سوريا في بحث محموم عن صفقات النفط

للمحافظة على دوران عجلة الاقتصاد بعد العقوبات التي فرضها الغرب

العقوبات الغربية أثرت بشدة على الاقتصاد السوري (أ.ف.ب)
TT

لندن أظهرت وثائق أطلعت عليها «رويترز» أن الحكومة السورية تتفاوض على صفقات مع شركات في لندن وسنغافورة والشرق الأوسط لبيع النفط الخام مقابل الوقود الذي تحتاجه للاستمرار في مواجهة احتجاجات دموية متزايدة.

وتسعى سوريا جاهدة للحصول على الديزل من أجل جيشها وشراء الوقود للمحافظة على دوران عجلة الاقتصاد بعد أن حرمتها العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من التعامل مع مورديها المعتادين. ومع تأثير العقوبات على الاقتصاد زادت أهمية الدخل الذي تحققه مبيعات النفط الخام.

وعلى الرغم من الدعم السياسي من قبل الصين وروسيا اللتين عرقلتا مرارا فرض الأمم المتحدة لعقوبات على سوريا وعارضتا التدخل العسكري لوضع نهاية للصراع نضبت موارد الرئيس السوري بشار الأسد من الوقود والسيولة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هذا الأسبوع إن «الحرب تكلف بشار نحو مليار يورو شهريا وتقل موارده بشكل متزايد. نعتقد أنه لم يبق أمامه سوى أشهر قليلة بدون مساندة من روسيا وإيران».

وأكد نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية قدري جميل، هذا الأسبوع أن سوريا حرمت بصورة كبيرة من إمدادات الوقود، إذ إن شحنات ديزل تصلها بشكل غير منتظم من إيران حليفتها الإقليمية الرئيسية لا تلبي إلا النذر اليسير من احتياجاتها وصفقات جديدة مع روسيا لم تستكمل بعد.

وأظهرت وثائق تجارية ومراسلات وسجلات شحن وأوراق أخرى أطلعت عليها «رويترز» كيف تسعى الحكومة السورية وراء صفقات النفط وتبرمها أحيانا وهي صفقات وإن لم تكن ضخمة فهي ضرورية لبقاء الحكومة في مواجهة الاحتجاجات.

وتشمل قائمة الشركاء التجاريين الجدد لسوريا شركات في بريطانيا ومصر ولبنان وجميعها دول تنتقد حملة الأسد لقمع المعارضة.

وفي إحدى الحالات تظهر الأوراق أن وسيطا لبنانيا يعمل نيابة عن الحكومة السورية وقع عقودا في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) مع شركة مصرية تتعلق بالتجارة في النفط الخام ومنتجات النفط المكررة ونجح بالفعل في توصيل بعض الشحنات.

وبينما لا يحظر على الشركات في الشرق الأوسط وآسيا التعامل مع السلطات السورية، يحجم كثيرون عن ذلك خشية أن ترتبط أسماؤها بحكومة قتلت قواتها آلاف المدنيين.

يقول صامويل سيزوك المحلل لدى «كيه بي سي» لاقتصادات الطاقة هناك حاجز أخلاقي بالنسبة لبعض اللاعبين الكبار بينما القتل مستمر. هذا بالفعل عامل مهم لشركات النفط العملاقة وبالنسبة لكثير من الشركات متوسطة الحجم.

وتوقفت واردات النفط السورية تقريبا بعد إدراج المؤسسة الوطنية المسؤولة عن توزيع الوقود على القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) لتمنع دمشق من الاستيراد من مورديها الأوروبيين المعتادين ومن بينهم «نافتومار» اليونانية و«جالاكسي جروب» في موناكو.

ويقول منتقدون إن الموردين الأجانب ريما يساعدون الأسد على التشبث بالسلطة لأنهم يمدون الأسر السورية باحتياجاتها الأساسية من الوقود وبالتالي يحولون دون وقوع أزمة إنسانية أكبر.

وقال أيهم كامل محلل الشرق الأوسط لدى «أوراسيا جروب»: الأسد سيستفيد من تلبية احتياجات سوريا من الطاقة بشكل ما.. سيجعله هذا قادرا على الاستمرار في الأجل القصير.

ويتجاوز تعطش سوريا لإمدادات الديزل احتياجات دبابات جيشها. فقد توقفت الصناعة والزراعة تقريبا مع نقص الوقود المطلوب لتشغيل المعدات.

وتظهر إحدى الوثائق أن شركة نفط مقرها لندن هي «أورورا فاينانس ليمتد» استأجرت ناقلة من شركة «مار لينك أوفشور سيرفيسيز» في يوليو لشحن 200 ألف طن من الديزل لسوريا.

وجاء الديزل من شركة «بتروناس» الماليزية الحكومية التي رفضت التعقيب على الصفقة.

وأكدت «مار لينك أوفشور سيرفيسيز» ولديها مكتب في سنغافورة أنها أبرمت صفقة لتؤجر الناقلة من الباطن لحساب «أورورا فاينانس» في منتصف يوليو لكنها نفت أن يكون الديزل لسوريا.

وذكر مايكل ليبرن مدير «مار لينك» في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه تم الاتفاق في البداية على أن تأجير الناقلة وشراء الوقود سيكون من أجل شحنات لتايلاند.

وقال ليبرن إن «أورورا» ألغت العقد في أواخر يوليو عندما رفضت «مار لينك» أن تغير ميناء التسليم إلى سوريا لأنها خارج النطاق المصرح للسفينة بالحركة فيه.

وأضاف ليبرن عبر «سكايب» الأسبوع الماضي: يسعدنا أن نمد سوريا بالوقود طالما كان ميناء التسليم آمنا وليس هناك عقوبات دولية.

ولم تتلق «رويترز» ردا على طلبات للحديث مع عملاء «أورورا» في ماليزيا والهند الذين تقول «مار لينك» إنهم أطراف في الصفقة.

وحققت خطط لاستيراد غاز البترول المسال قدرا أكبر من النجاح وهو نوع من الوقود يستخدم بشكل واسع في المنازل والشركات السورية لأغراض الطهي والتدفئة.

ووصلت 3 شحنات على الأقل تبلغ قيمتها نحو 10 ملايين دولار إلى سوريا في الأسابيع القليلة الماضية بينما ستصل أحدث شحنة إلى ميناء بانياس يوم الاثنين المقبل.

وتشير الوثائق التجارية والمراسلات التي فحصتها «رويترز» إلى أن شركة لبنانية تدعى «أوفرسيز بتروليوم تريدينج» (أو بي تي) أبرمت الصفقة نيابة عن وزارة النفط السورية.

وبدورها استعانت «أو بي تي» بشركة مصرية خاصة هي «تراي أوشن» للطاقة لتجلب المنتجات المطلوبة وتعثر على ناقلات البترول التي ترغب في التوجه إلى سوريا.

وأوضحت الوثائق أن «تراي أوشن» للطاقة وقعت اتفاقيات مع «أو بي تي» لمساعدتها في شراء وبيع النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة.

ونفت «تراي أوشن» توقيع صفقات مع «أو بي تي» للتجارة في النفط لكنها أكدت موافقتها على إمداد الشركة اللبنانية بشحنتين من غاز البترول المسال.

وقال علي طلبة مدير التداول في «تراي أوشن» للطاقة «ليس لدينا أي معلومات بأن هذه الشحنة متوجهة إلى سوريا أو بانياس»، مضيفا أنه تم الاتفاق على التسليم في موانيء لبنانية.

وقدمت «تراي أوشن» للطاقة تفاصيل عن رجل قالوا إنه عمل لصالح «أو بي تي» وكان وسيطا في الصفقة. مع ذلك لم يؤكد الرجل عندما اتصلت به «رويترز» أي علاقة له بشركة «أو بي تي» أو يجيب على أسئلة بشأن الصفقة وطلب من «رويترز» أن تعاود الاتصال به لاحقا.

ومن بين رسالتين بالبريد الإلكتروني أرسلتا إلى عنوانين مختلفين تم الحصول عليهما لشركة «أو بي تي» لم تتلق «رويترز» ردا على الرسالة الأولى وجاء الرد على الثانية كالتالي: «لا أفهم ما تتحدثين عنه وبالتالي لا أستطيع مساعدتك ولا يمكنني الرد بعد ذلك».

ولا تستهدف العقوبات الأميركية أو الأوروبية الشركات المصرية واللبنانية وبالتالي بإمكانها إبرام اتفاقيات مع سوريا.

وتكشف الوثائق إلى أي مدى تسعى الحكومة السورية إلى التغلب على عزلتها المتزايدة بعدما أصبحت أكثر اعتمادا عن ذي قبل على شحنات الوقود الأجنبية، إذ استهدف المعارضون المسلحون بنيتها التحتية الخاصة بالطاقة.

ومرت شهور كثيرة منذ أن وصلت آخر شحنات الوقود من روسيا بينما أرسلت فنزويلا آخر شحناتها من الديزل في مايو (أيار). ولم تقدم إيران سوى شحنتين فقط منذ بداية العام.

وسوريا ليست منتجا رئيسيا للنفط لكن إنتاجها الذي يبلغ 200 ألف برميل يوميا تقريبا وفقا لما قاله مسؤول سوري في وقت سابق هذا الشهر قد يدر ملايين الدولارات حتى لو بيع بخصم كبير عن أسعار السوق الحالية التي تبلغ 116 دولارا للبرميل تقريبا.

وتوقفت صادرات النفط والمنتجات النفطية السورية تقريبا بسبب العقوبات الدولية في سبتمبر (أيلول) 2011. وحتى الشركات التي ترغب في إبرام الصفقات التجارية مع سوريا تواجه صعوبات في معالجة مسألة المدفوعات إذ إن البنك المركزي السوري مدرج أيضا على القائمة السوداء.