انشغال «نظام بشار» يفيد مزارعي سوريا

الاقتصاد السوري قد ينكمش بأكثر من 20% هذا العام

قدرة الناس في المناطق الريفية على العيش من كد عملهم ساعدت في هذه الأزمة على عكس الحال في مناطق الحضر (رويترز)
TT

على مدى الأشهر الستة الماضية كانت زوجة المزارع هشام الزير وبناته يستيقظن قبل شروق الشمس قبل أن تشتد حرارة الجو ويخبزن خبز التنور التقليدي في فرن من الطين يرجع تاريخه إلى قرن مضى في منزلهم بمحافظة إدلب السورية الزراعية. وذلك وفقا لتقرير نقلته «رويترز».

وبدلا من أن يبيع الزير قمحه كله للحكومة كما كان يفعل عادة قرر هذا العام أن يبقي نحو ثلثه ليضمن لزوجه وأطفاله الستة ما يكفيهم من الطعام وسط الصراع الدائر في البلاد. وقال الزير في فناء منزله الريفي على مشارف بلدة الدانة في إدلب وهي منطقة تلال وزراعات زيتون «أبقيه لنأكل منه حتى يخفف الله عنا وتتحسن الأمور».

والزير واحد من الكثير من المزارعين السوريين الذين كيفوا إنتاجهم مع الأوضاع الراهنة خلال الأزمة من أجل إنتاج ما يكفي لاستهلاك الأسرة وللاستخدام في المقايضة بمنتجات أخرى. ويعيش نحو 80 في المائة من سكان إدلب في الريف بالمقارنة مع 40 في المائة فقط من سكان سوريا كلها البالغ عددهم نحو 20 مليون نسمة لتصبح المحافظة أكثر محافظات البلاد ريفية. وكان فقراء الريف من أبرز الداعمين للانتفاضة التي اندلعت قبل 17 شهرا ضد نظام الرئيس بشار الأسد وتحملت بلداتهم وقراهم عبء حملات الجيش لسحق المعارضين والتي قتل فيها 18 ألف شخص على الأقل.

وعلى الرغم من تضرر الاقتصاد السوري من الصراع - إذ يقول الاقتصاديون إنه قد ينكمش بنحو الخمس أو أكثر هذا العام لكن لا سبيل لمعرفة ذلك على وجه الدقة - وتأثر جزء كبير من الإنتاج الصناعي للبلاد.

وقال سمير سيفان وهو اقتصادي سوري بارز إن اقتصاد الإعاشة في هذه المناطق الريفية مكن في الكثير من الأحيان السكان من إنتاج احتياجاتهم من الغذاء. وأشار إلى أن قدرة الناس على العيش من كد عملهم ساعدت في هذه الأزمة على عكس الحال في مناطق الحضر. وكانت المجتمعات الريفية تستفيد في أوقات الصراعات من وفرة الأراضي التي يمكن استخدامها في زراعة الحبوب والزيتون والقطن.

وغيرت الأزمة الراهنة اتجاه خروج سكان الريف إلى المدن مثل دمشق وحلب المستمر منذ عشرات السنين وعمق الفجوة بين الفقراء والأغنياء إذ يهرب الآن الكثيرون من العنف في المدن عائدين إلى القرى. لكن الصراع يظل قريبا منهم على أي حال. وقال عمر الناطور بعد يوم من قصف الجيش لمنزله في بلدة في إدلب «ضربت قذيفة مورتر اثنين من أغنامي ودمرت الفناء». والناطور (45 عاما) أب لستة أبناء لم يعد قادرا على الذهاب لعمله في مصنع مملوك للدولة ينتج الإسمنت للبناء في حلب لأنه يقع في منطقة يطلق فيها قناصة الجيش النار على مخابئ المعارضين فلجأ إلى زيادة دخله المتواضع عن طريق تربية الماشية والأغنام. وقال سكان واقتصاديون في دمشق إن إنتاج الغذاء ارتفع في سوريا في السنوات القليلة الماضية على الرغم من التباين الكبير في أحجام المحاصيل وموجات الجفاف وساعد ذلك في تنويع الاقتصاد وحال دون حدوث نقص حاد في الغذاء في مناطق الريف حتى الآن وفي الصراع الراهن.

ويتعارض ذلك مع تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي التي أشارت إلى أن 1.5 مليون شخص في سوريا يحتاجون لمساعدات غذائية فورية وأن واحدا من بين كل ثلاثة من سكان الريف يحتاج للمساعدة. والإنتاج الزراعي مستمر في أنحاء البلاد على الرغم من نقص العمالة الموسمية التي كانت تتدفق للعمل في الحقول في موسم الحصاد.

ووفر ذلك إمدادات كبيرة من الخضراوات مثل الطماطم والخيار وهي من أساسيات الطعام السوري التقليدي فضلا عن الحبوب على الرغم من أن ارتفاع تكلفة وقود الجرارات والافتقار للأسمدة قد خفض من مساحات الأراضي القابلة للزراعة. وفي إدلب شجع تراجع سلطة الدولة الضخ غير القانوني من الآبار الجوفية في حوض نهر العاصي. وظلت الكثير من المتاجر مفتوحة في بلدات وقرى إدلب وفي الريف حول حلب لكن أغلب معروضاتها من الحلوى والمشروبات والعصائر انقضى تاريخ صلاحيتها.

وقال الكثير من أصحاب المتاجر إنهم لم يأتوا ببضائع جديدة منذ أكثر من عام.

وقال فاروق المسوس من حزانو بإدلب وهي بلدة تشتهر بزراعة الزيتون «الناس تدبر أحوالها بأقل القليل. لا تنسَ أن بعض الناس يبقون بالكاد على قيد الحياة». ومع استمرار القتال في سوريا دون أي علامة على قرب انحساره زادت أعداد السكان في بعض بلدات الريف في إدلب منها دارة عزة والدانة التي نجت من دمار واسع النطاق شهدته بلدات مثل تفتناز وأتارب حيث دكت قذائف الدبابات الكثير من المنازل وحولتها لأنقاض.

وعلى امتداد الريف السوري ظهر نوع جديد من التجار يوردون المواد الغذائية للمجتمعات المعزولة حاليا.

وقال صالح الشواف الذي كان يعمل كهربائيا في السابق «ساكن الريف لا يتمكن من الحصول على احتياجاته من المدينة لذلك يعتمد على التجار الجدد الذين يشترون مباشرة من المزارعين في القرى المحلية». ويعمل الشواف حاليا تاجر خضروات يعبر نقاط تفتيش الجيش باستمرار للوصول إلى أكبر أسواق إدلب لشراء البضائع التي يمكنه بيعها في القرى. ويقول طاهر الغريبي وهو مقاول إسكان سابق عاد إلى بلدته بنش هربا من العنف في منطقة صلاح الدين في حلب إن سكان المدن خفضوا استهلاكهم من المواد الغذائية أكثر من سكان الريف.

وأضاف مشيرا إلى الحياة في حلب «كنا نأكل الفاكهة كل يوم الآن نأكلها كل يومين. الاستهلاك بشكل عام تراجع.. إذا كنت معتادا على شراء كيلو من اللحم كل أسبوع الآن تشتري نصف الكيلو». وفي سوق دارة عزة المزدحم يعرض التجار منتجات متنوعة منها الخيار والطماطم والبطيخ والخوخ. ويقول أحد التجار إن الناس يشكون باستمرار من ارتفاع الأسعار وليس من نقص البضائع. وقال التاجر ياسر خضري «إذا نظرت إلى السوق لا تتصور أن هؤلاء الناس عانوا الكثير». وفي قرية على الحدود مع تركيا فتحت الكثير من متاجر الملابس لكن المشترين كانوا قلة في فترة عيد الفطر التي عادة ما تنتعش فيها مثل هذه المتاجر إذ يتجنب السكان شراء أي شيء غير ضروري.

والى حد ما أسهم الاقتصاد السوري الموجه المعتمد على دعم حكومي مكلف يخفض تكلفة الكهرباء بشكل غير حقيقي ويقيد الواردات في احتواء التضخم والحد من تدهور مستوى معيشة الأسر الفقيرة في المناطق الزراعية بدرجة أكبر. ويقول اقتصاديون مستقلون إن التضخم لم يتجاوز 30 في المائة على الرغم من الأزمة.

وقال مسؤول سوري بارز يعمل بهيئة شراء القمح الحكومية «هناك كميات أقل من الغذاء لكن لا يوجد نقص في الغذاء.. هناك من يوردون الغذاء».

ومع تدهور مستويات المعيشة تواصل السلطات دفع الأجور والمعاشات لعشرات الألوف من المواطنين في مناطق لم تعد تحت سيطرة الدولة وأحجمت عن قطع إمدادات الكهرباء والمياه عن في البلدات التي سيطرت عليها المعارضة وظلت المخابز الحكومية مفتوحة تمتد طوابير المشترين أمامها ويباع فيها الخبز العربي بالسعر المدعوم من الدولة وهو 15 ليرة للرغيف.