توجه عالمي لفرض قيود على عمليات التداول فائقة السرعة

على خطى أسواق الأسهم الأميركية

وول ستريت.. شارع المال الشهير في نيويورك
TT

بعد سنوات من منافسة أسواق الأسهم الأميركية القوية، تستخدم الآن دول العالم أميركا كنموذج للشكل الذي لا يروق لها أن تظهر به.

وبحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» فقد تبنى الرواد في مجال الصناعة والجهات التنظيمية في الكثير من الدول، من بينها كندا وأستراليا وألمانيا، أو اقترحوا، فرض قيود على التداول فائق السرعة وغيرها من التطورات التكنولوجية الأخرى التي باتت تميز أسواق الولايات المتحدة.

تعتبر فورة النشاط الدولي مدهشة على وجه الخصوص، بالنظر إلى أن الجهات التنظيمية كانت بطيئة على وجه الخصوص في اتخاذ إجراء في الولايات المتحدة، حيث قد تعرضت شركات تداول ومستثمرون لضربات قاضية بفعل سلسلة من الاضطرابات المعرقلة، من بينها انهيار البورصة عام 2010 والتداول الجامح في أغسطس (آب) من قبل شركة «نايت كابيتال» والذي كبدها خسائر قيمتها 440 مليون دولار في غضون ساعات فقط. وفيما تعقد لجنة الأوراق المالية والبورصة اجتماع مائدة مستديرة حول هذا الموضوع يوم الثلاثاء، إلا أنها لم تقترح أي قواعد جديدة رئيسية هذا العام.

بالمقارنة، مررت الحكومة الألمانية يوم الأربعاء لائحة تنظيمية من شأنها أن تلزم شركات التداول فائق السرعة بالتسجيل لدى الحكومة وأن تقيد قدرتها على طرح أوامر بيع وشراء وإلغائها بسرعة، وهي واحدة من الاستراتيجيات الرئيسية التي توظفها الشركات للاستفادة من التغيرات الصغيرة في سعر الأسهم. وبعد بضع ساعات، صدقت لجنة تابعة للاتحاد الأوروبي على قواعد مماثلة ولكن أوسع نطاقا من المفترض أن يتم تطبيقها على القارة بأكملها، إذا ما حصلت على تصديق من الأجهزة الرقابية التابعة للاتحاد.

وفي أستراليا، أعلنت أعلى جهة تنظيمية مشرفة على أسواق الأوراق المالية مؤخرا عن عزمها وضع شركات التداول المعتمدة على أنظمة الكومبيوتر فائقة السرعة تحت رقابة أكثر صرامة وإجبارها على الخضوع لاختبارات تحمل، لتأمينها «ضد نوع الاضطراب الذي قد شهدناه مؤخرا في أسواق أخرى».

لقد أتت أوسع التغييرات نطاقا وأكثرها سرعة من كندا، حيث بدأت الجهات التنظيمية هذا الربيع في زيادة الرسوم المفروضة على الشركات التي تغرق السوق بأوامر شراء وبيع. وقد وجدت شركة الأبحاث والتداول «آي تي جي» أن التغيير قد جعل التداول أكثر فعالية بتقليل تزاحم البيانات الذي يشكل عبئا على أنظمة الكومبيوتر في السوق.

الآن، تستعد منصات التداول الكندية للقواعد التنظيمية التي سيتم تفعيلها في 15 أكتوبر (تشرين الأول) والتي ستقوض نمو مواقع التداول المعقدة، المعروفة باسم منصات التداول الخلفية، والتي زادت أعدادها بشكل هائل في الولايات المتحدة. وبينما أثير جدل حاد حول اللائحة التنظيمية، إلا أن الكثير من المصرفيين والمستثمرين الكنديين قد ذكروا أنهم لا يرغبون في مواصلة السير في الطريق الذي قد أحال الولايات المتحدة من امتلاك بورصة رئيسية واحدة قبل عشر سنوات إلى امتلاك 13 بورصة رسمية وعشرات من منصات التداول الخلفية.

قال غريغ ميلز، رئيس عمليات تداول الأسهم بأكبر بنوك الدولة، وهو بنك كندا الملكي: «نحن لا نرغب في أن نبدو مثل الولايات المتحدة، لكن علينا أن نقوم بذلك بشكل أفضل مما نحن عليه الآن».

سافر مسؤولون كنديون إلى واشنطن الأسبوع الماضي للحديث عما يمكن أن تقدر الولايات المتحدة على تعلمه عما قريب عن كندا بشأن كيفية كبح جماح أسواق التداول فائق السرعة.

وقال كيفان كوان، رئيس بورصة تورونتو في المؤتمر الذي عقد في الأسبوع الماضي: «نظرا لأن الولايات المتحدة قد تحركت بسرعة فائقة، فقد أتيحت لنا الفرصة للرصد والوقوف في بعض الحالات على حقيقة أن هناك درجات قصوى لا نرغب في الوصول إليها».

وقد واجهت الجهات التنظيمية الأميركية طلبا متزايدا في أرض الوطن على بعض أنواع إصلاحات السوق من جانب متداولين ومسؤولين بالبورصة. وفي جلسة استماع في مجلس الشيوخ حول التداول الإلكتروني يوم الخميس الماضي، طالب أحد محللي السوق بتعليق نشاط مواقع التداول الجديدة التي قد ظهرت في الأعوام الأخيرة، فيما اقترح متداولون استخدام أزرار إغلاق إجبارية يمكن الضغط عليها في حالة حدوث أي خلل تكنولوجي. وقال عضو مجلس الشيوخ الذي طالب بعقد جلسة الاستماع، جاك ريد، الديمقراطي من رودي أيلاند، إن «سوقنا مستمرة في التطور بسرعة فائقة وليس من الواضح ما إذا كان يتم الالتزام بقواعدنا التنظيمية أم لا».

ثمة تفسيرات كثيرة لتباطؤ إيقاع الإصلاح في الولايات المتحدة، من بينها انهيار العمل الذي تعين على لجنة الأوراق المالية والبورصة التعامل معه في إتمام اللوائح التنظيمية المفروضة بموجب قانون «دود فرانك» للإصلاح المالي. إضافة إلى ذلك، فإن كثيرا من أكبر المشاركين في السوق الأميركية، بما فيهم البنوك الكبرى، قد أنشأوا منصات تداول فائقة السرعة ومنصات تداول خلفية، ونتيجة لذلك، فإن لهم مصلحة شخصية في تأمينها ضد اللوائح الجديدة.

لقد نال الأسلوب اللين للجهات التنظيمية الأميركية استحسان الكثير من المشاركين في مجال الصناعة حول العالم ممن يقولون: إن التسارع في مناطق أخرى نحو فرض قواعد تنظيمية جديدة من شأنه أن يعرض تكاليف التداول الأقل التي قد أتت من أتمتة الأسواق الأميركية للخطر.

وقال مايكل أيتكين، كبير العلماء بمركز الأبحاث التعاونية لأسواق رأس المال في أستراليا، إن الضغط من أجل تطبيق اللائحة التنظيمية في أستراليا ومعظم بقية أنحاء العالم كان مدفوعا بحالة من «الهستيريا» وليس «سياسة تستند إلى أدلة».

في العام الماضي، افتتحت شركة «تشي إكس»، التي تدير أكبر نظام دولي بديل لشراء وبيع الأسهم، أول جهة منافسة لبورصة الأوراق المالية الأسترالية. وما زالت بورصتا أستراليا بعيدتين بمسافة كبيرة عن البورصات الثلاث عشرة في الولايات المتحدة، غير أن شركة «تشي إكس» قد جذبت نسبة تربو على 7% من عمليات التداول الأسترالية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى إرضائها شركات التداول فائق السرعة. يمثل التداول فائق السرعة الآن نسبة 30% من إجمالي عمليات التداول في الأسهم الأسترالية، مقارنة بنسبة 65% في الولايات المتحدة، بحسب شركة الاستشارات «سيلنت».

كتب اتحاد يضم صناديق تقاعد وشركات استثمار أسترالية، يحمل اسم «إندستري سوبر نت وورك»، خطابا إلى أعلى جهة تنظيمية لأسواق الأوراق المالية في الدولة الأسبوع الماضي يدعم فيه جهود الإصلاح الأخيرة ويطالب بتعليق شامل لعمليات التداول الجديدة فائقة السرعة.

جاء في خطاب المجموعة: «يمكن أن تؤدي المزايا الهيكلية (المتحققة بشكل كبيرة من التكنولوجيا) إلى إعادة توزيع الأرباح المتحققة بشكل غير عادل من المستثمرين التقليديين طويلي الأجل على شركات التداول فائق السرعة».

وقد عكف البرلمان الأوروبي على صياغة لوائح تنظيمية جديدة للتداول لما يقرب من عام، لكن اللجنة التي تقوم بالعمل قد وسعت نطاق المقترحات بشكل كبير منذ انهيار «نايت كابيتال». ومن شأن قاعدة تنظيمية جديدة أن تلزم شركات التداول فائق السرعة بالإبقاء على الأسعار التي تطرحها لمدة 500 ألف جزء من الثانية على الأقل، وهي مدة طويلة جدا بالنسبة للشركات التي اعتادت إرسال الأسعار وسحبها خلال أجزاء من الملايين من الثانية.

وقال كاي سوينبيرن، أحد الأعضاء الستة باللجنة التي وضعت القواعد التنظيمية، إنه كان هناك «شعور عام مفاده أن الأسواق الأميركية ما زالت تتعلم من أخطائها». وقد تم التصديق على مشروع القانون الذي تقدمت به اللجنة يوم الأربعاء، لكن لا يزال أمامه طريق طويل قبل أن يفعل في صورة قانون. لكن سوينبرن، المصرفية السابقة، أشارت إلى أنها تخشى أن يتجاوز زملاؤها من أعضاء اللجنة المدى وينتهي بهم الحال إلى تقييد عمليات التداول، مما يجعل عملية شراء وبيع الأسهم أعلى تكلفة بالنسبة للمزيد من المستثمرين التقليديين. وفي كندا، بسبب القواعد والقوانين التي كان معمولا بها بالفعل، كان تأثير انهيار البورصة الذي حدث في عام 2010 أقل حدة، حيث أدى إلى هبوط مؤشرات الأسهم الرئيسية بنسبة 4% فقط، فيما هبطت بنسبة تزيد على 9% في الولايات المتحدة. أنهت الجهات التنظيمية الكندية مؤخرا أول مرحلة من دراسة لسلوك شركات التداول فائق السرعة. وفي وقت سابق من هذا العام، وضعت لائحة تتعلق بحركة مرور البيانات المعتمدة على الرسوم، من خلال فرض رسوم على الشركات نظير كل الأوامر التي تقوم بإلغائها، وليس فقط على المعاملات التي تنفذها. يذكر أن نحو ربع عمليات تداول الأسهم في كندا تجريها شركات التداول فائق السرعة.

ومن المتوقع أن تؤدي قواعد جديدة سيتم تفعيلها في كندا إلى تقليل عدد منصات التداول الخلفية، التي لا تنشر معلومات عن عمليات التداول التي تجرى داخلها. كانت بداية ظهور منصات التداول الخلفية في الولايات المتحدة كأماكن يمكن أن يقصدها المستثمرون الكبار لتنفيذ معاملات من دون الكشف عن مراكزهم المالية. واليوم، يمكن أن يذهب أي أمر إلى أي مستثمر طالما أن السعر أفضل من السعر المطروح في بورصة عامة، حتى لو كان أقل منه بقيمة واحد على ألف من السنت. تتم نحو 15% من إجمالي عمليات تداول الأسهم الأميركية الآن في المنصات الخلفية.

لقد أخذت المنصات الخلفية في الازدياد في كندا، لكن بدءا من 15 أكتوبر، سوف يسمح لمنصات التداول الخلفية بتلقي أوامر، فقط إذا ما كانت تعرض سعرا أفضل بشكل ملحوظ.

وقالت سوزان وولبرغ جيناه، الرئيس التنفيذي للهيئة التنظيمية للاستثمار بكندا، إن هيئتها تتبع نهجا خاصا بها.

وأضافت: «مع كل هذه التقنيات الجديدة، تأتي المسؤولية عن ضمان عدم تأثر نزاهة السوق بشكل سلبي».