احتمال نشوب حرب تجارية بين أميركا والمكسيك

بسبب الطماطم

أحد أنواع الطماطم المكسيكية (نيويورك تايمز)
TT

تشير التقديرات إلى أن ثمرة واحدة من بين كل ثمرتي طماطم تؤكلان في الولايات المتحدة تأتي من المكسيك، وهو تقدير يرغب المزارعون في فلوريدا في تغييره، حتى وإن كان ذلك يهدد بخطر اندلاع حرب تجارية.

ويوم الخميس، بات لديهم مبرر يدفعهم للأمل.. حيث أشارت وزارة التجارة الأميركية في ذلك الحين إلى أنها ربما تكون مستعدة لإلغاء اتفاقية تعود إلى 16 عاما مضت بين الولايات المتحدة وبعض المزارعين المكسيكيين، أبقت على سعر الطماطم المكسيكية منخفضا نسبيا بالنسبة للمستهلكين الأميركيين. ويقول مزارعو الطماطم الأميركيون إن السعر أصبح متدنيا جدا بحيث بات دخولهم المنافسة أمرا صعبا.

وفي غضون ساعات من الإجراء الأميركي، هددت المكسيك بالانتقام، مدعية أن إدارة أوباما تحاول استرضاء المزارعين في ولاية مهمة متأرجحة. وتحظى الحكومة المكسيكية بدعم من مؤيدين غير محتملين في الولايات المتحدة: المتاجر الكبرى مثل «وول مارت»، التي تخشى من أن يكون لزاما عليها رفع أسعارها، وبعض منتجي السلع الذين يساورهم القلق من أن تشعل منتجاتهم حربا تجارية. وقال جون كيلينغ، المدير التنفيذي لمجلس البطاطا الوطني «سيكون من سوء الحظ أن ينحدر هذا الوضع إلى حرب، لأن الأمر أصبح يتخذ صورة مبدأ العين بالعين، وفي النهاية لا يربح أي طرف».

وكجزء من ترتيب معقد يعود إلى عام 1996، حددت الولايات المتحدة الحد الأدنى للسعر الذي يمكن أن تدخل به الطماطم المكسيكية السوق الأميركية. وعلى مر السنين، هبط حجم مبيعات الطماطم في فلوريدا ليصل إلى 250 مليون دولار سنويا، هبوطا عن 500 مليون دولار، بحسب ريغي براون، نائب رئيس بورصة منتجي الطماطم في فلوريدا، والذي تزعم الدعوة لإلغاء الاتفاقية. وتعتبر الولاية هي أكبر منتجي الطماطم الطازجة في السوق، تليها كاليفورنيا.

في الوقت نفسه، قال برونو فيراري، وزير الاقتصاد المكسيكي، إن قيمة صادرات الطماطم في المكسيك قد زادت لأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 1.8 مليار دولار منذ توقيع الاتفاقية، وتدعم صناعة الطماطم هناك 350 ألف وظيفة. وما زالت في أذهان منتجي السلع الأخرى وكبار تجار التجزئة ذكريات مريرة عن التعريفات الجمركية المرتفعة التي فرضتها المكسيك على منتجي الطماطم ولحم الخنزير وورق التواليت في الولايات المتحدة - السلع التي تبلغ قيمتها 2.4 مليار دولار - خلال حرب تجارية بشأن نقل البضائع بالشاحنات بدأت في عام 2009 وانتهت العام المنصرم. وفي العام الأول من تلك الحرب، هبطت صادرات الطماطم إلى المكسيك بنسبة تربو على 35 في المائة، وخسر المزارعون عائدات قيمتها 64 مليون دولار، مع تحويل المكسيكيين الشراء إلى كندا، بحسب كيلينغ.

ويشير تحليل اقتصادي بولاية أيوا إلى أن منتجي لحم الخنزير، الذين خسروا أيضا أموالا أثناء الحرب التجارية المشتعلة حول نقل البضائع بالشاحنات، قد يتكبدون خسائر تقدر بنحو 14 دولارا للخنزير الواحد، إذا ما فرضت المكسيك تعريفات جمركية مماثلة على لحم الخنزير الآن، على حد قول نيك جيوردانو، نائب رئيس المجلس الوطني لمنتجي لحم الخنزير. وقال جيوردانو «نحن نشهد بالفعل واحدة من أسوأ الفترات المالية بسبب ارتفاع أسعار الحبوب، وإذا ما كنا في طريقنا لخسارة سوق رئيسية مثل المكسيك، فسيكون الأمر مثل حرب هرمغدون». وقال فيراري إن المكسيك كانت مستعدة لاتخاذ كل الإجراءات الانتقامية المخولة لها بموجب القانون. وحذر من أن صدور حكم قضائي نهائي ضد المكسيك من شأنه أن يهدد المحادثات الجارية بشأن نزاعات تجارية أخرى بين البلدين.

ويقول المكسيكيون إنهم يخشون من أن يؤدي إلغاء الاتفاقية لإفساح المجال للمزارعين الأميركيين لرفع شكاوى رسمية يتهمون فيها المكسيكيين بانتهاج ممارسات تجارية غير عادلة، اتبعوها مرارا وتكرارا قبل توقيع الاتفاقية.

وجاء بيان يوم الخميس مع استعداد منتجي الطماطم الأميركيين لمقابلة مسؤولين بوزارة التجارة يوم الجمعة لاقتراح شروط جديدة لتحسين الاتفاقية. وقد ذكر المزارعون أنهم على استعداد لقبول سعر أعلى لثمار الطماطم التي يزرعونها وزيادة عدد المزارعين في الاتفاقية ووضع إجراءات جديدة لتفعيل الاتفاق.

وقال مارتن لي، نائب رئيس «ديل كامبو سوبريم»، الشركة العائلية التي صدرت طماطم قيمتها 60 مليون دولار للولايات المتحدة وكندا العام الماضي «نحن محبطون وحائرون وغاضبون. نحن لا نفهم أين يذهب هذا ومن أين يأتي». وقال روبرت لا روزا، وهو محام يمثل لي ومزارعين آخرين من سينالوا، أكبر ولاية مصدرة، إنه كان بمثابة «إهانة» لوزارة التجارة أن تدلي الشركة بهذا التصريح قبل يوم من عقد اجتماعها. وأشار إلى أنه قد تم إرسال أكثر من 300 خطاب لتأييد إبقاء الاتفاقية. وقال لا روزا «إنهم بحاجة لأن يضعوا في اعتبارهم ما هو أكثر من مصالح خمس أو ست أسر في فلوريدا».

ويرى المكسيكيون أنهم يتعرضون لهجوم بسبب طرحهم منتجا أفضل، إذ يقولون إنهم قد استثمروا بكثافة في أنواع عديدة من الطماطم، وفي التقنيات الزراعية المعقدة، بهدف تحسين الإنتاجية ومستوى الجودة. ويقول المكسيكيون إن ثمار الطماطم في فلوريدا يتم انتقاؤها خضراء، ثم رشها بالإثيلين لتتحول إلى اللون الأحمر، لكن الطماطم شديدة النضج تزرع في سينالوا، وهي التي ترجع إليها الزيادة الهائلة في كميات الطماطم شديدة النضج التي تباع في متاجر البقالة الأميركية.

* خدمة «نيويورك تايمز» ويصعب خطر الأعاصير في فلوريدا على المزارعين مهمة إنشاء زراعة بنظام الصوبة الزجاجية، على الرغم من أن المزارعين في المناطق الأخرى ليس لديهم ذلك الخوف. وقال براون، من بورصة منتجي الطماطم في فلوريدا، إنه لا يمكنه تخيل أي شيء يمكن أن يقدمه المكسيكيون من شأنه أن يجعل هذه الاتفاقية جذابة بالنسبة للمزارعين الأميركيين.

وسيكون أمام وزارة التجارة 40 يوما بعد طباعة بيان يوم الخميس في السجل الفيدرالي، ربما في وقت ما من الأسبوع المقبل، لاتخاذ القرار النهائي. وتوقع المكسيكيون - وكثيرون آخرون - احتمال أن يكون دور فلوريدا في الانتخابات المقبلة قد ارتبط نوعا ما بالتوقيت.

«هذه مسألة جدلية تثار في سياق هذه الانتخابات الرئاسية، وتعتبر فلوريدا واحدة من تلك الولايات المتأرجحة»، هذا ما قاله غاري كلايد هوفباور، وهو زميل رفيع المستوى بمعهد بيترسون للاقتصاديات الدولية ونائب سكرتير عام سابق للتجارة الدولية وسياسة الاستثمار بوزارة الخزانة. وأضاف «لكن لدينا أيضا كثيرا من الأمور التي يجب أن نأخذ احتياطاتنا منها مع المكسيك، وعدة أسباب للحفاظ على علاقات أفضل هناك».

وأرجأت اتفاقية عام 1996 تحقيقا بدأ نتيجة لشكوى رفعها مزارعو الطماطم في الولايات المتحدة ضد نظرائهم المكسيكيين في عام 1996، بعد أن ألغت اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية التعريفات الجمركية على الطماطم المكسيكية. واتهمت الشكوى المزارعين المكسيكيين ببيع الطماطم بسعر غير عادل. يذكر أن لوائح مكافحة الإغراق تمنع أي مصدر من بيع منتجات بالخارج بسعر متدن جدا إلى الدرجة التي يخسر معها المنتج أموالا، في الوقت الذي تغرق فيه السلع سوق دولة أخرى. وسوف تقرر وزارة التجارة ما إذا كانت سترفع التعليق بشكل دائم، منهية التحقيق والاتفاقية، أم لا.

وتحدد الاتفاقية، التي تم تعديلها، منذ أن أبرمت الحد الأدنى لسعر الطماطم المكسيكية عند 17 سنتا للرطل في الصيف و21.6 سنت في الشتاء. ويقول مزارعون أميركيون إنهم لا يمكنهم المنافسة عند ذلك السعر.

وأشار هوفباور إلى أن الشركات الأميركية قد سعت لإنهاء تلك الاتفاقيات لأنها خططت لرفع اتهامات جديدة بالإغراق، أملا في الوصول إلى شروط أفضل. وقال براون «الاستراتيجية الوحيدة التي نملكها الآن هي التخلص من اتفاقية تعتبر الوحيدة التي أعرفها في التاريخ التي يبدو الطرف المقيد فيها أكثر اهتماما بإبقائها من الصناعة المحلية».