اقتصادات أوروبا الكبرى تلجأ للتقشف رغم الغضب الشعبي

زيادة معدلات التضخم.. وبروكسل ترحب بنتائج تقييم البنوك الإسبانية.. والإيطاليون يحتجون على خطط مونتي

مظاهرات عارمة تجتاح شوارع إسبانيا احتجاجا على حزم التقشف التي أعلنتها الحكومة أمس (أ.ف.ب)
TT

تأتي ألمانيا ومعها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في صدارة أكبر الاقتصادات الأوروبية، وبعد الإعلان في وقت سابق عن خطط تقشف في روما ومدريد، انضمت باريس إلى الدول التي تطبق خططا تقشفية على الرغم من استمرار المظاهرات الغاضبة في عدة عواصم أوروبية للاحتجاج على التقشف، مما يعني من وجهة نظر كثير من المراقبين أن الاقتصادات الكبرى في منطقة اليورو بصفة خاصة والاتحاد الأوروبي بشكل عام تواجه مصاعب.

وأظهرت أرقام معلنة في وقت سابق مخاوف من تزايد معدلات الركود الاقتصادي في ألمانيا.

وأدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة التضخم في منطقة اليورو في شهر سبتمبر (أيلول)، على الرغم من تسجيل أسعار المواد الأساسية أبطأ ارتفاع منذ عام واحد، وبالتزامن مع ذلك رحبت المفوضية الأوروبية بالإعلان الذي أصدرته السلطات الإسبانية حول نتائج التقييم المستقل للبنوك الإسبانية، والذي أظهر أرقاما أفضل مما كان يظن سابقا.

ووصف بيان للمفوضية الأمر بأنه خطوة كبيرة في تنفيذ برنامج المساعدة المالية من أجل تعزيز واستمرارية الثقة في القطاع المصرفي الإسباني، أعلنت فيه مدريد عن حاجتها إلى 53.7 مليار يورو لإعادة هيكلة قطاعها المالي ومواجهة أزمة الثقة المتفاقمة التي تواجهها.

وفي باريس، كشفت الحكومة الفرنسية عن ميزانية تقشفية صعبة تتضمن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق في محاولة لتلبية أهداف طموحة للحد من العجز العام. إلا أن رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرول واصل التأكيد على أن 90 في المائة من الشعب الفرنسي لن يخضعوا لارتفاع الضرائب في عام 2013. ويتعين على الحكومة الفرنسية في الميزانية التي ستقدم إلى البرلمان الشهر المقبل توفير أكثر من 36 مليار يورو (47 مليار دولار) لتلبية احتياجات الموازنة على مدى الأشهر الـ12 المقبلة والحد من مواصلة العجز.

وحسب ما جرى الإعلان عنه في بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة التضخم في منطقة اليورو في شهر سبتمبر (أيلول)، على الرغم من تسجيل أسعار المواد الأساسية لأبطأ ارتفاع منذ عام واحد، فالتضخم الأساسي مع استثناء الطاقة والأغذية غير المصنعة بلغ واحدا في المائة، وهو أدنى معدل له منذ 12 شهرا. الارتفاع يأتي بينما يسعى البنك المركزي الأوروبي إلى منع تجاوز التضخم لمعدل 2 في المائة، هدف يبدو مستحيلا في ظل الركود الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة، فأسعار الاستهلاك في إسبانيا سجلت ارتفاعا في شهر سبتمبر (أيلول) بمعدل 3.5 في المائة. ومن وجهة نظر المراقبين في بروكسل هذه الأرقام تزيد من احتمال قيام البنك المركزي الأوروبي بمزيد من التخفيض لمعدلات فوائده البالغة 0.75 في المائة. رحبت المفوضية الأوروبية بالإعلان الذي أصدرته السلطات الإسبانية حول نتائج التقييم المستقل للبنوك الإسبانية، الذي أظهر أرقاما أفضل مما كان يظن سابقا.

وقالت ذراع الاتحاد الأوروبي في بيان لها: «هذه خطوة كبيرة في تنفيذ برنامج المساعدة المالية من أجل تعزيز واستمرارية الثقة في القطاع المصرفي الإسباني».

من جانبه، أشار رئيس مجموعة اليورو المؤلفة من 17 دولة جان كلود يونكر في بيان منفصل إلى أن «مجموعة اليورو قررت في يوليو (تموز) الماضي أن تمنح مساعدة مالية تصل إلى 100 مليار يورو لإسبانيا، في شكل برنامج إعادة الرسملة المصرفية، لكن التقييم الحالي يبين أن إجمالي المساعدات المالية المتفق عليها في يوليو ينبغي أن تكون أكثر من كافية لتغطية احتياجات رأس المال النهائي».

وأعرب يونكر عن ارتياحه لواقع أن إجمالي النقص المطلوب تعويضه في رأس المال للقطاع المصرفي الإسباني بات أقل بعض الشيء من 60 مليار يورو. وكانت إسبانيا قد كشفت عن حاجتها إلى 53.7 مليار يورو لإعادة هيكلة قطاعها المالي، ومواجهة أزمة الثقة المتفاقمة التي تواجهها، حيث قال نائب محافظ البنك الإسباني فيرناندو ريستوي في مؤتمر صحافي أن نتائج التقرير المخصص لتقدير التكلفة الإجمالية المطلوبة لإعادة هيكلة البنوك الإسبانية تشير إلى أن تلك القيمة ترتفع إلى 59.3 مليار يورو في أسوأ الظروف والاحتمالات ودون الأخذ بعين الاعتبار الإصلاحات الأخيرة وعمليات الاندماج الجارية بين عدة مؤسسات مصرفية، وحسب المصادر الإسبانية فإن عجز رأس المال للمصارف الإسبانية في أسوأ السيناريوهات الاقتصادية قد يبلغ ما قيمته 59.3 مليار يورو (76.3 مليار دولار)، أي أقل من التقديرات الأولية لأوليفر وايتمان في يونيو (حزيران) الماضي، التي قدرت بنحو 62 مليار يورو، وذلك وفقا لنتائج اختبار الإجهاد للمصارف الإسبانية، الذي أشار إليه الاتحاد الأوروبي مع إعلانه في يوليو عن استعداده لتقديم حزمة إنقاذ للقطاع المصرفي الإسبانية المتعثر بحد أقصي 100 مليار يورو، والذي تكبد أكثر من 180 مليار يورو خسائر من جراء أصول مرتبطة بالرهن العقاري.

وقد أوضحت نتائج اختبار الملاءة عن كون مصرف بنكي قد يواجه عجزا في رأس المال بنحو 24.7 مليار يورو، في حين قد يواجه مصرف بانكو بوبيلر إسبانيول ما قيمته 3.22 مليار يورو، في حين أوضحت نتائج الاختبار الذي أجري على نحو 14 مصرفا إسبانيا أن 7 مصارف متضمنين بانكو سانتاندير، بانكو بيلباو فيزكيا ارجنتارنا ومصرف بانكو سابديل صمدت أمام الاختبار، ولم توضح عجزا. الجدير بالذكر أن ذلك الاختبار يعد محاكاة لقدرة تلك المصارف على الصمود في أسوأ السيناريوهات التي قد يشهدها رابع أكبر اقتصادات القارة، وهو انكماش الاقتصاد الإسباني بنسبة 4.1 في المائة خلال العام الحالي 2012، وبنسبة 2.1 في المائة خلال العام المقبل 2013، وبنسبة 0.3 في المائة خلال عام 2014، ذلك بالإضافة لارتفاع معدلات البطالة لنسبة 27.2 في المائة خلال العامين المقبلين، مع ارتفاع العائد علي سندات الحكومة الإسبانية لأجل 10 سنوات لنسبة 7.4 في المائة خلال العام الحالي، ولنسبة 7.7 في المائة في عامي 2013 و2014.. كما أشار البيان لكون نتائج الاختبار قد أسفرت أيضا عن كون مصرف «ستاندير» أظهر فائضا بنحو 25.3 مليار يورو، في حين أظهر مصرف «ببفا» فائضا بنحو 11.2 مليار يورو، وكل من «كايسابنك» و«بانكا سيفيكا» مجتمعين أوضحوا فائضا بقيمة 5.7 مليار يورو، بالإضافة لمصرف «بانكينتير»، الذي أوضح فائضا بقيمة 399 مليون يورو، وقد أكد مصرف «بانكو بوبيلر إسبانيو» على موقفه من جديد أنه لن يسعي للحصول على مساعدات، وأنه سيتقدم للمنظمين بخطط إعمال واستراتجيات لتعزيز رأس المال قريبا. وفي باريس، كشفت الحكومة الفرنسية عن ميزانية تقشفية صعبة تتضمن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق في محاولة لتلبية أهداف طموحة للحد من العجز العام. إلا أن رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرول واصل التأكيد أن 90 في المائة من الشعب الفرنسي لن يخضعوا لارتفاع الضرائب في عام 2013. ويتعين على الحكومة الفرنسية في الميزانية التي ستقدم إلى البرلمان الشهر المقبل توفير أكثر من 36 مليار يورو (47 مليار دولار) لتلبية احتياجات الموازنة على مدى الأشهر الـ12 المقبلة والحد من مواصلة العجز. ويبلغ العجز العام في فرنسا حاليا 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تستهدف الحكومة خفض العجز إلى 3 في المائة خلال عام 2013، وفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي. وتعتزم الحكومة الفرنسية زيادة الإيرادات العامة من خلال رفع ضرائب مرتفعة بشكل مؤقت على الأرباح لأكثر من مليون يورو إلى 75 في المائة، وبنسبة 45 في المائة على الأرباح لأكثر من 150 ألف يورو.

ويبلغ الدين العام الحكومي 91 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يعد الأكبر منذ فترة ما بعد الحرب، ويقول رئيس الوزراء جون مارك إيرولت: «هذه الميزانية تعتبر فصلا سياسيا مهما. فرنسا تلعب دورا مهما داخل أوروبا الحالية التي تعرف تحولات كثيرة، دور تقوم به تحت الرئاسة الجديدة لفرنسوا هولاند»، هذه الميزانية التي تعتبر الأكثر تقشفا في البلاد منذ 30 عاما تأتي على خلفية عجز الاقتصاد الفرنسي في تحقيق النمو المطلوب لتجاوز الأزمة المالية. فاليري بيكراس، النائبة المنتمية لحزب اليمين المعارض تقول: «هي ميزانية ستقود البلاد إلى الركود، الضرائب ستؤثر على الشركات التي ستضطر إلى إيقاف استثماراتها مما سيؤثر سلبا على قطاع العمل، الضرائب ستؤثر أيضا على استهلاك الأسر»، يشار إلى أن عدد العاطلين عن العمل في البلاد وصل إلى 3 ملايين شخص، وهو رقم لم تشهد له فرنسا مثيلا منذ عام 1999. وفي روما، تجمع 30 ألف عامل إيطالي وسط العاصمة، تلبية لدعوة 2 من كبرى النقابات العمالية، احتجاجا على سياسة التقشف التي يتبعها رئيس الوزراء ماريو مونتي منذ شهر أغسطس (آب) الماضي. كما تزامنت هذه التظاهرة مع أخرى أقامها عمال مصنع للصلب في جنوب إيطاليا، كما انضم إليها العاملون في القطاعين الصحي والنظافة والشرطة. عضو ف إحدى النقابات يقول: «نحن ضد سياسة التقشف هذه، لأن هذه الحكومة تتكون من أساتذة أجروا هذه التخفيضات في اتجاه واحد فقط، من دون اكتشاف أين تقع الخسائر الحقيقية» يشار إلى أن معدل البطالة في إيطاليا يناهز 11 في المائة، وهو أعلى معدل عرفته البلاد منذ السنوات الـ8 الماضية. التخفيضات في الميزانية الجديدة بالإضافة إلى التدابير الأخرى المتخذة بما فيها زيادة الضرائب وإصلاح قانون العمل التي فرضتها الحكومة، لا تحظى بشعبية بين عدد كبير من المواطنين الإيطاليين.