الشركات تطالب الحكومة البريطانية بتحرك قوي وسريع لتحفيز الاقتصاد

«معهد المديرين»: الاستراتيجية الحالية غير فعالة

TT

حذر قادة النشاط التجاري في بريطانيا من أن وزير المالية جورج أوزبورن قد فشل في تحريك عجلة الاقتصاد، وأن عليه أن يشرع في خفض الضرائب وتقليل الروتين الإداري والاستثمار في إنشاء بنية تحتية جديدة من أجل تعزيز النمو. وذكر «معهد المديرين» البريطاني في تقرير صدر أخيرا أن استراتيجية النمو التي يسير عليها أوزبورن «غير فعالة» إلى حد بعيد، وأنها «تفعل القليل جدا بمعدل بطيء جدا»، وسط تصاعد أصوات تطالب باتخاذ إجراء جذري في الخريف المقبل.

وكشف استطلاع للرأي أجري بين أكثر من 1200 من قادة العمل التجاري عن وجود «مخاوف جدية» لديهم حيال إمكانية استمرار الركود طوال عام 2012، وألا يتبعه سوى تعاف متواضع العام المقبل. وتأتي هذه المخاوف في ظل كشف شخصيات اقتصادية رسمية عن أن وزير المالية اضطر إلى زيادة الاقتراض الحكومي، حيث تسير الحكومة في طريقها نحو اقتراض 30 مليار جنيه إسترليني أعلى من المتوقع هذا العام، وهو ما قد يؤدي إلى جولة جديدة من إجراءات تقليص الإنفاق العام.

وقد تعرضت الحكومة الائتلافية أيضا لانتقادات بسبب عدم الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل التوسع في «مطار هيثرو»، أو بناء مطار جديد في منطقة «ساوث إيست»، وقام الوزراء بتأجيل انطلاق مؤتمر حول استراتيجية الطيران في البلاد، على الرغم من أن الوسط التجاري أصبح ينظر إلى هذه القضية باعتبارها من أكثر المشكلات التي تواجه بريطانيا إلحاحا. كما بدأ قادة المال والأعمال في إبداء المزيد من الانتقادات لاستراتيجية «أوزبورن» الاقتصادية، التي تقوم على خفض الإنفاق العام مع تشجيع القطاع الخاص على استيعاب المزيد من العمال ودعم الاقتصاد بشكل عام.

وقال غرايم ليتش، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين في «معهد المديرين» لصحيفة «ديلي تلغراف»: «الوسط التجاري بدأ يهيئ نفسه لاحتمال أن يستمر الركود لبقية العام، وهو نبأ سيئ للاقتصاد ككل، لأن قرارات استثمار الأموال أو تعيين المزيد من الموظفين يتم تأجيلها حتى تتحسن الأمور. وقال إن تراجع الثقة يؤدي إلى إرجاء القرارات، وإرجاء القرارات يزيد من تراجع الثقة الاقتصادية، أي أنها دائرة مفرغة. وأضاف: «يشير جدول أعمال الإصلاحات الذي وضعته الحكومة بشكل عام إلى الاتجاه الصحيح، غير أن الرأي السائد بين أعضائنا هو أنها تفعل القليل جدا بمعدل بطيء جدا. وإذا كانت الحكومة الائتلافية تريد كسر هذه الدائرة من انخفاض الثقة الاقتصادية، فإن عليها أن تتخذ بعض الخطوات الجريئة التي تصنع فارقا حقيقيا في تكلفة وتعقيد ممارسة العمل التجاري في المملكة المتحدة». وتوصل استطلاع الرأي الذي أجراه «معهد المديرين» إلى أن 54 في المائة من قادة العمل التجاري يرون أن محاولات الحكومة لخفض الضرائب «غير فعالة»، وأن 86 في المائة منهم انتقدوا محاولات تخفيف الضوابط التنظيمية التجارية، وأن 62 في المائة منهم أبدوا رفضهم لمحاولات تبسيط قانون العمل. وكشف نصف من شملهم استطلاع الرأي تقريبا عن قيامهم بتأجيل «قرارات الاستثمار أو التعيين».

وفي ليلة الثلاثاء الماضي، طالب كبار النواب المحافظين في البرلمان باتخاذ إجراء عاجل، حيث أكد جون ريدوود، الوزير الحكومي السابق، قائلا: «إن حصيلة الضرائب من ضريبة الدخل القائمة على التقييم الذاتي والمكاسب الرأسمالية تتراجع، لأن الحكومة وضعت نسبا غير تنافسية. لقد أحسن وزير المالية صنعا بتغيير النظام الضريبي المتبع بالنسبة للنفط والغاز في الموازنة الأخيرة، بعد التراجع الشديد الذي أصاب النشاط العام الماضي نتيجة زيادة الضرائب. عليه أن يراجع جميع الضرائب بهدف تعظيم الحصيلة عن طريق تحديد نسب تنافسية».

وفي تصريح له، ذكر متحدث باسم الحكومة: «لقد وضعنا استراتيجية شاملة لتحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن، بما في ذلك إدخال إصلاحات مهمة من أجل تقليل عبء الضوابط التنظيمية. منذ عام 2011، كانت وفورات الشركات من تقليص الضوابط التنظيمية تتجاوز تكاليف الضوابط التنظيمية المحلية الجديدة بما يزيد على 850 مليون جنيه إسترليني، كما أن إجراء إصلاح شامل لقوانين العمل أدى بالفعل إلى زيادة في فترة التأهيل بالنسبة للفصل التعسفي وإصلاح محاكم العمل».

إلا أن رئيس الوزراء حث وزراءه على تقديم سياسات جذرية جديدة لتعزيز النمو سوف يزاح الستار عنها في مشروع قانون للتجديد الاقتصادي في الخريف المقبل، وهناك مخاوف متزايدة من أن تؤدي التوترات الجارية داخل الحكومة الائتلافية إلى الحيلولة دون اتباع منهج «الانفجار الكبير»، فيما يتعلق بتنظيم النشاط التجاري، وهو ما يرى كثير من المحافظين أنه صار أمرا ضروريا. وسبق العام الماضي أن عرقل «حزب الديمقراطيين الليبراليين» مجموعة مقترحات تقدم بها أدريان بيكروفت، المستثمر الرأسمالي، من أجل تخفيف الضوابط التنظيمية الخاصة بالعمل.

وقد أوضحت شخصيات اقتصادية معروفة يوم الثلاثاء الماضي أن العجز قد ازداد بمقدار 600 مليون جنيه إسترليني خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، حيث شهدت الأوضاع المالية للقطاع العام تراجعا حادا بلغ 20 في المائة في ضرائب الشركات من النشاط التجاري، وارتفاعا قدره 5 في المائة في الإنفاق العام نتيجة زيادة حجم المزايا المالية المدفوعة. وأشار ديفيد كيرن، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين في «الغرفة التجارية البريطانية»، إلى ضرورة أن يمضي وزير المالية قدما في إنجاز «مهمته الشاقة والعسيرة» لتقليل العجز، ودعا الحكومة الائتلافية إلى رسم «سياسات فعالة من أجل تعزيز النمو».

وقد استغل «حزب العمال» هذه الأرقام من أجل مهاجمة الحكومة، غير أن وزراء الخزانة أصروا على أن الوضع سيكون أسوأ إذا تم تطبيق الخطط التي وضعتها المعارضة. وحذر ديفيد كاميرون في أحاديثه الخاصة من أن الأزمة الحالية في منطقة اليورو تلقي بظلالها على جميع الجهود التي تبذلها بريطانيا لتعزيز النمو الاقتصادي، كما حذر تقرير صدر عن شركة «موديز» المتخصصة في المعلومات المالية يوم الثلاثاء الماضي من أن شركات منطقة اليورو «في أفضل الأحوال» تقف في منتصف عملية معالجة المشكلات التي أشعلت الأزمة في نظام العملة الموحدة. وليلة الثلاثاء الماضية، قال لورد أوكشوت، النبيل الديمقراطي الليبرالي المقرب من وزير الأعمال البريطاني فينس كيبل، إن هناك «مناقشات قوية» تجري داخل الحكومة الائتلافية بشأن وضع خطة تسمى «خطة A+» ترمي إلى تشجيع المصارف على إقراض «الشركات الصغيرة وتوفير الرهون العقارية»، جنبا إلى جنب مع «برنامج ضخم لبناء المنازل».