو آخذ في الارتفاع.

انخفض حجم مبيعات السيارات الإسبانية بنسبة 13 في المائة في الربع الثاني مقارنة بعام مضى، بينما سجلت مبيعات السيارات الأميركية ارتفاعا نسبته 16 في المائة. وهناك أكثر من واحد من بين كل أربعة إسبانيين عاطل عن العمل. لقد هبط معدل البطالة في الولايات المتحدة، بينما لا يزال مرتفعا مسجلا نسبة 8.3 في المائة، من 10 في المائة في أواخر عام 2009.

مما لا شك فيه أن القادة الأوروبيين يواجهون تحديات اقتصادية وسياسية تفوق تلك التي واجهناها في الولايات المتحدة، وتتطلب حلولها إجماع العديد من الحكومات – وليس فقط حكومة واحدة. وليست خياراتهم سهلة، لكنها لن تصبح أيسر، كلما طالت مدة انتظارهم، كما أنها لن تحل من تلقاء نفسها. سوف يتمثل ثمن المزيد من التأجيل في ارتفاع مستمر في معدل البطالة وتفاقم الركود وتحميل دافعي الضرائب تكاليف أكبر.

ويعتقد ساكس أنه في نهاية المطاف، سوف تجبر الظروف المتدهورة القادة الأوروبيين على اتخاذ إجراء. أو يمكنهم اتخاذ إجراء بطريقتهم الخاصة من خلال التحرك بشكل سريع وحاسم وشامل لاتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الأمر.