حكومة الهند تتخذ إجراءات إصلاح اقتصادية كبيرة بهدف خفض عجز الموازنة

بعد تباطؤ النمو في ثالث أكبر اقتصاد آسيوي إلى 5.5% من 8.5% سنويا من 2003 إلى 2011

هندية تتأمل في أسعار البورصة في احدى أسواق حيدر أباد ( أ ب )
TT

مع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي إلى ما دون مستوى 6 في المائة، وتراجع الاستثمار الأجنبي بنسبة 67 في المائة خلال الربع الأول من العام المالي 2012 - 2013، واقتراب سعر تداول الروبية من أدنى مستوى له على الإطلاق في مقابل الدولار الأميركي، وارتفاع أسعار النفط بشكل يزيد من نسب عجز الموازنة، قامت حكومة الهند بإجراء إصلاحات اقتصادية كبيرة ترمي إلى تقليل العجز في موازنة الدولة على حساب الشعب العامل، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتحفيز إعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية الرئيسية حتى تحقق ربحية أكبر لرؤوس الأموال.

ومع تباطؤ معدل النمو في ثالث أكبر اقتصاد آسيوي إلى 5.5 في المائة مقابل 8.5 في المائة سنويا خلال الفترة التي امتدت من عام 2003 إلى عام 2011، أعلنت الحكومة الهندية عن فتح قطاعات التجزئة والطيران المحلي والإعلام أمام المزيد من الاستثمار الأجنبي، حيث سيسمح لشركات التجزئة الأجنبية العملاقة متعددة الجنسيات مثل «وال مارت» و«تيسكو» و«كارفور» بالحصول على حصة ملكية تبلغ 51 في المائة من المتاجر ذات العلامات التجارية المتعددة، وسوف يكون في مقدور المستثمرين الأجانب أن يمتلكوا ما يصل إلى 49 في المائة من شركات الطيران المحلية، كما بدأت تتردد بالفعل تكهنات بشأن شركات الطيران الشرق أوسطية مثل «طيران الإمارات» أو «الخطوط الجوية القطرية» أو الآسيوية مثل «الخطوط الجوية السنغافورية»، وسوف يكون في مقدور المجموعات الإعلامية الأجنبية زيادة حصة ملكيتها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من 49 في المائة إلى 74 في المائة، كما تتضمن الإصلاحات أيضا تسهيل إجراءات الاقتراض من البنوك الأجنبية.

كذلك أعلنت الحكومة أنها ستبيع حصصا في عدة مشاريع كبرى مملوكة للدولة بقيمة 150 مليار روبية (2.7 مليار دولار أميركي)، كما ذكر وزير المالية شيدامبارام بالانيابان أن الإصلاحات الجديدة سوف تتضمن تخفيض أوجه الإنفاق الحكومي، وإدخال تخفيضات جديدة على ضرائب الشركات، وتطبيق نظام ضريبي أكثر «شفافية» على المستثمرين بأثر رجعي. ودافع رئيس الوزراء مانموهان سينغ عن الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها حكومته، قائلا إنها ضرورية لمحاربة التباطؤ الاقتصادي في الهند، وذكر سينغ في خطاب تلفزيوني نادر وجهه إلى الشعب: «علينا أن نعيد الثقة إلى المستثمرين الأجانب.. المال لا ينمو على الشجر، ولهذا اتخذنا هذه القرارات».

وقد تعرضت الهند لانتقادات كثيرة خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب عدم قدرتها على اتخاذ تدابير للنهوض باقتصادها، وسبق أن قامت وكالتا التصنيف الائتماني العالميتان «فيتش» و«ستاندرد آند بورز» بالفعل بخفض توقعاتهما المتعلقة بمعدلات النمو في الهند لعام 2012 - 2013، وبررتا ذلك بعدم إجراء إصلاحات في السياسات المتبعة والتباطؤ في التصنيع وحركة الصادرات. وهددت الوكالتان أيضا بخفض التصنيفات السيادية للهند إلى تصنيف «عالي المخاطر» (Junk)، مما يعني أن الهند قد تكون أول دولة تترنح من دول مجموعة «البريك»، وقد يتم خفض تصنيفها الائتماني السيادي إلى ما دون الدرجة المواتية للاستثمار. كما قام صندوق النقد الدولي بخفض توقعاته بشأن معدلات النمو الاقتصادي في الهند لعام 2012 إلى 6.1 في المائة، بعد أن كانت 6.8 في المائة في شهر أبريل (نيسان) الماضي.

وواجه مانموهان سينغ هجوما حادا عندما وصفته مجلة «التايم» بأنه «مقصر» وأنه «رجل يعيش في الظل»، وقالت المجلة منتقدة أداء رئيس الوزراء والحكومة التي يرأسها: «الهند في حاجة إلى إعادة تشغيل». وتهكمت مقالة ناقدة نشرت في صحيفة «واشنطن بوست» في وقت سابق هذا الشهر برئيس الوزراء سينغ، واصفة إياه بأنه «بيروقراطي عقيم ومهزوز يرأس حكومة غارقة في الفساد».

وقد شهد إجمالي الناتج المحلي في الهند نموا بنسبة 6.5 في المائة خلال عام 2011 - 2012، بتراجع كبير عن معدل النمو البالغ 8.4 في المائة الذي سجل في العام الماضي. وتستهدف الحكومة معدل نمو يبلغ 7 في المائة، إلا أن «بنك الاحتياطي الهندي» خفض نظرته المستقبلية إلى 6.5 في المائة لعام 2012 - 2013.

وعزت وسائل الإعلام الهندية الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة بصورة مباشرة إلى التهديدات التي صدرت عن وكالتي «موديز» و«فيتش» وغيرهما من الوكالات الدولية بخفض تصنيف الهند إلى وضع «سند عالي المخاطر» (Junk Bond) في حال عدم قيام حكومة «التحالف التقدمي المتحد» بخفض نسبة العجز في الموازنة إلى إجمالي الناتج القومي. ورحبت وكالة «ستاندرد آند بورز» بهذه التغييرات، إلا أنها قالت إنها ستظل تصف النظرة المستقبلية للهند بأنها «سلبية»، ويعود ذلك جزئيا على الأقل إلى أنه «في هذه المرحلة ما زال من غير المؤكد ما إذا كان من الممكن تطبيق الإصلاحات الجديدة أم لا».

وصرح أجاي سينغا، وهو المدير التنفيذي لـ«غرفة التجارة الأميركية الهندية»، بأن الهند لا بد أن تتماشى مع التطورات العالمية، وأضاف: «بالطبع هناك ضغوط. نحن نفعل ذلك، وهم أيضا يفعلون ذلك. في عالم مترابط، تكون جميع أنواع القوى فاعلة. هذه هي الخطوات الواضحة التي كان يمكن اتخاذها من أجل تحقيق إصلاحات».

وفي رهان كبير على المبادرات الإصلاحية التي اتخذتها الهند، قام المستثمرون الأجانب بضخ نحو 1.67 مليار دولار أميركي إلى سوق الأسهم المحلية منذ بداية الشهر حتى الآن، كما يتوقع المحللون أن تستمر هذه التدفقات الوافدة لأشهر مقبلة. وبلغ حجم استثمارات المستثمرين المؤسسيين الأجانب في سوق الأسهم المحلية 13.97 مليار دولار أميركي منذ بداية العام الجاري حتى الآن. ويرى محللو السوق أن تلك التدفقات الوافدة الضخمة تعود في الأساس إلى الإجراءات الكبيرة التي أعلنت عنها الحكومة مؤخرا، مثل تفعيل نسبة 51 في المائة من ملكية الاستثمار الأجنبي المباشر في شركات التجزئة ذات العلامات التجارية المتعددة، والسماح لشركات الطيران الأجنبية بشراء حصة تصل إلى 49 في المائة من شركات الطيران المحلية.

وأوضح فيفيك نيغي نائب رئيس قسم الأبحاث في شركة «ويلينديا»: «التدفقات الوافدة من المستثمرين المؤسسيين الأجانب كانت نتيجة للإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة الأسبوع الماضي في السياسات المتبعة، وأعتقد أنهم سيستمرون في الاستثمار في سوق الأسهم المحلية خلال الأشهر الـ6 إلى الـ8 المقبلة أيضا».

وكانت الحاجة الملحة هي ما دفع رئيس الوزراء سينغ إلى تطبيق الإصلاحات التي كانت مؤجلة لعدد كبير من الأسباب، منها: وجود معارضة شديدة تسعى إلى إظهار «التحالف التقدمي المتحد» في مظهر الفاشل، وعدم وجود إجماع داخل حكومة الائتلاف على الضرورات المتعلقة بالسياسات، وسيل الفضائح الذي أظهر الحكومة في مظهر الحكومة المحتضرة والملوثة حتى أذنيها. وفي لا مبالاة بالمعارضة المقبلة من الجماعات السياسية المعارضة ومن شركائه في حكومة الائتلاف أنفسهم، قام أحد هذه الأحزاب وهو حزب «مؤتمر ترينامول» بالفعل بسحب دعمه من حكومة مانموهان سينغ وسحب أعضائها الـ18 من البرلمان، إلا أن سينغ مضى قدما في إصلاحاته الاقتصادية، معلنا عن تغييرات في قوانين الشركات خلال الأسابيع المقبلة.