انخفاض معدلات البطالة يزيد تعقيد سباق الرئاسة الأميركية

وصل إلى أدنى مستوى له منذ تولي الرئيس أوباما السلطة

انخفض معدل البطالة تحت 8% للمرة الأولى منذ تولي الرئيس أوباما الرئاسة (أ.ف.ب)
TT

شهد معدل البطالة في الولايات المتحدة انخفاضا مفاجئا خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ الشهر الذي تولى فيه الرئيس أوباما السلطة، مما يدل على أن التعافي الاقتصادي أكثر ثباتا مما كان يعتقد في السابق، ويعطي الحملة الرئاسية منحى جديدا، حيث أضفى هذا التحسن ثقلا على تأكيدات أوباما بأن الاقتصاد في طريقه إلى استعادة عافيته، وهدد الحجة المحورية التي بنى عليها ميت رومني ترشحه للرئاسة بأن فشل أوباما في مهمته سبب كاف لاستبداله.

وأعلنت وزارة العمل الأميركية يوم الجمعة الماضي أن أصحاب الأعمال أضافوا مقدارا متواضعا بلغ 114 ألف وظيفة الشهر الماضي، وإن كانت التقديرات المتعلقة بما كان يعتبر مكاسب مخيبة للآمال خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين قد تم رفعها إلى مستويات أكثر قبولا. وتراجع معدل البطالة من 8.1 في المائة إلى 7.8 في المائة، ليتجاوز بذلك ما كان قد تحول إلى حد رمزي في الحملة الانتخابية، وليحرم رومني من خط هجوم مفضل لديه، وهو السخرية من الرئيس بسبب «مرور 43 شهرا متعاقبة ظل خلالها معدل البطالة أعلى من 8 في المائة».

وربما تكون الأهمية الاقتصادية لهذه الأرقام الجديدة أقل من أهميتها السياسية، حيث إنها لا تمثل سوى بيانات شهر واحد من الممكن أن تكون متقلبة للغاية ولا تعطي دلالة تذكر على أن التعافي البطيء قد بدأ في التسارع. وتقول إيلين زينتنر، كبيرة الخبراء الاقتصاديين بالولايات المتحدة في شركة «نومورا الدولية للأوراق المالية»، مشيرة إلى عقبات عالمية، مثل التباطؤ الذي تشهده الصين، وعقبات داخلية مثل قرب انتهاء فترات الإعفاء الضريبي: «لقد صمدنا بشكل مدهش حتى الآن في مواجهة كل هذه الرياح المعاكسة، ولكن من الصعب تماما أن نشهد ارتفاعا كبيرا فوق ذلك المدى من النمو بالنظر إلى أن هذه الرياح المعاكسة ما زالت موجودة».

ومع ذلك، فقد تلقف أوباما المتحمس هذه الإحصائيات أثناء جولته الانتخابية في ولايتي فرجينيا وأوهايو، في محاولة لاستعادة أرضيته بعد أداء ضعيف في المناظرة الأولى التي عقدت هذا الأسبوع. واندفع رومني، الذي كان ظهوره القوي في دينفر قد زاد من جرأة حملته الانتخابية، إلى التهوين من شأن هذا التقرير، قائلا إنه لا يعني سوى أن ملايين الأميركيين قد توقفوا عن البحث عن عمل.

وأثناء سلسلة اجتماعات حشد الناخبين التي جرت في ولاية فرجينيا، أعلن الرئيس: «هذه البلاد أصبحت أبعد من أن تعود إلى الوراء»، فرد عليه منافسه الجمهوري مؤكدا: «ليس علينا أن نظل على الطريق الذي كنا عليه. يمكننا أن نفعل ما هو أفضل».

وزعم بعض مؤيدي رومني - وعلى رأسهم جون ويلش الرئيس التنفيذي السابق لشركة «جنرال إلكتريك» - أن البيت الأبيض تلاعب في بيانات وزارة العمل كي يجعلها أكثر إيجابية، إلا أن إدارة الرئيس أوباما وخبراء الاقتصاد وبعض الجمهوريين رفضوا تلك الفكرة واعتبروها نظرية مؤامرة لا تستند إلى أي أساس.

وقد سبقت صدور تقرير الوظائف مؤشرات أخرى لتزايد قوة الاقتصاد، مثل الزيادة الكبيرة في ثقة المستهلكين، وتحقيق أقوى مبيعات للسيارات منذ 4 سنوات، وارتفاع أسعار الأسهم، وأخيرا بعد طول انتظار استقرار أسعار المنازل.

ووفقا لاستطلاع الرأي الشهري بين أصحاب الأعمال، فإن الكتلة الرئيسية من هذه المكاسب جاءت من الوظائف الخدمية، وخصوصا في مجالي التعليم والرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن خفض عدد الموظفين الحكوميين أثر على التعافي، فقد أضافت الحكومة بشكل إجمالي 10 آلاف وظيفة خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي يعتبر ثالث شهر على التوالي يشهد مكاسب. وأضاف أصحاب الأعمال في البلاد متوسط 146 ألف وظيفة شهريا خلال عام 2012، أي أعلى بنسبة بسيطة من الأرقام التي تعتبر ضرورية لاستيعاب العمال الجدد داخل قوة العمل. وقال رومني في بيان له: «ليس هذا هو ما يبدو عليه التعافي الحقيقي».

ومن المجالات التي شهدت ضعفا في خلق وظائف جديدة قطاع التصنيع - وهو من أكثر النقاط الإيجابية التي عرضها أوباما طوال حملة إعادة انتخابه - حيث فقد 16 ألف وظيفة بعد تراجع معدل قدره 22 ألفا في شهر أغسطس (آب) الماضي نتيجة التباطؤ العالمي، كما تراجع عدد الوظائف المؤقتة - الذي يعتبر عادة مبشرا بالنمو المستقبلي - بمقدار ألفي وظيفة. وقال أوباما وهو يخاطب حشدا مكونا من 9 آلاف شخص احتشدوا تحت الأمطار في «جامعة ولاية كليفلاند»: «الأنباء التي سمعناها اليوم ينبغي أن تمنحنا بعض التشجيع. لا ينبغي أن تكون عذرا للجانب الآخر كي يقلل من شأن الاقتصاد لمجرد أن يحاول إحراز بعض النقاط السياسية». وأضاف الرئيس وسط تهليل الحاضرين: «لقد حققنا تقدما أكبر بكثير من أن نعود إلى السياسات التي أدت إلى هذه الأزمة في الأصل».

والآن فقد عادت البلاد تقريبا إلى نفس عدد الوظائف الذي كان موجودا عندما تولى أوباما السلطة في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2009، وبما أن الاقتصاد أوقف نزيف الوظائف في شهر فبراير (شباط) عام 2010، فإن هذا يعني زيادة تتجاوز 4.3 مليون وظيفة، ومجرد تحقيق زيادة قدرها 61 ألف وظيفة سوف يسمح لأوباما بأن يدعي حدوث صافي زيادة في الوظائف خلال مدة ولايته. وقد أصدر البيت الأبيض ذلك الادعاء بالفعل بناء على أحد المقاييس المستخدمة، ففي إعادة معايرة سنوية تمت الشهر الماضي، كشفت «دائرة إحصاءات العمل» عن أنه تمت خلال الأشهر الـ12 المنتهية في مارس (آذار) الماضي إضافة وظائف أكثر بمقدار 400 ألف وظيفة مما كان يعتقد في السابق. وتعتبر هذه التعديلات مألوفة، إلا أن عملية التعديل تتسم بالبطء، حيث إن ذلك المعيار الجديد لن تتم إضافته إلى أرقام الوظائف الشهرية حتى أوائل العام المقبل.

وفي المقابل، ذكر رومني أن ذلك الانخفاض في معدل البطالة يخاطب أمة تفتقر إلى الأمل، وأكد أن ذلك المعدل كان سيصل إلى نحو 11 في المائة لو كانت نفس النسبة من الناس تبحث عن عمل الآن كما كانوا يوم انتخاب أوباما. وقال رومني داخل توكيل لمعدات المزارع في بلدة أبينغدون بولاية فرجينيا: «لو أنك سقطت من قوة العمل، لو أنك توقفت وقلت: (انظر، أنا لا أستطيع العودة إلى العمل، أنا فقط سأبقى في المنزل)، لو أنك سقطت تماما، فإنك لا تعود جزءا من إحصاءات التوظيف، وبالتالي يبدو كما لو كانت البطالة تتحسن».

وقد كان ذلك صحيحا في شهر أغسطس (آب) الماضي، عندما تراجع المعدل من 8.3 في المائة إلى 8.1 في المائة، ولكن هذه المرة تبين الإحصاءات أن أناسا أكثر يعملون، وليس أن الباحثين عن وظائف فقدوا الأمل وتوقفوا عن البحث عن عمل.

ويقوم تقرير الوظائف على استطلاعين للرأي - واحد خاص بالشركات وواحد خاص بالأسر - قد يقدمان صورتين مختلفتين. وعلى الرغم من أن استطلاع الرأي الخاص بالشركات أظهر نموا عاديا، فإن استطلاع الرأي الخاص بالأسر شهد زيادة هائلة قدرها 873 شخصا يعملون في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتبر استطلاع الرأي الخاص بالأسر أكثر تقلبا بكثير وعرضة لأخطاء سحب العينة، إلا أنه يلتقط جوانب سوق العمل التي لا يلتقطها استطلاع الرأي الخاص بالشركات، مثل العمالة الحرة والعاملين في المنازل. ويرجح خبراء الاقتصاد أن يكون استطلاع الرأي الخاص بالأسر هذا الشهر قد بالغ في إظهار التحسن، إلا أن مصداقيته تعززت بفضل زيادة قوية غير متوقعة في ثقة المستهلكين.

وربطت شركة استطلاعات الرأي (غالوب) بين التحسن في ثقة المستهلكين الشهر الماضي واليوم الأول من المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، وعزته في معظمه إلى زيادة التفاؤل بين الديمقراطيين، في الوقت الذي ظلت فيه الثقة بين الجمهوريين عند مستويات متدنية، إلا أن شركة «غالوب» لم تستطع أن تحدد ما إذا كانت السياسة أو الأوضاع الاقتصادية قد قادت هذا التغيير أم لا. ولم تكن مكاسب التوظيف موزعة بصورة متساوية؛ ففي حين بلغ معدل البطالة بالنسبة للعمال الأكبر سنا أدنى مستوى له منذ أعوام، فإن معدل البطالة بين الرجال السود لم يتحسن إلا بمقدار 0.1 نقطة مئوية، كما تراجعت فعليا حصة جميع الرجال السود الذين لديهم وظائف لتصل إلى 57.5 في المائة.

ولم يحدث أي تحسن ما بين شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) الماضيين فيما يتعلق بالمقياس الأوسع للبطالة، الذي يشمل العاطلين عن العمل الذين توقفوا عن البحث عن عمل ومن يعملون بدوام جزئي لكنهم يرغبون في العمل بدوام كامل، حيث ظلت تلك النسبة عند مستوى 14.7 في المائة، إلا أنها أقل من نسبة 16.4 في المائة قبل عام.