مصر تطرح أذون خزانة بـ«اليورو» لأول مرة في تاريخها

البنوك تقلص من حجم أرصدتها في الخارج لتوظفها في الداخل

يعد هذا الطرح بالعملة الأوروبية الموحدة هو الأول على الإطلاق الذي تقوم به الحكومة المصرية
TT

في خطوة تعد الأولى من نوعها، طرحت الحكومة المصرية أمس أذون خزانة باليورو لأجل عام واحد بقيمة 400 مليون يورو، وتلقت طلبات من قبل البنوك والمؤسسات للحصول على تلك الأذون بقيمة 513 مليون يورو، ووصل العائد على تلك الأذون 3.25 في المائة، يأتي ذلك في الوقت الذي واصلت فيه البنوك المصرية سحب أرصدتها المستثمرة في الخارج لتصل إلى 74.9 مليار جنيه (12.3 مليار دولار) في نهاية شهر مايو (أيار)، بعد أن كانت 75.3 مليار جنيه (12.4 مليار دولار) في نهاية أبريل (نيسان).

ويعد هذا الطرح بالعملة الأوروبية الموحدة هو الأول على الإطلاق الذي تقوم به الحكومة المصرية، بعد أن قامت منذ نوفمبر (تشرين الماضي) من العام الماضي بطرح سندات وأذون خزانة بالدولار خمس مرات، كان آخرها في يونيو (حزيران) الماضي بقيمة 526 مليون دولار ووصل سعر الفائدة إلى 3.715 في المائة لأجل عام.

واكتتبت البنوك في الأذون باليورو بنفس الأسلوب المتبع في طروحات الأذون بالعملة المحلية، حيث يقوم كل بنك بتقديم عطائه للبنك المركزي موضحا فيه المبلغ الذي سيكتتب به في الأذون وسعر الفائدة الذي يطلبه، ويتم تجميع العطاءات لدى البنك المركزي لدراستها وقبول المناسب منها.

وقال محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الطرح يهدف إلى استيعاب سيولة البنوك العاملة في السوق المحلية من العملة الأوروبية، عقب قرار البنك المركزي الأوروبي خفض فائدة اليورو لما بين الصفر والـ0.75 في المائة ورفض البنوك الأوروبية قبل توظيفات المصارف المصرية لديها، بالإضافة إلى سعي الحكومة للحصول على سيولة بالنقد الأجنبي وبأسعار فائدة منخفضة لتلبية احتياجاتها وسداد التزاماتها الخارجية من النقد الأجنبي، خاصة في ظل تراجع احتياطي النقد الأجنبي.

وسجلت عائدات أذون الخزانة بالعملة المحلية مستويات مرتفعة، في ظل اعتماد الحكومة عليها لسد عجز موازنتها المتفاقم، وباعت الحكومة المصرية أذونا وسندات خزانة لآجال 3 و5 و7 و10 سنوات بقيمة 135.228 مليار جنيه خلال الربع الأخير من العام المالي 2011 - 2012، وتعتمد الحكومة على البنوك المحلية لبيع تلك الأذون.

ووصل العائد على آخر أذون خزانة بالعملة المحلية التي طرحتها الحكومة المصرية لآجل 91 يوما نحو 14.227 في المائة، بينما وصل العائد على الأذون لأجل عام نحو 15.94 في المائة، في حين وصل العائد على سندات الخزانة لأجل 7 أعوام إلى 16.9 في المائة.

وأكد عادل أن عائدات أذون الخزانة المصرية سجلت مستويات مرتفعة لم تشهد البلاد مثلها منذ عام 2008 في خضم الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أنها قد تواصل الارتفاع ما لم تتمكن الحكومة من الحصول على تمويل خارجي لتغطية عجز الميزانية أو رفع حجم الطلب على أذون الخزانة بما يمكنها من خفض أسعار الفائدة عليها.

وعلى الرغم من أن تراجع أرصدة البنوك في الخارج لم يكن كبيرا خلال مايو، فإن الخبير المصرفي محمد النادي، مدير الاستثمار بأحد البنوك الكبرى، يرى أن البنوك استعانت بصفة عامة بجزء من أرصدتها في الخارج لمواجهة احتياجاتها في السوق المحلية، حيث كانت قيمة الأرصدة الخارجية نحو 96 مليار جنيه (15.8 مليار دولار) في يونيو 2011. ووفقا للبنك المركزي المصري، فإن عملية السحب التي تمت خلال الشهور الماضية هي ثاني أكبر عملية سحب في الشهور الأخيرة، والتالية لما حدث خلال النصف الثاني من العام الماضي، حيث سحبت البنوك المصرية 14 مليار جنيه (2.3 مليار دولار) من أرصدتها المستثمرة في الخارج، ليصل معدل تراجع هذه الأرصدة بنهاية عام الثورة إلى 10.67 في المائة مقارنة بعام 2010.

واعتبر النادي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عملية سحب البنوك لجزء من أرصدتها في الخارج قرارا سليما، وذلك لحاجة السوق المحلية إلى تلك الأموال في الوقت الحالي، وعدم جدوى استثمارها في الخارج، بسبب تدني معدل التوظيف والتقلبات الاقتصادية التي تشهدها معظم الأسواق الدولية، خصوصا في دول منطقة اليورو.

وطالب النادي برفع معدل توظيف الودائع إلى الإقراض في مصر، الذي وصل بعد ثورة يناير (كانون الثاني) إلى حالة الانكماش في بعض الشهور، وذلك لامتصاص تلك الأموال التي كانت تستثمر في الخارج على الرغم من التدني الكبير لأسعار الفائدة هناك.

وأشار إلى أن تخوف البنوك الأجنبية والعربية من الأوضاع بمصر يجعلها تزيد من إيداعاتها في الخارج، لكن تقليل حجم الضبابية السياسية سوف يكون عامل جذب لتوظيف تلك الاستثمارات داخل مصر، التي خرجت بحثا عن أسواق أكثر استقرارا.

وتستخدم أرصدة البنوك في الخارج في فتح اعتمادات مستندية لعمليات استيراد، خصوصا في سلع استراتيجية مثل القمح والأدوية والسولار، كما توضع في صورة ودائع بالبنوك بالعملة الأجنبية.

وقال الخبير المصرفي، أحمد سليم، إن قرار البنوك تخفيض استثماراتها في الخارج يرجع في الأساس إلى تزايد مشكلات الأسواق الخارجية، وارتفاع الفائدة على السندات الحكومية.

كان البنك المركزي قد أدخل ضوابط تتعلق بالتوظيف الخارجي لأموال البنوك، وتصنيف المخاطر بحسب الدول ووضعها الاقتصادي، بعد الصعوبات التي واجهت الاستثمار في مناطق كثيرة من العالم بعد الأزمة المالية في 2008 التي ضربت الأسواق الأميركية، وما تبعتها من أزمات في منطقة اليورو.