عدنان القصار لـ«الشرق الأوسط»: خسائر التحولات العربية 800 مليار دولار.. وتراجع حاد للاستثمارات الوافدة

رئيس الاتحاد العام للغرف العربية: الزيادات الإضافية للقطاع العام اللبناني تشكل كارثة للبلاد

عدنان القصار
TT

يحمل الوزير عدنان القصار الكثير من الملفات الشائكة في جعبته، فهو رئيس الهيئات الاقتصادية التي تمثل جمعيات القطاع الخاص في لبنان، البلد الذي يعاني إرباكات داخلية وإقليمية تسببت في انحدار حاد لمتوسطات نسب النمو الاقتصادي من متوسط 8 في المائة إلى نحو واحد في المائة فقط، وسط تحذيرات من دخول الاقتصاد الوطني في نفق الانكماش، وهو رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية التي تتوزع همومها بين «ربيع التغيير» السياسي والاقتصادي، وبين إعادة صياغة منظومة العلاقات الثنائية وتحت مظلة الجامعة العربية، في ظل تداخل مقلق بين العوامل الإقليمية والدولية.

في لقاء مع «الشرق الأوسط» سعى القصار إلى «نبش» بعض هذه الملفات، فبعدما حذرت تقارير مالية دولية من دخول الاقتصاد اللبناني فعليا في مرحلة ركود بعد تسجيل نمو سلبي في الفصلين الثاني والثالث بمتوسط 0,4 في المائة، يشير القصار إلى ضرورة «التوضيح بأن معدل النمو المتباطئ في لبنان لا يزال في المنحى الإيجابي، وليس سلبيا. ومن الممكن انخفاض معدل النمو المتوقع لعام 2012 من نسبة 2.5% إلى 1.2% بسبب تفاقم الأوضاع في سوريا التي أثرت سلبا على الاقتصاد اللبناني الذي يرتكز بشكل أساسي على قطاع الخدمات. وقد جاءت صرختنا كهيئات اقتصادية لتدارك الوضع والحد من إهدار الفرص التي تتيح لنا التقدم اقتصاديا وتحقيق معدلات نمو قريبة من 8 - 9% التي كنا قد حققناها خلال الفترة 2007 – 2010، في الوقت الذي كانت لا تتجاوز معدلات النمو في كبرى دول العالم نسبة 3%». وهنا نص الحوار.

* كيف تقيمون، كهيئات اقتصادية، التناقض بين تراجع النمو وموافقة الحكومة على زيادات إضافية لرواتب العاملين في القطاع العام بعدما حذرتم بشدة من الأضرار المرتقبة لقرار الحكومة؟

- موقفنا كهيئات صارم برفض مشروع سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، انطلاقا من مصلحة الاقتصاد الوطني ومصالح جميع اللبنانيين، وفي طليعتهم المستفيدون من السلسلة كي لا تكون مكتسباتهم وهمية. فهذا المشروع يفتقر إلى الموضوعية، وهبط علينا من دون أية دراسة مسبقة لتداعياته الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي قمنا بدراستها، ووجدنا أنها ستشكل كارثة فعلية على المواطن والقطاع الخاص على حد سواء. لقد شاركنا في اجتماع «لجنة الاقتصاد النيابية» بحضور الوزراء المختصين، وقدمنا مذكرتين إلى الاجتماع، تتعلق الأولى بتداعيات سلسلة الرتب والرواتب على الاقتصاد اللبناني، والثانية بتأثير الضرائب الجديدة لتمويل مشروع الحكومة لهذه السلسلة. وقد لمسنا تجاوبا من الجميع مع الأفكار التي طرحناها.

* ما المطلوب لإعادة إنعاش النمو في المرحلة المقبلة؟

- نحن نؤكد على إمكانية وأهمية استعادة عجلة النمو الاقتصادي إلى سابق عهدها وتعويض ما فات، بتوجيه الإنفاق العام إلى الاستثمار المجدي، والحفاظ على الاستقرار الضريبي، بالتزامن مع وضع سلة غنية من الحوافز والتسهيلات الضريبية عوضا عن فرض ضرائب جديدة، والمساهمة بالتالي في استقطاب الاستثمارات العربية والدولية الباحثة عن ملاذات آمنة ومربحة في ظل الظروف غير المستقرة في المنطقة نتيجة الربيع العربي.

* بصفتكم رئيسا للاتحاد العام للغرف العربية، كيف تنظرون إلى البعد الاقتصادي في ظل التغييرات السياسية في الكثير من دول المنطقة تحت مسمى «الربيع العربي»؟

- البعد الاقتصادي يمثل أحد أهم أركان أحداث «الربيع العربي»، كما أنه تلقى التداعيات بكامل ثقلها. وقد امتدت تأثيرات التحولات السياسية في عدد من الدول العربية إلى عام 2012، حيث أثرت على الاستثمار والسياحة والنشاط الاقتصادي. وكان على الدول العربية أن تتعامل مع تأثيرات هذه التحولات، بجانب ارتفاع أسعار السلع الأولية وانخفاض النمو العالمي والتداعيات السلبية لأزمة منطقة اليورو. وبنتيجة ذلك، وباستثناء عدد محدود من الدول، توقف دخل الفرد عن النمو أو انكمش، بينما ازداد عدد الشباب العاطلين عن العمل عما كان عليه الوضع قبل عام من الزمن، وارتفع معدل البطالة في العالم العربي بنقطتين مئويتين إلى 16%. ونخشى من أن يطول أمد الأحداث في سوريا، كما نخشى من أن تطول المراحل الانتقالية في دول الربيع الأخرى، مما يمكن أن يؤثر في استمرار عدم اليقين، وبالتالي استمرار التراجع أو الانكماش الاقتصادي.

* ماذا تتوقعون وما المطلوب لتمكين الاقتصادات العربية من اجتياز الانعكاسات والتداعيات التي أفرزتها الأحداث المتلاحقة في عدد من الدول العربية؟

- المرحلة المفصلية التي تمر بها البلاد العربية حاليا تتطلب مقاربة عربية مشتركة تحدث صدمة إيجابية، وتضع الحوافز والمبادرات والآليات الضرورية لتعزيز دور القطاع الخاص في التجارة والاستثمار في المجالات الحيوية والمولدة لفرص العمل المستدامة. والمطلوب الآن هو مواكبة التطورات والتحولات ووضع سلم للأولويات باتجاه ثلاثة أمور أساسية، وهي:

أولا: تصويب سياسات الإصلاح بما يوجه مكاسب وفوائد التنمية والنمو بين كل فئات المجتمع، ويعزز المساواة في فرص المشاركة للقطاع الخاص في التنمية.

ثانيا: إحداث تقدم ملموس لتوفير البيئة المناسبة للقطاع الخاص العربي، ولا سيما بإقرار اتفاقية عربية لتسهيل انتقال أصحاب الأعمال بين الدول العربية، وتطوير الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية بين الدول العربية لكي تواكب تطورات العصر ومتطلبات القطاع الخاص لمزيد من الكفاءة والإنتاجية، ولدور أفعل في إقامة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب الشركات العربية المشتركة، وفي إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص للاستثمار في قطاعات البنى التحتية.

ثالثا: تحقيق تقدم فعلي في إزالة العقبات التي تواجه حركة انسياب التجارة والاستثمار بين البلاد العربية، وتخفيض تكاليف النقل عن طريق استكمال البنى التشريعية والتحتية اللازمة وتقليص الوقت المستغرق للمعاملات والإجراءات.

* هناك تقديرات متباينة لحجم الخسائر والتداعيات التي نشأت عن التحركات الاحتجاجية في دول «الربيع العربي»، هل تملكون إحصاءات محددة وتحليلات أقرب إلى الدقة والموضوعية من خلال مجالس ومكاتب الغرف الأعضاء؟

- الخسائر تقدر بمئات مليارات الدولارات، وتزداد كلما طالت المراحل الانتقالية. وهناك تقديرات حديثة تشير إلى أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة تصل إلى نحو 800 مليار دولار، علما بأن الخسائر الأكبر تندرج تحت البند الثاني، خصوصا لدى طول مدة الأزمات. فقد ارتفعت التكاليف التشغيلية للشركات التي كان عليها أن تستمر بعملها رغم الصعوبات والتقطع الذي حدث والتأخر في التحويلات المالية. وقد شهدت تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى المنطقة العربية تراجعا بأكثر من النصف في عام 2011، حيث انخفضت إلى نحو 8.6 مليار دولار مقابل 22.7 مليار دولار لعام 2010 وفقا لتقديرات البنك الدولي. وكان التراجع الأكبر في كل من دول المغرب العربي ومصر والأردن وسوريا. وتشير التوقعات المتفائلة، في حال تمكن دول «الربيع العربي» من تجاوز المراحل الانتقالية وإطلاق ورش الإصلاحات الهيكلية، إلى إمكانية عودة مستوى تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى نحو 23 مليار دولار بحلول عام 2014، وهو المستوى المحقق في منتصف العقد الماضي. ومع أن عددا من دول المنطقة العربية يتمتع ببيئة جاذبة للاستثمار، غير أن عدم اليقين وغياب الاستقرار السياسي في عدة دول عربية لا تزال تؤثر كثيرا على مزاج المستثمرين المحليين والإقليميين والدوليين وعلى قراراتهم الاستثمارية.

* ما خططكم وتطلعاتكم لقمة الرياض الاقتصادية مطلع العام المقبل؟

- لقد باشر اتحاد الغرف العربية بالفعل التحضير لمشاركة فاعلة في الدورة الثالثة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية التي ستعقد في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية في مطلع عام 2013، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. ونتطلع إلى مبادرات جديدة بقيادته تواكب تطلعات الشباب العربي، وتنقل مسار التكامل الاقتصادي العربي من حالة المراوحة الحالية إلى مرحلة جديدة تخاطب احتياجات التنمية واحتياجات المواطن العربي، بشراكة ومسؤولية أساسية من القطاع الخاص العربي. ولهذه الغاية نعمل حاليا بالتعاون والتنسيق مع مجلس الغرف السعودية والجامعة العربية لعقد «منتدى القطاع الخاص العربي» التحضيري لهذه القمة في مدينة الرياض يومي التاسع والعاشر من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، الذي سيعقد تحت شعار «مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي العربي». وستتمحور أعمال المنتدى حول أهداف أساسية تتضمن الوقوف على الصعوبات التي واجهت تنفيذ قرارات القمتين الاقتصاديتين السابقتين، والبحث في وسائل مواجهة التداعيات الاقتصادية للربيع العربي، وإزالة عقبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إلى جانب تعزيز سهولة وكفاءة النقل والتنقل بين البلاد العربية. كما سيتم خلاله إطلاق عدة مبادرات من قبل القطاع الخاص العربي في مجالات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والأمن الغذائي العربي، وغيرها من المشروعات الهادفة إلى تنمية الاستثمار والتجارة، انطلاقا من مسؤوليات القطاع الخاص العربية الوطنية والقومية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما في ضوء المرحلة المفصلية والدقيقة التي يمر بها العالم العربي.