مفاوضات اندماج بين أكبر شركتين في مجال الدفاع والطيران في أوروبا

الاندماج بين «بي إيه إي سيستمز» و«إي إيه دي إس» سينتج شركة عملاقة قيمتها 50 مليار دولار

الزوار يتدفقون على جناح شركة الطيران الاوروبية العملاقة إيدس في معرض الطيران الدولي ببرلين (أ.ف.ب)
TT

أعلنت شركتا «إي إيه دي إس»، الشركة الأم لشركة «إيرباص»، و«بي إيه إي سيستمز» أنهما تجريان مفاوضات حول اندماج محتمل سوف ينتج عنه شركة عملاقة في هذا المجال بقيمة سوقية إجمالية تقترب من 50 مليار دولار. وتتطلع الشركتان إلى توحيد قواهما في ظل تزايد حدة المنافسة في مجال نشاط كل منهما، فرغم أن العقود الحكومية تدر إيرادات ثابتة، فإن البلدان الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة بدأت في خفض إنفاقها العسكري، مما يؤثر سلبا على آفاق النجاح أمام شركة «بي إيه إي سيستمز»، كما أن شركة «باسنجر إيرلاينز»، وهي العميل الرئيسي لشركة «إيرباص»، استعادت عافيتها في الآونة الأخيرة، بعد مرورها ببعض الفترات العصيبة.

وقال ريتشارد أبو العافية، وهو محلل طيران في شركة «تيل غروب»: «إنهما شركتان مكملتان لبعضهما، وهي طريقة لتحقيق التوازن من جانب الدفاع».

ويبدو أن الشركتين تحذوان حذو منافسيهما، حيث قامت شركة «بوينغ» عام 1977 بالاستحواذ على شركة «ماكدونيل دوغلاس» سعيا وراء تحقيق دخل أكثر ثباتا من أجل تعويض دورات الانكماش بعد الانتعاش في أعداد المسافرين. وبعد الهجمات الإرهابية التي وقعت عام 2001، ساعد نمو النشاط العسكري لشركة «بوينغ» على تخفيف وطأة التراجع الشديد في الطلب على طائرات الركاب.

وقد انقلبت هذه الديناميكية خلال السنوات الكثيرة الماضية، حيث انتعش النشاط التجاري لشركة «بوينغ»، بينما تأثرت عملياتها العسكرية بسبب لجوء الكثير من البلدان إلى خفض ميزانياتها. وتواجه شركة «بي إيه إي»، التي هي في الأساس شركة عسكرية، نفس أزمة الإنفاق في سوقها الرئيسية، في حين تشهد شركة «إيرباص» طفرة في طلبات الشراء.

ومن شأن هذا الاندماج أن يساعد الشركتين على تحمل هذا التقلب بصورة أفضل، وقد كشف مصدر مطلع على التفاصيل رفض الإفصاح عن اسمه بسبب استمرارية المفاوضات عن أن شركة «إيرباص» تمثل حاليا نحو 65 في المائة من إيرادات شركة «إي إيه دي إس»، أما بعد الصفقة فإن نشاط الطيران التجاري فسوف يمثل 53 في المائة من الإيرادات، بينما يأتي 47 في المائة من النشاط العسكري والأمني. كما أن الكيان الجديد سوف يكون قادرا على منافسة شركة «بوينغ»، حيث بلغ إجمالي المبيعات السنوية في الشركتين 96 مليار دولار عام 2011، في حين بلغت إيرادات شركة «بوينغ» نحو 70 مليار دولار العام الماضي.

وقال غاي أندرسون، وهو كبير محللين في مجال الدفاع لدى شركة «آي إتش إس جينز» في لندن: «كما يبدو، فإن هذا سيخلق واحدة من أكبر مؤسسات الطيران والدفاع في العالم»، مضيفا أن هذا الاندماج سوف «يغير من سوق الدفاع الأوروبية بشكل يفوق التصور».

وقد ارتفعت أسهم شركة «بي إيه إي سيستمز» بنسبة 10,8 في المائة بنهاية التداول في لندن يوم الأربعاء الماضي، في حين انخفضت أسهم شركة «إي إيه دي إس» بنسبة 5,6 في المائة.

وهناك تاريخ من التعاون بين شركتي «بي إيه إي» و«إي إيه دي إس» (وهو اختصار للاسم «الشركة الأوروبية للفضاء والدفاع الجوي»)، حيث توجد شراكة بينهما في عدد من المشاريع، من بينها الطائرة القتالية «يوروفايتر»، كما كانت شركة «بي إيه إي» تمتلك حصة مباشرة في الاتحاد المالي لشركة «إيرباص» لسنوات طويلة قبل أن تعيد بيعها إلى شركة «إي إيه دي إس» عام 2006.

وهذه الصفقة من الممكن أن تمنح الشركتين المزيد من قوة الضغط للمنافسة مع شركة «بوينغ» وغيرها من الشركات العسكرية الأميركية، وتحوز شركة «بي إيه إي» بالفعل وجودا قويا في الولايات المتحدة، أما شركة «إي إيه دي إس» فلم تحقق سوى نجاح محدود مع العقود العسكرية الأميركية، حيث خسرت الشركة العام الماضي عقدا ظلت تسعى وراءه مع سلاح الطيران الأميركي بقيمة 35 مليار دولار لشراء طائرات تزويد بالوقود في الجو لصالح شركة «بوينغ». وأغلب الظن أن الكيان الناتج عن اندماج شركتي «إي إيه دي إس» و«بي إيه إي» سوف يجلب نحو خمس مبيعاته من أميركا الشمالية.

وفي تصريح صدر إلى «بورصة لندن» في وقت متأخر من يوم الأربعاء الماضي، ذكرت شركة «بي إيه إي» أن الاندماج المحتمل «سوف ينشئ مجموعة دولية على مستوى عالمي في مجال الأمن والدفاع والطيران لديها مراكز كبرى للتميز في التصنيع والتكنولوجيا في كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية».

وأي صفقة سيكون لها نصيبها من العقبات التنظيمية، إذ ينبغي أن توافق المفوضية الأوروبية على الاندماج، كما أن الحكومة الأميركية هي الأخرى قد تدخل في الصفقة، حيث من الممكن أن تتعرض وحدة «ساندرز» التابعة لشركة «بي إيه إي» للتفتيش - وهذه المجموعة، التي استحوذت عليها شركة «بي إيه إي» من شركة «لوكهيد مارتين» عام 2000، تتخصص في صناعة الأجهزة الإلكترونية العسكرية.

وأكد أندرسون: «من المستحيل تخمين كم من العرض المجمع سيتعين بيعه لإرضاء الجهات التنظيمية».

كما سيتعين على الشركتين أيضا اجتياز تعقيدات قاعدة المستثمرين الخاصة بكل منهما، حيث إن 49,35 في المائة من أسهم شركة «إي إيه دي إس» اليوم هي ملكية خاصة، تسيطر منها الحكومة الفرنسية وشركة «دايملر» الألمانية على حصة تبلغ 22,35 في المائة لكل منهما، بينما تمتلك إسبانيا حصة تبلغ 5,45 في المائة، أما شركة «بي إيه إي» فهي مؤسسة طيران كانت مملوكة في السابق للحكومة البريطانية.

ومن الممكن أن يساعد هيكل الصفقة على تهدئة المساهمين، فبدلا من الاندماج دفعة واحدة، يوضح الطرفان أنهما سيدخلان في هيكل شركة مدرجة إدراجا مزدوجا، مما سيسمح لشركة «بي إيه إي» بأن تحتفظ بميراثها البريطاني، في حين يظل في مقدور شركة «إي إيه دي إس» أن تزعم أنها شركة أوروبية قارية ستكون مملوكة لكيانات فرنسية وألمانية وإسبانية.

وقد انتهجت شركات أخرى ذلك النهج، حيث إن شركتي «بي إتش بي بيليتون» و«ريو تينتو» هما شركتان مدرجتان إدراجا مزدوجا وتضمان شركة بريطانية عامة محدودة وشركة أسترالية عامة محدودة.

وبموجب القانون البريطاني، يتعين على شركتي «إي إيه دي إس» و«بي إيه إي» أن تقررا حتى يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل ما إذا كانتا ستمضيان في الاندماج. وقد ورد تقرير عن مفاوضات الاندماج في وقت سابق من يوم الأربعاء الماضي على قناة «بلومبرغ نيوز».

* خدمة «نيويورك تايمز»