الشركات الصينية تقلب «طاولة» حقوق الملكية الفكرية على نظيراتها الأميركية

تحولت من المدعى عليه إلى المدعي

أوراق نقدية من فئتي مائة دولار ومائة يوان صيني («الشرق الأوسط»)
TT

طالما اتهمت الشركات الأميركية نظيراتها الصينية بسرقة حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها، لكن بعض الشركات الصينية تقوم بهذا الدور الآن، فخلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت الدعاوى القضائية تمطر على شركة «أبل» في الصين، حيث تتهم أكبر شركة في التاريخ الأميركي بانتهاك براءات الاختراع ومخالفة قوانين العلامات التجارية فيما يتعلق بعدد من منتجاتها، بدءا من «سيري» المساعد الصوتي المخصص للـ«آي فون» وانتهاء بنظام تشغيل «سنو ليوبارد».

اعتادت كثير من الشركات الأميركية اتهام الشركات الصينية بتقليد منتجاتها، مع ذلك تدل الدعاوى القضائية، التي تشهدها ساحات المحاكم الصينية، على زيادة الوعي في هذه البلاد بأن حقوق الملكية الفكرية قد تكون وسيلة ناجعة لحماية أفكارك والحصول على الأموال من الشركات الأخرى أيضا. ويقول المحللون إن الشركات الأجنبية قد تتوقع المزيد من الدعاوى القضائية من الجانب الصيني، مما يحوّل البلاد إلى جبهة جديدة في حرب براءات الاختراع العالمية.

ويقول بيتر يو، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة «دريك»، الذي يدرس قانون الملكية الفكرية في الصين: «تخيل شركة أميركية تقدم إنتاجها في الصين. إذا كان هناك شركة صينية تستطيع الحصول على إنذار قضائي يتعلق بما تنتجه هذه الشركة الأميركية، لن تتمكن هذه الشركة من الإنتاج».

وسرعان ما أصبح مكتب براءات الاختراع المركزي في الصين هو الأكثر انشغالا في العالم، حيث فاق عدد طلبات خاصة ببراءة الاختراع في الصين العام الماضي للمرة الأولى أي بلد آخر، بما في ذلك اليابان والولايات المتحدة الأميركية. وتعد براءات الاختراع جزءا أساسيا ومهما من خطة الحكومة للحد من اعتماد الاقتصاد على التصنيع والتوجه قليلا نحو الإبداع والمهارة الصينية. ووضعت الحكومة الصينية هدفا متمثلا في الوصول إلى مليوني طلب براءة اختراع سنويا بحلول عام 2015.

ويبلغ عدد الطلبات الخاصة ببراءة الاختراع التي تلقاها مكتب براءة الاختراع والعلامة التجارية الأميركي 530 ألفا عام 2011.

مع ذلك يحذر الخبراء من تدني جودة تلك الطلبات، حيث يتم منح الشركات الصينية السند القانوني لملاحقة منافسيها المحليين والشركات الأجنبية. ووصف تقرير حديث صادر عن الاتحاد الأوروبي للغرف التجارية مستوى الصين في الابتكار بـ«المبالغ فيه»، مشيرا إلى أن كثيرا من براءات الاختراع التي تمت المصادقة عليها لا تمثل إبداعات وابتكارات حقيقية.

ويقول كريس بيلي، مسؤول تنفيذي في شركة «راوز» لقانون الملكية الفكرية: «إنها لعبة أرقام بالفعل».

هناك نوع من براءات الاختراع يطلق عليه «النموذج النافع»، ويتم الموافقة عليه بشكل ذاتي من قبل القائمين على التنظيم من دون مراجعته رسميا. ولدى ألمانيا وأستراليا هذا النوع من براءات الاختراع الذي يهدف إلى تشجيع صغار المستثمرين. مع ذلك يتزايد عدد هذا النوع من براءات الاختراع خاصة في الصين، نظرا لرغبة الحكومة في الوصول بالطلبات إلى عدد محدد. وتأتي مع زيادة براءات الاختراع المزيد من القضايا، فقد تضاعف عدد الدعاوى القضائية منذ عام 2009 إلى 2011 بحسب «راوز». ويقول المراقبون إن هناك كثيرا من الدعاوى المشكوك في صحتها.

أصبحت الشركات الصغيرة، التي تلاحق الشركات الكبرى في حالات براءات الاختراع المشكوك بها، معروفة هنا باسم «صراصير براءات الاختراع»، على شاكلة المصطلح الأميركي «متصيدي براءات الاختراع»، الذي كان يستخدم لوصف الشركات التي تجني أموال من خلال الحصول على براءات الاختراع وإقامة دعاوى قضائية ضد آخرين. وحتى هذه اللحظة في الصين أكثر النزاعات الخاصة بانتهاك براءات الاختراع بين شركات صينية، حيث لم يكن هناك سوى عدد قليل من الشركات التي تتمتع بالجرأة الكافية لمقاضاة شركات أجنبية كبرى متعددة الجنسيات.

ويقول يوان هوي، مؤسس شبكة «زيزين نيتورك تكنولوجي» للتكنولوجيا التي أقامت دعوى قضائية الشهر الماضي ضد «أبل»، على خلفية الزعم بانتهاكها لبراءة اختراع تستخدمها الشركة في برنامج المساعد الصوتي «زياو إي بوت»: «إن قضيتنا تعد أول دعوى قضائية حقيقية خاصة بانتهاك براءات الاختراع تقام ضد شركة (أبل)».

ويشير يوان إلى أن برنامج المساعد الصوتي «سيري» من «أبل» يمثل انتهاكا لبراءة اختراع حصلت الشركة عليها عام 2004. وأضاف يوان: «يتعين علي القول إن (زياو إي بوت) أفضل كثيرا من (سيري) في اللغة الصينية والسوق الصينية. يقول الناس إنني نسخت (سيري)، لكن بالنظر إلى 100 مليون عميل... لا يسعني سوى القول إن (سيري) بحاجة إلى نسخ برنامجنا في السوق الصينية».

وامتدت النزاعات والمخاصمات إلى العلامة التجارية أيضا، حيث دفعت شركة «أبل» العام الماضي إلى الشركة الصينية «بروفيو» 60 مليون دولار في إطار نزاع حول صاحب العلامة التجارية لجهاز «آي باد». وفي يوليو (تموز)، صرحت شركة كيماويات، ترجمة اسمها من الصينية «سنو ليوبارد» (الفهد الثلجي)، بأن نظام التشغيل «سنو» من «أبل» يمثل تعديا على علامة الشركة التجارية. وربحت شركة «أبل»، التي لم ترد على أي طلب بالتعليق، دعوى قضائية ضد «سامسونغ»، المصنعة لـ«أندرويد». وتقول الشركات الصينية صاحبة الدعاوى القضائية إنها تتابع القضية وتريد الحصول على حقوقها مثل «أبل». ويقول يوان: «أيا كان حجم الشركة، علينا الحصول على الحق في حماية حقوقنا».

مع ذلك قال ما ييد، محامي في مجال حقوق الملكية في بكين، إن الدعاوى القضائية المقامة ضد «أبل» تبدو تافهة، حيث أوضح قائلا: «براءة الاختراع الصحيحة سوف تتضح قيمتها في التجارة لا في الدعاوى القضائية. إن تدني قيمة براءات الاختراع أمر مضر جدا، حيث ستمنع زيادتها الابتكار في مجال الأعمال».

* شارك الباحث ليو ليو في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست»