أسعار النفط في أعلى مستوياتها وسط مخاوف الحرب وآمال «التحفيز»

بسبب المضاربات ومراهنة المستثمرين على التحفيز

TT

تواصل أسعار النفط الارتفاع مع مراهنة المستثمرين على أن السيولة المتاحة لدى البنوك المركزية ستدعم قريبا السوق التي تنتابها مخاوف من اندلاع حرب في الشرق الأوسط والقلقة بشأن إمدادات بحر الشمال، لكن يبدو أن موجة الصعود هذه تضخمها بشكل متزايد التكهنات التي تنطوي على مضاربة.

وارتفع النفط بنحو الثلث في 6 أسابيع في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي، وبالتالي الطلب على الوقود، من الضعف الشديد. وتفترض أسعار النفط الحالية أن مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) سيطلق جولة جديدة من التيسير النقدي لتحفيز الاقتصاد، أو أن الحرب الكلامية بين إسرائيل وإيران ستؤدي إلى صراع أو أن مشكلات الإنتاج في بحر الشمال ستدوم لفترة طويلة، لكن لا يوجد بين تلك العوامل رهان آمن، وإذا تلاشت فقد يتراجع سعر النفط بشكل حاد. وقال كارستن فريتش، المحلل لدى «كومرتس بنك» الألماني في فرانكفورت لـ«رويترز»: «السوق تنفصل عن العوامل الأساسية. جانب كبير من القوة يستند إلى عوامل مثل زيادة التحفيز الاقتصادي الأميركي.. وهي غير مضمونة بالمرة».

وسجل خام برنت 115 دولارا للبرميل يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى في 3 أشهر وأعلى بنسبة 30 في المائة عن مستواه في نهاية يونيو (حزيران).

وكان النفط قد ارتفع إلى أعلى مستوى على الإطلاق بلغ 147 دولارا في منتصف 2008 قبيل أزمة الائتمان التي دفعت الأسعار للانخفاض إلى 36 دولارا بعد 6 أشهر فقط. والأسعار حاليا أعلى بكثير من تكلفة الإنتاج من معظم الحقول الجديدة في العالم التي تتراوح بين 50 و80 دولارا للبرميل، وهو مستوى يعتقد أنه قاع طبيعي لأسعار الخام.

ومن بين العوامل الداعمة للأسعار المخاوف من انخفاض إنتاج بحر الشمال بسبب عمليات صيانة مزمعة ستؤدي إلى خفض الإنتاج في سبتمبر (أيلول) بنسبة 17 في المائة من حقول بريطانية ونرويجية. ويقول تجار إن السوق الفورية لنفط بحر الشمال قد تواجه شحا لفترة قصيرة إذا فاق الطلب على بعض الخامات المعروض، لكن من المرجح اكتمال أعمال الصيانة بسرعة كبيرة واستئناف الإمدادات بعد ذلك.

ودعم الخطاب العدائي بين إيران وإسرائيل السوق أيضا. وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، وقال يوم الأحد إن معظم التهديدات لأمن بلاده تتضاءل أمام احتمال امتلاك إيران قنبلة ذرية. وشددت واشنطن العقوبات على إيران وتسعى لزيادة الضغط الدبلوماسي الدولي لكبح طموحات طهران النووية.

وهدد زعماء إيرانيون بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو خُمس صادرات النفط العالمية المحمولة بحرا إذا هوجمت بلادهم. ومع وجود حاملات الطائرات الأميركية على مقربة لا يمكن إغلاق مضيق هرمز طويلا. وشبه المؤكد أن محاولة إغلاق المضيق لا تفيد إيران إذ تعبره صادراتها من النفط وسلع أخرى أيضا.

وقال صامويل جيزوك، محلل الشرق الأوسط لدى «كيه بي سي إنرجي إيكونوميكس»: «لا توشك إيران على إغلاق (مضيق) هرمز. ثمة مبالغة كبيرة في المخاوف حيال نشوب حرب بين إيران وإسرائيل». وقد تكون التوترات في الشرق الأوسط داعما للنفط من الناحية النفسية إلا إن تحركا من جانب البنك المركزي الأميركي قد يكون له تأثير بالغ على ميزان العرض والطلب.

ومنذ أواخر عام 2008 اشترى البنك أوراقا مالية طويلة الأجل بقيمة 3.‏2 تريليون دولار في محاولة لتحفيز النمو وتنشيط الاقتصاد من خلال ضخ مليارات في أسواق الأصول بشكل غير مباشر وضخ سيولة ضخمة في أسواق النفط والسلع الأولية. وخلال الجولة الأولى من التيسير الكمي من نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 إلى مارس (آذار) 2010 ارتفع سعر النفط لأكثر من مثليه، وخلال الجولة الثانية بين نوفمبر 2010 ومارس 2011 ارتفع بمقدار الثلث.

ويقول «بنك أوف أميركا ميريل لينش» إن تيسيرا نقديا بما قيمته 600 مليار دولار في سبتمبر قد يقود لارتفاع حاد في أسعار السلع الأولية.

وقال محللون في «ميريل لينش» في مذكرة: «على الأرجح سترتفع أسعار النفط 14 في المائة في حالة إطلاق جولة ثالثة من التيسير الكمي».

ولكن إعلان البنك عن جولة ثالثة من التيسير الكمي ليس مؤكدا. وقال جيم أونيل، رئيس وحدة إدارة الأصول في «غولدمان ساكس» في مذكرة يوم الاثنين، إنه لا يرى داعيا لتعجل مجلس الاحتياطي الاتحادي إطلاق جولة أخرى من التيسير الكمي. وتابع: «تحسنت الأوضاع المالية في الولايات المتحدة كثيرا. لا تحقق الولايات المتحدة نموا مطردا، ولكن تبدو مبررات مزيد من التيسير الكمي في الوقت الراهن مثار خلاف كبير». وقال دين ماكي الاقتصادي لدى «باركليز كابيتال» في نيويورك: «لا نرى سببا مقنعا لجولة ثالثة من التيسير الكمي في سبتمبر». وفي غياب العوامل الـ3 الداعمة للأسعار - بحر الشمال أو حرب في الشرق الأوسط أو تيسير كمي - تبدو العوامل الأساسية للعرض والطلب ضعيفة.

وتقول المؤسسات الثلاث الرئيسية التي تصدر توقعات خاصة بصناعة النفط ومن بينها وزارة الطاقة الأميركية إن الإنتاج العالمي يفوق الطلب بفارق كبير حتى مع الحظر المفروض على النفط الإيراني مما يعزز مخزونات الخام ويتيح فائضا هائلا لمواجهة أي صدمة غير متوقعة في الإمدادات.

وقال ديفيد هفتون، العضو المنتدب لشركة «بي في إم أويل أسوسيتس» للسمسرة: «ترسم التوقعات صورة ضعيفة جدا لسوق النفط».

وعلى الرغم من ذلك تزايدت شهية المستثمرين للنفط باطراد، إذ يرفع مضاربون صافي تعرضهم للعقود الآجلة للنفط والخيارات على جانبي الأطلسي. وتظهر بيانات من لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأولية في الولايات المتحدة وبورصة إنتركونتننتال أن صافي المراكز الدائنة لبرنت والخام الأميركي نما على الرغم من تراجع المراكز المفتوحة على مدى 3 أشهر وأحجام تداول ضعيفة.

وقال فريتش من «كومرتس بنك» إن هذا سيجعل الهبوط أكثر حدة إذا حدث. وتابع: «إذا لم يعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي عن جولة جديدة من التيسير الكمي هذا الشهر، فمن المرجح أن تهبط سوق النفط. ثمة آمال عريضة لدرجة تنذر بمخاطر كبيرة».