حركة «احتلوا وول ستريت».. هل هي حالة «هوس» آلت إلى لا شيء؟

بعض الكتاب الغربيين شبهوا أهميتها بثورات الربيع العربي

وول ستريت.. شارع المال الشهير في نيويورك
TT

سوف تكون مجرد ملحوظة في كتب التاريخ، هذا إذا ورد لها ذكر من الأصل. في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي بدأ الإعداد لحركة «احتلوا وول ستريت» في حديقة «زوكوتي بارك»، حيث كانت المجموعة غير المترابطة من المحتجين الذين أصابهم الإحباط بسبب الركود الاقتصادي ترغب في توجيه اللوم إلى وول ستريت والشركات الأميركية للتسبب في الكثير من المشكلات التي ابتليت بها البلاد.

ورغم أن الأيام الأولى للحركة لم تلق تغطية إخبارية كافية، فإنها سرعان ما تحولت إلى هوس إعلامي، حيث شبهها بعض الكتاب الصحافيين في أهميتها بثورات الربيع العربي التي أشعلها الإعلام الاجتماعي وأدت إلى إسقاط زعماء العديد من البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط، وانتشرت صور محتجي وول ستريت وهم يتعرضون للتوقيف في القنوات الإخبارية واحتلت أغلفة الصحف، وأقيمت المتاريس حول المصارف الكبرى وكذلك تمثال «الثور المهاجم» الشهير الذي يرمز إلى وول ستريت. وبنهاية العام، كانت مجلة «التايم» قد منحت «المحتج» جائزة «شخصية العام»، وربما كان معها الحق في ذلك بالنظر إلى الثورات التي كانت مشتعلة في مختلف أنحاء العالم، إلا أن المجلة اعتبرت حركة «احتلوا وول ستريت» أيضا من بين الحركات الكثيرة الهادفة التي كانت جارية وقتها.

أما الآن وبعد مرور 12 شهرا، فإنه يمكن، بل وينبغي القول، بأن حركة «احتلوا وول ستريت» - وإن كان هذا قد يبدو قاسيا - كانت مجرد حالة هوس مؤقتة. ولا يعني هذا أن الحركة لم يكن لها تأثير، فقد خلقت حوارا وطنيا مهما حول التفاوت الاقتصادي والحراك الاجتماعي، وصار الهتاف «نحن نمثل 99 في المائة» جزءا من المعجم، وتم نسج رسالتها ببراعة طوال حملة إعادة انتخاب إدارة الرئيس أوباما من خلال موقف الديمقراطيين تجاه كل شيء، بداية من فرض الضرائب على أصحاب أعلى الدخول إلى الارتفاع الهائل في مستويات الديون الدراسية.

ولكن لننظر إلى الأسئلة التالية: هل تغير حقا الجدل الدائر حول تقسيم المصارف التي كانت أكبر من أن تتعرض للانهيار، باستثناء تغيير رئيس مجلس إدارة مصرف «سيتي غروب» السابق ستانفورد ويل لرأيه، أو بدأ يكتسب فعالية نتيجة لحركة «احتلوا وول ستريت»؟ لا. هل تم تطبيق أي ضوابط تنظيمية جديدة للمصارف أو للشركات نتيجة لحركة «احتلوا وول ستريت»؟ لا. هل ظهر أي ضغط جديد له مغزى من أجل وضع مسؤولي وول ستريت وراء القضبان نتيجة لحركة «احتلوا وول ستريت»؟ لا. وحتى في ما يتعلق بمشكلتي التفاوت الاقتصادي والحراك الاجتماعي - اللتين ربما تعدان أقوى موضوعين لحركة «احتلوا وول ستريت» - هل غيرت الحركة من الجدل القائم حول أجور ومكافآت مسؤولي الشركات أو إصلاح التعليم؟ إنها لم تنجح في هذا حتى ولو بصعوبة. هل ما زال هناك غضب وذعر من مشكلة البطالة المفزعة في الولايات المتحدة؟ بالقطع نعم. لكن ذلك الشعور، وما نتج عنه من حوار إن وجد، كان سيحدث سواء في وجود حركة «احتلوا وول ستريت» أو من دونها.

ومصارف وول ستريت نفسها لم تشعر بضغط المحتجين، فضلا عن اعتبارهم إزعاجا وتكلفة أمنية إضافية. ورغم أن الحملات التي تدعو العملاء إلى نقل أموالهم إلى مصارف محلية أصغر حجما، فإن قلة قليلة من العملاء هي التي فعلت ذلك. ولعل أكبر انتصار تستطيع الحركة أن تزعم أنها حققته هو القرار الذي اتخذه «بنك أوف أميركا» وغيره من المصارف الكبيرة بالرجوع عن نيتها تحصيل مصروفات إضافية مقابل استعمال البطاقات المدينة، كما أن المحتجين لفتوا الأنظار إلى ممارسات الحجز التي تنتهجها المصارف، بل وقدموا التماسا نجح في منع الحجز على منازل بعض المقترضين الذين يعانون من صعوبة في السداد.

وفي خريف عام 2011، لم يكن التشكيك في أي شيء له علاقة بالحركة أمرا مقبولا، حيث كان هذا بمثابة دعوة لتلقي السخرية (وقد جربت هذا بنفسي بعد أن كتبت ما كنت أظنه عمودا صحافيا يتسم نسبيا بالاحترام عن الاحتجاجات في حديقة «زوكوتي بارك»). وقد كانت المشكلة في هذه الحركة، كما أشار الكثير من الكتاب الصحافيين الآخرين من قبل، هي أن مهمتها ظلت دائما مبهمة بطريقة مقصودة، كما ظلت عمدا بلا قيادة، ولم تسع مطلقا إلى أن تصبح حزبا سياسيا أو حتى أن يكون لها اسم شهرة مثل «حزب الشاي».

ومع المرة الثانية أو الثالثة التي نزلت فيها إلى حديقة «زوكوتي بارك»، اتضح لي أن حركة «احتلوا وول ستريت»، التي بدأت بمجموعة صغيرة من المفكرين المتحمسين، تعرضت للاختطاف من قبل المنحرفين والمتشردين الباحثين عن الطعام والمأوى. وبالنظر إلى الطريقة التي كانت بها المنظمة - إذا أمكن تسميتها كذلك - مفتوحة لاستيعاب جميع القادمين، فإن هذا التجمع فقد إحساسه بالهدف مع ظهور العديد من النزاعات الداخلية بشأن السيناريو النهائي للجماعة. وأذكر جيدا أنني شاهدت أحد المحتجين وهو يحمل لافتة مكتوبا عليها «غوغل = مليارديرات يهود»، ثم جاء محتج آخر وخطا فوق الصورة بقدميه ثم قام بتمزيقها. فالرسائل كانت بلا ريب قد أصبحت مختلطة ومشوشة إلى أقصى درجة.

وقد قام إيليوت سبيتزر، محافظ نيويورك سابقا والنائب العام السابق الذي لطالما كان من أنصار حركة «احتلوا وول ستريت»، مؤخرا بتحليل تراث الحركة، فكتب في مجلة «سليت»: «إنهم يعيدون تعريف وموازنة خطابنا السياسي. إلى كل من يشعرون بعدم الرضا لأن حركة احتلوا وول ستريت لم تتحول إلى النظرية السياسية أو الأجندة الاجتماعية الكاملة التي كان البعض يأملونها، أقول: اعترفوا بالفضل حيث ينبغي الاعتراف بالفضل». وهذا الكلام صحيح، ولكن حتى سبيتزر نفسه يتساءل «والآن علينا أن نسأل أنفسنا: وماذا بعد؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»