الغلاء في فلسطين يدفع الناس إلى الشوارع

ارتفاع المحروقات إلى 12%

TT

دفع الغلاء الكبير في أسعار المحروقات والسجائر ومواد وسلع أساسية، الفلسطينيين إلى الخروج إلى الشوارع مرة أخرى، للتعبير عن غضبهم الكبير تجاه سياسية الحكومة الاقتصادية، مطالبين بإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية مع إسرائيل، ودعم السلع الأساسية، ووضع برامج وخطط مالية لإنقاذ السوق.

وجاء ارتفاع الأسعار في الأراضي الفلسطيني في أسوأ توقيت ممكن، إذ رافق أزمة مالية خانقة تمر بها السلطة، أثرت بشكل كبير على التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، ورفعت من نسبة البطالة والفقر.

وذهب صحافيون أمس في نابلس إلى مقار عملهم يمتطون الحمير بدل السيارات، وأغلق سائقو السيارات العمومية شوارع رئيسية في رام الله، وتظاهر مئات الشبان في بيت لحم، فيما أعلن في غزة عن وفاة شاب أحرق نفسه نتيجة ضنك العيش وقلة العمل. وقال طارق زبون، منسق مجموعة «اصحى يا نايم» التي أشرفت على مظاهرات يومية في بيت لحم: «نحن نطالب بإلغاء اتفاقية باريس التي حولت اقتصادنا إلى اقتصاد تابع لإسرائيل، ونريد دعم السلع الأساسية، ورفع الحد الأدنى للأجور». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن تبقى الحكومة في موقف المتفرج الذي لا يخصه، إذا رفعت إسرائيل الأسعار نرفع، وإذا خفضت نخفض».

وتابع: «في إسرائيل الحد الأدنى للرواتب، نحو 5 آلاف شيقل (الدولار 4 شيقل) وفي الضفة 1200». وأردف: «الغلاء أصبح لا يحتمل، وأريد أن أقول: طفح الكيل».

ورفع شبان في بيت لحم والخليل ورام الله ونابلس على مدار الأسبوع يافطات كتب عليها: «عزيزي فياض.. هنا فلسطين مش باريس»، و«أسعار باريس.. أجواء الخليج.. رواتب الصومال». ورفعت الحكومة الفلسطينية بالضفة الغربية أسعار المحروقات يوم الجمعة الماضي بين 3 إلى 12 في المائة. وبحسب التسعيرة الجديدة، ارتفع الغاز المنزلي بنسبة 12 في المائة، فيما ارتفع البنزين بنسبة 6.12 في المائة، والسولار بنسبة 2.9 في المائة. ويباع السولار في الضفة الآن بـ7.15 (دولار و70 سنتا) شيقل، والبنزين عيار «95» بـ7.98 شيقل (دولارين)، وبنزين «98» بـ8.65 (دولارين ونصف الدولار)، والجاز بـ7.15 (دولار و70 سنتا).

أما أسطوانة الغاز المنزلي 12 كلغم، فتصل للمستهلك بنحو 20 دولارا. وهذه ليست أول مرة ترفع فيها أسعار المحروقات هذا العام، وقد سبقها رفع أسعار السجائر مرتين، إذ يصل سعر علبة السجائر ما بين 4 دولارات و6 دولارات». ورافق ذلك ارتفاع في أسعار الألبان والدجاج واللحوم والبيض والحليب والطحين ومواد أخرى.

وحسب تقارير إحصائية، فقد سجل ارتفاع أسعار الوقود أعلى نسبه له منذ نشأة السلطة، إذ ارتفع خلال الأعوام الثلاثة الماضية بـ55 في المائة، وسجلت الأسعار في الضفة الغربية خلال شهر يوليو (تموز) 2012 ارتفاعا بنسبة 0.52 في المائة. وأثر هذا مباشرة على نسب البطالة والفقر. وتقول التقارير الإحصائية الرسمية إن معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية ارتفع، حيث بلغ من بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة 15 سنة فأكثر، 21 في المائة (نحو 222 ألف عاطل عن العمل)؛ 19 في المائة للذكور و28 في المائة للإناث.

وطالب نواب في المجلس التشريعي أمس، بالتدخل المباشر وإلغاء اتفاقية باريس. وقال النائب قيس عبد الكريم (أبو ليلى)، رئيس لجنة القضايا الاجتماعية في المجلس التشريعي: «على الحكومة عدم الخضوع لابتزازات اتفاق باريس الاقتصادي ووقف العمل به. إن مواصلة التعامل باتفاقية باريس الاقتصادية سببت أضرارا فادحة للاقتصاد الفلسطيني، وكذلك يمس بالحاجات الأساسية للفئات ذوي الدخل المحدود جراء ارتفاع الأسعار في الأراضي الفلسطينية بفعل القيود التي يفرضها هذا الاتفاق».

وطالب أبو ليلي «في ضوء استفحال الغلاء وموجة الارتفاع الجنوني في الأسعار» بضرورة «اتخاذ إجراءات فورية لخفض العبء الناجم عن الضرائب غير المباشرة المفروضة على السلع الأساسية (خاصة الخبز والمحروقات المنزلية)».

وتقول السلطة إن السوق الفلسطينية حرة، وإنها لا تؤيد دعم السلع الأساسية لنواح اقتصادية. وسألت «الشرق الأوسط» الخبير الاقتصادي المعروف، نصر عبد الكريم، فقال: «لا يوجد منطق اقتصادي في عدم تدخل الحكومة». وأضاف: «أميركا أم الرأسمالية أكبر بلد يوزع كوبونات الغذاء، ويشتري البطاطا والذرة، تبيعها مرة وتحرقها مرات من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي، والآن تفكر في استخدام احتياطي النفط. إسرائيل سنت عشرات القوانين الخاصة بالبطالة والتأمينات والشيخوخة والعجز، وتدعم المواطنين وأجورهم. ألمانيا وشمال أوروبا تدفع وتنفق بشكل كبير على المواطنين عبر برامج الحماية الاجتماعية». وأردف: «لا أعرف إذا كان اقتصاد السوق الحر يعني أن نترك المواطنين!».

ويقر عبد الكريم بأن اتفاقية باريس جزء من المشكلة الآن، ويقول إن «اتفاقية باريس فرضت ما يمكن تسميته الغلاف الجمركي الموحد بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي». وأوضح: «مثلا، الجمارك عندما تفرضها إسرائيل، تنتقل إلى الأراضي الفلسطينية، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ليس فقط الجمارك، أيضا الضرائب، فقد ارتفعت القيمة المضافة هنا عندما ارتفعت هناك». لكن عبد الكريم يقارن بين هذا وذاك قائلا: «الفرق أن إسرائيل عندما تتدخل في قيمة الجمارك والضرائب، فإنها تنفذ سياسة مالية لمواجهة أزمة ما، أما نحن فندفع الأضرار فقط وتتعمق أزمتنا». ومن وجهة نظره، «فإن أحد أهم الأخطاء التي ارتكبتها السلطة أنها لم تستغل وجود هامش في اتفاقية باريس للتعديل، ولم تقم بذلك».