السعودية: الاكتتابات الضخمة تضع الشركات المالية في مأزق توفير متعهدي التغطية

بسبب انخفاض عدد المكتتبين الأفراد

متوسط عدد المكتتبين في الفترة الأخيرة يبلغ نحو مليوني مكتتب (تصوير: خالد الخميس)
TT

أبدت شركات مالية تعمل في إدارة الاكتتابات الجديدة المطروحة في السوق السعودية، تخوفا متزايدا من عملية القدرة على إقناع البنوك المحلية في البلاد بالتعهد على تغطية الاكتتابات الضخمة، حيث تتحفظ بعض البنوك العاملة في السوق السعودية على التعهد على تغطية هذه الاكتتابات بسبب تراجع أعداد المكتتبين.

ويبلغ متوسط معدلات المكتتبين السعوديين في الاكتتابات الأخيرة نحو مليوني مكتتب، وهو رقم ينخفض بنسبة 80 في المائة عن أعلى عدد وصل إليه المكتتبون السعوديون الأفراد في الشركات المطروحة أمامهم، حيث كانت أعلى الأرقام تقف عند مستويات 10 ملايين مكتتب في عام 2006م.

وأمام هذه المستجدات، أرجع خبراء اقتصاديون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أمس انخفاض متوسط عدد المكتتبين الأفراد في الشركات المطروحة للاكتتاب العام خلال الاكتتابات الأخيرة عما كانت عليه قبل 6 سنوات، إلى تراجع معدلات الثقة في سوق الأسهم السعودية من جهة، وتراجع معدلات الأرباح المالية المحققة من هذه الاكتتابات من جهة أخرى.

وقال الدكتور سالم باعجاجة الخبير الاقتصادي والمالي لـ«الشرق الأوسط»: «من الطبيعي أن ينخفض عدد المكتتبين الأفراد في الشركات التي يتم طرحها للمساهمة العامة في وقت يعيش فيه مؤشر السوق تداولات قريبة من منطقته الأدنى خلال السنوات الـ7 الماضية، وتقل بشكل كبير جدا عن أعلى مستوياته التي كان عليها في مطلع عام 2006».

وأوضح الدكتور باعجاجة أن تراجع حجم الأرباح المحققة لكثير من الاكتتابات التي تم طرحها خلال الفترة الأخيرة ساهم في عزوف كثير من السعوديين عن الاكتتابات الأولية، مشيرا إلى أن جميع هذه العوامل تعد مؤشرات تدل على انخفاض مستويات الثقة في تعاملات سوق الأسهم المحلية.

من جهة أخرى أكد فيصل العقاب الخبير المالي والاقتصادي لـ«الشرق الأوسط» أمس أن البنوك المحلية بدأت تتحفظ على التعهد بتغطية الاكتتابات الضخمة بسبب عزوف كثير من السعوديين عن الاكتتابات الأولية، وقال: «ليس من المعقول أن تتعهد البنوك بتغطية اكتتابات تتجاوز قيمتها حاجز المليار ريال (266 مليون دولار)، في ظل تحفظها الشديد على هذه الاكتتابات».

وأشار العقاب إلى أن ارتفاع نسبة الثقة في تعاملات سوق الأسهم السعودية، ستقود إلى ارتفاع عدد المكتتبين في الشركات المطروحة بشكل أولي، مضيفا: «قبل نحو 6 سنوات كان عدد المكتتبين يتراوح بين مستويات 8 إلى 10 ملايين مكتتب من قبل السعوديين، الآن متوسط عدد المكتتبين يبلغ نحو مليوني مكتتب فقط».

من جانب آخر، أبدى مصدر مسؤول في إحدى الشركات المالية في السعودية، تخوفا من عملية تراجع عدد البنوك المرحبة بعملية تغطية الاكتتابات الضخمة الجديدة، وقال: «حقيقة نواجه صعوبات كبيرة في عملية إيجاد بنوك تتعهد بتغطية الاكتتابات الضخمة، العملية باتت تمثل عائقا بالنسبة لنا».

وكان قد أكد خبراء اقتصاد سعوديون لـ«الشرق الأوسط» قبل نحو 3 أشهر، أن سوق الأسهم المحلية تفتقد «الهوية»، وتتبع الأسواق العالمية بشكل غير منطقي.

وطالب هؤلاء بضرورة إيجاد متحدث رسمي يستطيع طمأنة المتداولين عند حدوث الأزمات، إضافة إلى وجود صانع سوق يستطيع حماية السوق من تقلبات الأسواق المالية العالمية، وقالوا: «سوق الأسهم السعودية تفتقد القائد الحقيقي الذي يستطيع موازنة تداولاتها، بما يحقق المصلحة العامة للمتداولين، وللاقتصاد الوطني».

وأضافوا خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» حينها: «سوق الأسهم السعودية لا تعاني أيا من المشكلات التي تحدث في الغرب والتي تؤثر سلبا على أسواقها المترابطة، كما أنها ما زالت منغلقة أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذا يجعل ارتباطها الأقوى بالداخل وليس الخارج».

وأكد فضل البوعينين الخبير الاقتصادي والمالي لـ«الشرق الأوسط» قبل نحو 3 أشهر، أن سوق الأسهم السعودية تفتقد «الهوية»، مضيفا: «أصبحت تابعة للأسواق المالية العالمية، ولا تستطيع تحديد مسارها المستحق، على الرغم من مقومات القوة التي تتميز بها بدءا من نمو ربحية الشركات المدرجة فيها، وانخفاض مكررات الربحية، والنظرة المتفائلة بأرباح القطاعات الرئيسية، ومتانة الاقتصاد السعودي، والتوسع في الإنفاق الحكومي الذي ينعكس إيجابا على ربحية الشركات».

وأشار البوعينين إلى أن سوق الأسهم السعودية لم تستفد من المؤشرات الإيجابية الداخلية والخارجية، وقال: «على العكس من ذلك نجدها تتفاعل بقوة مع تراجعات الأسواق العالمية وتفقد مجمل أرباحها المحققة لأسباب خارجية يمكن احتواؤها والسيطرة عليها في الداخل».

وأضاف: «صحيح أن هناك علاقة قوية بين الأسواق المالية العالمية، ولكن تلك العلاقة يجب أن تكون محدودة في السوق السعودية لسببين رئيسين، الأول أن السعودية لا تعاني أيا من المشكلات التي تحدث في الغرب وتؤثر سلبا على أسواقها المترابطة، والثاني أن السوق السعودية ما زالت منغلقة أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذا يجعل ارتباطها الأقوى بالداخل وليس الخارج».

وقال البوعينين: «الأداء الحالي لسوق الأسهم السعودية يقودنا إلى إعادة طرح أهمية وجود صانع السوق الذي لا يمكن لأي سوق مالية العمل بانضباطية دون وجوده»، مؤكدا على أن السوق السعودية تفتقد القائد الحقيقي الذي يستطيع موازنة تداولاتها بما يحقق المصلحة العامة للمتداولين وللاقتصاد الوطني.