أكبر اندماج عالمي في قطاع الموارد الطبيعية في قبضة «قطر القابضة»

من شأنه إيجاد كيان بـ86 مليار دولار

TT

من المنتظر أن يشهد اليوم الجمعة تصويت حملة الأسهم في شركة «اكستراتا»، وهي واحدة من كبريات الشركات العالمية في مجال التنقيب عن النحاس والفحم، على عرض الاستحواذ الذي تقدمت به شركة «جلينكور»، التي تهيمن على التجارة العالمية لهذه المواد. وسوف تؤدي هذه الصفقة، التي قدرت قيمة أسهم الكيان الجديد فيها بـ86 مليار دولار، إلى إيجاد كيان جديد هائل تصل أنشطته إلى كل الشركات التي تحتاج المواد الخام لصناعة الكورن فليكس والسيارات والهواتف النقالة وغيرها الكثير من السلع.

لكن شركة «قطر القابضة»، وهي الشركة التابعة لصندوق الثروة السيادي في دولة قطر، على استعداد تام للوقوف في وجه هذه الصفقة، بحسب وكالة «بلومبرغ».

فعلى مدار العام المنصرم، قامت دولة قطر التي تقوم بضخ استثمارات كبيرة من خلال الشركات القابضة في الشركات المتعددة الجنسيات الكبيرة، بإنفاق نحو 5 مليارات دولار للحصول على 12 في المائة من أسهم شركة «اكستراتا». وتعطي هذه الأسهم دولة قطر نفوذا كبيرا في عملية التصويت، حيث إنها تنوي التصويت ضد هذه الصفقة.

وتأتي هذه الصفقة في وقت بالغ الأهمية في الصناعة، فبعد أن شهدت الصناعة نموا قويا في الأعوام القليلة الماضية، انخفضت أسعار السلع بسبب المخاوف من التراجع الذي يشهده كبار المستهلكين في العالم، مثل الصين، وهو ما أدى بدوره إلى تقليص أرباح أهم اللاعبين الدوليين في هذا المجال.

وقد يؤدي اندماج شركتي «اكستراتا» و«جلينكور» إلى تداعيات واسعة النطاق، حيث ستتمتع الشركة الجديدة بثقل مالي كبير، مما قد يؤدي إلى الدخول في جولة اندماج جديدة في تلك الصناعة التي تحتاج بشدة إلى خفض التكاليف.

هناك صراع كبير بين أطراف الصناعة على مسألة الأسعار، ففي شهر فبراير (شباط)، قامت شركة «جلينكور»، التي تمتلك بالفعل 34 في المائة من أسهم شركة «اكستراتا»، بالموافقة على مبادلة كل 2.8 سهم في شركتها لقاء السهم الواحد في «اكستراتا». لكن قطر ظلت تضغط لزيادة هذا العرض، فعند نقطة معينة كانت تطالب بمعدل 3.25 سهم في مقابل السهم الواحد.

وحتى الآن، ظل كلا الجانبين متمسكا بموقفه، ففي الشهر الماضي، أكد إيفان جلاسنبيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «جلينكور» الذي يتمتع بسمعة كبيرة كمفاوض بارع، أن فشل صفقة الاندماج لن «يكون أمرا مهما». أما قطر، تلك الإمارة الغنية بالغاز، فتستطيع الثبات على موقفها حتى تحصل على شروط أفضل.

وتحظى قطر بدعم حملة الأسهم الآخرين في شركة «اكستراتا»، حيث أكد «بنك نورجيس لإدارة الاستثمارات» وهو صندوق نرويجي، وصندوق الاستثمار «نايت فينكي»، أنها سيقومان بالتصويت ضد الصفقة. وإذا وضعنا في الاعتبار أنه يتوجب على شركة «جلينكور» الامتناع عن التصويت، فإنه يصبح بمقدور أي مجموعة من المستثمرين تمتلك 16 في المائة فقط من أسهم «اكستراتا» إفشال هذا الاندماج.

من الممكن التوصل لحل لهذه الأزمة، لكن من المرجح للغاية ألا تأتي أي انفراجة للموقف إلا في اللحظات الأخيرة. فحتى الآن لم يتزحزح أي من الطرفين عن موقفه، وفقا لأحد المصرفيين التابعين لقطر ولشركة «إكستراتا»، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

ويقول أندرو كين، وهو محلل في مصرف «إتش إس بي سي» لشؤون شركات التعدين «إنها مباراة في لعبة البوكر، حيث وقف القطريون أمام (جلينكور). لكن الأمر الذي سنكتشفه قريبا هو مدى أهمية (اكستراتا) من وجهة نظر إيفان».

وكانت هذه الصفقة متوقعة منذ سنوات طويلة، حيث تحتفظ «جلينكور» بحصة كبيرة في أسهم «اكستراتا» منذ إدراج الأخيرة في بورصة لندن في عام 2002، فضلا عن التشابك العميق بين الشركتين، نظرا لترأس جلاسنبيرغ مجلس إدارة شركة «اكستراتا».

بإمكان الشركتين أن يكملا بعضهما بعضا، حيث تشرف «جلينكور» على شبكة تجارية كبيرة تقوم ببيع بضائع تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات للمصنعين والحكومات. إنها بالفعل تجارة ثابتة، على الرغم من أن هوامش الربح فيها ضئيلة نوعا ما. وتمتلك «اكستراتا» إمبراطورية تعدين تمتد من أستراليا إلى كندا وحتى جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أن التعدين أكثر ربحية من التجارة، فإن «اكستراتا» معرضة أيضا لدورات من الكساد والازدهار.

وحتى الوقت الراهن، ما زالت «جلينكور» مصرة على العرض الذي تقدمت به، بينما لمح جلاسنبيرغ في بعض الجلسات الخاصة إلى أن «جلينكور» من الممكن أن تتخلى عن هذه الصفقة في الوقت الراهن، وأن تستحوذ على «اكستراتا» في العام المقبل نظير مقابل مادي أقل، وذلك وفقا للعديد من المصرفيين اللندنيين وحملة أسهم «جلينكور» الذين تحدثوا مع جلاسنبيرغ.

وتعزز أساسيات صناعة التعدين المتدهورة من موقف شركة «جلينكور» المتعنت، فعقب هبوط أسعار الفحم انخفضت الأرباح الصافية لشركة «اكستراتا» بنسبة 33 في المائة في النصف الأول من العام الحالي. ومنذ أن تم الإعلان عن الصفقة، انخفضت أسهم شركة «اكستراتا» بمعدل 16 في المائة، بينما انخفض سعر سهم شركة «جلينكور» بنحو 10 في المائة في الفترة نفسها.

وبناء على المستويات الحالية، تبلغ القيمة السوقية لسهم شركة «اكستراتا» 2.4 مرة من قيمة سهم شركة «جلينكور»، وهو ما يقل عن المعدل الحالي للصفقة. وهذا يعني أن المستثمرين لا يتوقعون نجاح هذه الصفقة، إلا في حالة قيام «جلينكور» بزيادة قيمة العرض.

لكن شركتي «جلينكور» و«اكستراتا» لديهما الكثير لتخسراه في حالة فشل هذه الصفقة، حيث سيتعرض ميك ديفيس، الرئيس التنفيذي لشركة «اكستراتا»، لضغوط كبيرة من جانب حملة الأسهم في حالة انسحاب شركة «جلينكور» من الصفقة. بينما دعا صندوق «نايت فينكي» إلى إحداث تغييرات في مجلس إدارة «اكستراتا» في حالة فشل الصفقة، حيث يدفع الصندوق باتجاه جعل مجلس الإدارة «أكثر استقلالا وقوة». أما الأمر الأسوأ فهو احتمال انقلاب «جلينكور» على مجلس إدارة «اكستراتا» والانضمام إلى الدعوات التي تنادي بإحداث تغييرات في المجلس.

يقول كريستوفر لافيمينا، وهو محلل في مجال التعدين في مصرف الاستثمار الأميركي «جيفريز»: «لا تكمن المشكلة الكبرى التي ستواجه (اكستراتا) في حالة عدم نجاح صفقة الاندماج في أساسيات صناعة التعدين، وإنما في بقاء (جلينكور) المساهم الأكبر في الشركة».

وتواجه شركة «جلينكور» مخاطر استراتيجية هي الأخرى، فمن دون الميزانية العمومية المضافة الخاصة بشركة «اكستراتا»، لن تحظى «جلينكور» بالقوة المالية الكافية لسداد ثمن جهودها التوسعية. وفي الوقت الذي يشهد فترة ضعف في سوق البضائع وانخفاضا في سعر الأسهم، تحتاج «جلينكور» للمال لزيادة أعمالها التجارية وحفر مناجم وحقول نفط جديدة والمتابعة في جولات جديدة من صفقات الاستحواذ. يقول لافيمينا «تتمثل أهمية الصفقة بالنسبة لـ(جلينكور) في الحصول على تقييم أعلى لأسهمها وزيادة قدرتها بصورة كبيرة على القيام بالمزيد من صفقات الاستحواذ».

وبحسب وكالة «بلومبرغ»، فتحت قطر الباب أمام احتمال التوصل إلى حل وسط، فقبل أسبوع من الآن قال صندوق الثروة السيادي في قطر إنه «لن يدعم شروط الاندماج المقترحة». وللقيام بذلك، قامت قطر بسحب الاقتراح الذي تقدمت به سابقا بخصوص معدل الـ3.25 للسهم، وهي الخطوة التي يعتقد المحللون أنها تشير إلى الرغبة في الدخول في مفاوضات مع «جلينكور».