مدعون أميركيون يحققون مع بنوك عالمية في تحويل أموال لإيران والسودان

عبر فروعها في أميركا رغم العقوبات المفروضة عليهما

TT

يجري مدعون عامون فيدراليون وبالولايات تحقيقات مع «دويتشه بنك» والكثير من البنوك العالمية الأخرى بشأن اتهامات مفادها أنها تقوم بتحويل مليارات الدولارات عبر أفرعها الأميركية لإيران والسودان وغيرها من الدول الأخرى المفروض عليها عقوبات، بحسب مسؤولي إنفاذ القوانين الذين لديهم معلومات عن القضايا.

غير أن الصدام الأخير الذي حدث بين أكبر منظم مصرفي في نيويورك والسلطات الفيدرالية حول كيفية التعامل مع قضية مماثلة مقامة ضد البنك البريطاني «ستاندرد تشارترد» قد يزيد من تعقيد التحقيقات.

ولدى المدعون العامون بالولايات المتحدة مخاوف من أن تبعث التسوية التي تمت بين منظم نيويورك المصرفي، بنجامين لاوسكي، وبنك «ستاندرد تشارترد» رسالة إلى البنوك الدولية والمنظمين الدوليين مفادها أن السلطات الأميركية غير منسقة وتمزقها الانقسامات - منذ أن اتخذ قراره بشكل مستقل بإسقاط الاتهامات وتسوية القضية. إضافة إلى ذلك، فإنهم يخشون أن تتوقف البنوك الأجنبية والمنظمون عن التعاون في تسليم بيانات عن ذلك التعامل القيم والتي تكشف عن الأطراف الخفية وراء التحويل العالمي للأموال القذرة، بحسب المدعين العامين الفيدراليين والمدعين العامين بالولايات الذين لم يكن مخولا لهم مناقشة التحقيقات بشكل علني.

الآن، تناقش السلطات المعنية في وزارة العدل ومكتب النائب العام بمقاطعة نيويورك مدى التعمق الذي يجب أن تكون عليه مشاركة مكتب لاوسكي في التحقيقات. وقال متحدث باسم لاوسكي إن الإدارة «سوف تمضي في التعاون والعمل مع شركاء إنفاذ القوانين خاصتنا على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات».

ويعتبر تحقيق «دويتشه بنك» هو الأخير في سلسلة قضايا مقامة ضد الشركات المالية الدولية منذ عام 2009 والتي تشير إلى أن ممارسة تحويل الأموال بالنيابة عن بنوك وشركات إيرانية قد زادت بسبب ثغرة في سياسة الولايات المتحدة انتهت عام 2008.

من جانبه، رفض متحدث باسم «دويتشه بنك» التعليق، لكنه أشار إلى أن البنك الألماني قد قرر في عام 2007 «عدم المشاركة في تعاملات جديدة مع نظرائه في دول مثل إيران وسوريا والسودان وكوريا الشمالية والخروج من التعاملات الحالية إلى النطاق المسموح به قانونا».

منذ عام 2009، وجهت وزارة العدل ووزارة الخزانة ومكتب النائب العام في مقاطعة مانهاتن، وهي الجهات التي تعمل بشكل كبير بالتنسيق مع بعضها، اتهامات ضد خمسة بنوك أجنبية، تدعي فيها أنها قامت بتحويل مليارات الدولارات عبر أفرعها الأميركية لصالح إيران وكوبا وكوريا الشمالية، رعاة الإرهاب وتجارة المخدرات.

وقد شملت القضايا المرفوعة ضد البنوك الخمسة اتفاقات لتأجيل القضايا وألزمت البنوك - «إيه بي إن أمرو» و«باركليز» و«كريدي سويس» و«لويدز» ومؤخرا «آي إن جي» - بمصادرة كم كبير من الأصول.

يذكر أن القضايا لم تشمل بنوك الولايات المتحدة. على عكس المؤسسات الأجنبية، منعت البنوك الأميركية من بدء تلك المعاملات أو تلقيها من إيران. وهذا مكنها إلى حد كبير من تفادي السلوك الذي قد ساهم في توريط البنوك الأجنبية.

لقد كان لاوسكي، الذي ادعى أن بنك «ستاندرد تشارترد» قد تآمر مع إيران لما يقرب من عقد من أجل تحويل مبلغ قيمته 250 مليار دولار سرا عبر فرعه في نيويورك، حازما في قراره باتخاذ إجراء ضد «ستاندرد تشارترد». وقد لقي دعما من هؤلاء الذين يرون أن المدعين العامين الفيدراليين كانوا متساهلين بدرجة مبالغ فيها مع البنوك الكبرى.

ويرى السيناتور كارل ليفين، الديمقراطي عن ولاية ميتشيغن، الذي عقد جلسات استماع الشهر الماضي تم كشف النقاب فيها عن انتهاكات غسيل أموال من جانب بنك «إتش إس بي سي» لصالح إيران والمكسيك ودول أخرى، أن إجراءات لاوسكي تعزز التنظيم ولا تقوض سياسات البنوك الدولية.

وقال ليفين، الذي يرأس اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات بمجلس الشيوخ، في بيان هذا الأسبوع: «إجراء نيويورك التنظيمي يبعث رسالة قوية مفادها أن الولايات المتحدة لن تقبل أن تسمح البنوك الأجنبية لدول مؤذية مثل إيران بإمكانية التعامل السري في النظام المالي الأميركي».

ولا يزال التحقيق في تعاملات «دويتشه بنك» في مراحله الأولية، بحسب مسؤولي إنفاذ القوانين. وحتى الآن، ليس ثمة أدنى شك في أن البنك قد قام بتحويل أموال بالنيابة عن عملاء إيرانيين من خلال عملياته الأميركية بعد عام 2008، بحسب المسؤولين.

وفي القضايا السابقة، اتفقت البنوك على تسويات مالية مع المدعين العامين مقابل 619 مليون دولار مع بنك «آي إن جي» في يونيو (حزيران). وتعتبر القضايا أيضا مهمة، على حد قول المدعين العامين، نتيجة للمجموعة القيمة من التعاملات التي تم اكتشافها. بعدها، يمكن تمرير المعلومات، بما فيها هوية العملاء الذين قاموا بتحويل الأموال عبر البنوك، إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية.

حتى عام 2008، كان مسموحا للبنوك الأجنبية، في إطار ثغرة في العقوبات، بتحويل أموال لإيران عبر أفرعها الأميركية إلى مؤسسة خارجية منفصلة، مع تزويد وحداتها في الولايات المتحدة بأقل قدر من المعلومات عن العميل، ما داموا قد أجروا فحصا دقيقا للتعاملات للوقوف على أي نشاط مريب. نتيجة لذلك، يتعين على وكالات إنفاذ القوانين الضغط من أجل الحصول على قدر أكبر من المعلومات من البنوك الأجنبية.

للحصول على بيانات غير خاضعة لرقابة، تعمل السلطات عن كثب مع المنظمين الدوليين والبنوك الدولية من أجل فحص قوانين الخصوصية وسرية البنوك الأوروبية. ومن الممكن أن تعرقل القوانين مسار أي قضية بشكل جوهري، مثلما حدث أثناء التحقيقات الخاصة بالتهرب الضريبي ضد البنوك السويسرية. كانت البيانات المتعلقة بالتعاملات، في بعض قضايا البنوك الدولية السابقة، منقحة بدرجة كبيرة جدا إلى حد أن السلطات تحدثت ساخرة قائلة إنها بدت مثل «جبن سويسرية».

وقال المدعون العامون إن سرعة الحصول على البيانات تعتمد على مستوى الثقة والتعاون.

على سبيل المثال، في حالة «كريدي سويس»، عمل منظمون من مجلس الاحتياطي الفيدرالي ومدعون عامون معا لأشهر من أجل إقناع البنك السويسري ومنظميه بالكشف عن البيانات كاملة، وهو مطلب على درجة خاصة من الحساسية بسبب القوانين السويسرية التي تفرض إجراءات حماية مشددة على المعلومات الخاصة بالعملاء، حسبما أفاد مسؤولو إنفاذ القوانين. ومن دون ذلك، كان من الممكن أن تستمر التحقيقات - التي أسفرت عن تسوية قيمتها 536 مليون دولار واتفاق لتأجيل القضية - لفترة أطول، حسبما ذكرت السلطات.

وقال نيل باروفسكي، المفتش العام السابق لصندوق إنقاذ البنوك التابع لوزارة الخزانة، إن المخاوف من عدم تعاون البنوك كانت هائلة لأنه كان «في مصلحتها التعاون من أجل تجنب المحاكم الجنائية والإبقاء على ترخيصهم».

وفي حالة بنك «ستاندرد تشارترد»، الذي ما زال يجري التحقيق معه من قبل وزارة الخزانة والنائب العام لمقاطعة مانهاتن، وجهات أخرى، بدأ التعاون منذ البداية تقريبا، عندما قام البنك في عام 2010 بمنح المسؤولين مجموعة رسائل بريد إلكتروني وغيرها من المستندات الداخلية الأخرى الخاصة بالبنك والتي تورد تفاصيل عن تعاملات للبنك مع إيران في الفترة من 2001 إلى 2007.

لم يجد المدعون العامون بعد أي تفاصيل عن عمليات تحويل أموال لمن يطلق عليهم اسم المواطنين المحددين لاعتبارات خاصة، وهو المصطلح الذي استخدمته وزارة الخزانة في الإشارة إلى الإرهابيين أو مهربي المخدرات أو الأفراد أو الشركات التي تملكها أو تديرها دول مفروض عليها عقوبات، حسبما أفاد مسؤولو إنفاذ القوانين.

وفي أمره القضائي الصادر يوم 6 أغسطس (آب) ضد بنك «ستاندرد تشارترد»، ادعى لاوسكي أن البنك «ترك النظام المالي الأميركي عرضة لخطر الإرهابيين وتجار الأسلحة وتجار المخدرات والأنظمة الفاسدة». وأفاد الأمر القضائي بأن البنك قام بتحويل أموال لحساب بنوك إيرانية مملوكة للدولة - ومن بينها البنك المركزي الإيراني وبنك «صادرات إيران» و«بنك ملي». وراودت المسؤولين الأميركيين شكوك مفادها أن إيران كانت تستغل تلك البنوك في تمويل أسلحة نووية وبرامج صواريخ.

وحتى الآن، ذكر المدعون العامون أنهم لم يكتشفوا بعد تعاملات مع تلك البنوك بعد أن تمت إضافة البنوك الإيرانية إلى قائمة المواطنين المحددين لاعتبارات خاصة. وأشار لاوسكي في أمره القضائي إلى أنه كان من المستحيل معرفة كيف تم استغلال الأموال لأن بنك «ستاندرد» قد قام عن عمد بانتزاع المعلومات الخاصة بهوية الأطراف المشاركة من التعاملات.

ومع استمرارهم في مواصلة التحقيقات ضد البنوك الدولية، ما زال المدعون العامون الفيدراليون والمدعون العامون للولايات يحاولون الوقوف على كيفية العمل مع لاوسكي، الذي تولى إدارة الوكالة المصرفية بعد تجديدها في عام 2011. في الماضي، عملت الإدارة المصرفية بنيويورك جنبا إلى جنب مع المدعين العامين الفيدراليين والمدعين العامين للولايات، لكنها لم تحصل على حصتها من الأموال التي تمت مصادرتها.

* خدمة «نيويورك تايمز»